نشر الدكتور محمد زلفكار رحمت مقالًا في ميدل إيست مونيتور يروي فيه تجربته الشخصية مع الاستجواب الأمني في سنغافورة بسبب عمله الأكاديمي والبحثي المتعلق بفلسطين. في عام 2023، وأثناء عبوره مطار شانغي في سنغافورة، واجه موقفًا لم يكن يتوقعه في دولة مثلها، حيث أوقفه عناصر الأمن مرتين، ليس بسبب مخالفة قانونية أو حمل أشياء مشبوهة، بل بسبب كتاباته حول قضايا الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية.

ينتمي الكاتب إلى الجنسية الإندونيسية، ونشأ في قطر، حيث تلقى تعليمه المدرسي والجامعي، ثم انتقل إلى المملكة المتحدة للدراسة العليا، وعاش لاحقًا في كوريا الجنوبية بين 2022 و2025 حيث شغل منصب أستاذ باحث في جامعة بوسان للدراسات الأجنبية. على مدار سنوات، كتب باستمرار عن السياسة في الشرق الأوسط، مع اهتمام خاص بفلسطين، مدفوعًا بتاريخ شخصي ووضوح أخلاقي والتزام علمي.

في فبراير 2023، وأثناء عودته مع زوجته من كوريا إلى إندونيسيا عبر سنغافورة، خطط الزوجان لقضاء ليلة هادئة خلال التوقف المؤقت، تتضمن وجبة سريعة في أحد المراكز التجارية. لكن في نقطة الجوازات، أوقفه الأمن واصطحبه إلى غرفة معزولة، بينما بقيت زوجته تنتظر بقلق.

اقترب منه ثلاثة رجال وعرّفوا أنفسهم كضباط أمن تابعين لسنغافورة. سألوا عن خلفيته، وتنقلاته في دول الشرق الأوسط، وركزوا على أعماله الصحفية والأكاديمية. صادرو هاتفه وبدأوا بتفحص محتوياته. أحدهم وصفه بأنه "كاتب غزير"، ما أوضح له أنهم كانوا على علم مسبق به. وُجه إليه سؤال مباشر: "لماذا تكتب عن الشرق الأوسط، خاصة عن فلسطين؟" وسألوا أيضًا عن آرائه بشأن الوضع في المنطقة، ما كشف اهتمامًا ليس فقط بمحتوى كتاباته، بل أيضًا بمواقفه الفكرية.

رغم عدم توجيه تهمة محددة، أشار التركيز الواضح على مقالاته وسنوات إقامته في المنطقة إلى أن نشاطه الفكري هو السبب. لاحقًا، أخبرته زوجته أن أحد الضباط أبلغها صراحة أن التحقيق يرتبط بعمله الصحفي. بعد ساعات، أفرجوا عنه وأعادوه إلى بوابة المغادرة، لكنهم حذروه: "لا تكتب عن ما جرى هنا."

في سبتمبر من العام نفسه، واجه الموقف ذاته مجددًا خلال رحلة أخرى، حيث أوقف فور مسح جواز سفره. تكرر التحقيق وإن كان أقصر، لكن الأسئلة والمضامين بقيت كما هي. حتى في صباح اليوم التالي، عند محاولته ركوب الطائرة، وجّه مجددًا إلى نقطة تفتيش "خاصة".

أدرك الكاتب أن هذه الحوادث ليست عشوائية. اسمه وبياناته أُدرجت في قائمة المتابعة الأمنية. والمفارقة أن له ارتباطًا أكاديميًا رسميًا مع سنغافورة، عبر انضمامه إلى معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية. لكن هذا لم يشفع له أمام أجهزة الأمن، التي تجاهلت إسهاماته الأكاديمية وركّزت على آرائه.

ورغم سفره إلى أكثر من 40 دولة، بما في ذلك خضوعه لتحقيق في بريطانيا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، اعتبر أن ما حصل له في سنغافورة – أول بلد زاره في شبابه – تجربة صادمة وغير متوقعة.

ويشير الكاتب إلى أن موقف سنغافورة من فلسطين يعكس توجهًا واضحًا. ورغم تبنيها الرسمي لحل الدولتين، تنحاز فعليًا إلى إسرائيل، وتربطها بها علاقات عسكرية متينة، تشمل شراء أسلحة إسرائيلية. لذلك، يُفهم ضمنًا أن انتقاد إسرائيل أو دعم حقوق الفلسطينيين مرفوض في الفضاء العام في سنغافورة. وللباحثين الأجانب، حتى مجرد التوقف المؤقت في مطارها قد يكفي لإثارة الشبهات.

ويطرح المقال تساؤلات مهمة حول حرية التعبير واستقلالية الأكاديميا في عالم تتزايد فيه الدول التي تُخضع حرية الرأي لحسابات سياسية. ويوضح الكاتب أنه بعد هذه التجارب، يتجنب المرور عبر سنغافورة أو المشاركة في فعاليات داخلها، لأنه لم يعد يشعر بالأمان في بلد يعاقب من يكتب لا من يخالف.

ويختم مقاله بالتأكيد أن على المجتمع الأكاديمي والصحفي أن يبقى يقظًا، وأن يستمر في قول الحقيقة والدفاع عن القضايا العادلة، خصوصًا القضية الفلسطينية. ويطالب سنغافورة بمراجعة ممارساتها، إذا أرادت الحفاظ على صورتها كمركز عالمي للعبور والتعليم. ويشدد أن فلسطين ليست تهمة، والكتابة عنها ليست جريمة.

لقد طُلب منه الصمت. لكنه يرى أن الصمت في مثل هذه الحالات هو خيانة للحقيقة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250510-i-was-interrogated-in-singapore-twice-for-writing-about-palestine/