اقتربت الساعة من منتصف الليل، هذه العبارة لم تفارق ذهني بعد عودتي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنا أحاول استيعاب حجم الاضطهاد الذي شهدته هناك. صورة "منتصف الليل" الحقيقية – لحظة الانفجار – تعجز المخيلة عن رسمها بالكامل، لكن رعب غزة المحفور في الضمير العالمي اليوم يجعلها أكثر وضوحًا للعيان. هذا ما وثّقه الكاتب البريطاني شوكت آدم في مقاله المنشور في موقع ميدل إيست آي بعد زيارة قام بها إلى الضفة الغربية المحتلة.

مرت أيام على الزيارة، ولم تحظَ باهتمام يُذكر في الإعلام السائد. لذلك، كان من المريح أن أشاهد وثائقي لويس ثيرو عن المستوطنين الإسرائيليين يشعل بعض النقاش العام، رغم الانتقادات التي طاولته، بزعم تحريفه لصورة المستوطنين.

يختلف الكاتب مع هذه الانتقادات. مصطلح "مستوطنين" نفسه يبدو متساهلًا. الكلمة توحي بالهدوء، ببعض الثلج المتساقط، بمسافرين يلتفون حول نار. لكن ما رأيناه وثقه ثيرو: ليسوا مستوطنين، بل محتلين. ليسوا "يستوطنون"، بل يزعزعون كل ما حولهم.

رأينا ذلك بأعيننا: مستوطنون مسلحون يرعون ماشيتهم في أرض يملكها قانونيًا رجل فلسطيني في الثانية والثمانين. وقف مرتجفًا، دامع العينين، عارضًا وثائقه الموروثة عن أبيه، يستعطف من يصغي، دون جدوى. أحاطت به قلة من الفلسطينيين، ونشطاء إسرائيليين ودوليين، وأنا ومن معي من الوفد، شهود عاجزون في مشهد عبثي بقسوته.

وقف المستوطنون مزهوين بأسلحتهم، تحرسهم سيارة شرطة إسرائيلية ساكنة. رجال الشرطة يراقبون بصمت، بسلاحهم، بجو مريب. والماشية تواصل الرعي ببراءة.

ظلَّ الظلم في الهواء كثقل لا ينقشع. الصورة كانت مصغرة عن الواقع الأوسع: المستعمر يواصل استعماره، والمستعمَر في ذهول دائم، بينما النظام العالمي "القائم على القواعد" يكتفي بالهمس – إن فعل شيئًا أصلًا.

انتهكت إسرائيل القانون الدولي بكل اطمئنان، بدعم غربي لا يتزعزع، والعالم إمّا غافل أو غير آبه، وربما كلاهما.

تكررت هذه المشاهد مرارًا، بأشكال مختلفة. في الخليل، وقفنا أمام بيت مضيفنا الفلسطيني، وأبلغه مستوطنان بثقة وازدراء أنهما سيأخذان بيته قريبًا. أمراه بالرحيل، شتما العرب والنبي محمد، وبصقا على الأرض قبل أن يغادرا وهما يشيران بوقاحة، تحت نظر الجنود الإسرائيليين الصامتين.

وحين سئلا عن سبب تصرفهم هذا، أجابا ببساطة: "الله أعطانا هذه الأرض"، وكأن الإهانة والعدوانية لهما تبرير إلهي.

ثم كان المشهد في المسجد الأقصى، المقدس لأكثر من مليارَي مسلم. تزامن زيارتنا مع عيد الفصح اليهودي، حين أغلق مستوطنون المداخل وهم يغنون عن عزمهم على بناء "الهيكل الثالث" مكان الأقصى. رفرفت أعلام الهيكل في القدس، وحُرم المسلمون والمسيحيون من دخول أماكن عبادتهم، بينما دخل المستوطنون الحرم برفقة القوات الإسرائيلية.

قال مرشد محلي للكاتب، إن القدس تشبه الفسيفساء الدينية والثقافية. لكن ما يحدث اليوم يُشبه الضرب بمطرقة على هذه الفسيفساء الجميلة، لاستبدالها بلوح واحد باهت. استمرار هذه الاستفزازات دون رد يهدد بكارثة لا نجرؤ على تصورها.

وبينما يتابع العالم مجازر غزة – بحق – لا يجوز أن نغفل عما يحدث في الضفة الغربية المحتلة. تستمر هناك عملية نزع إنسانية الفلسطينيين، بغطاء بيروقراطي وعناوين مخففة، لكنها حقيقية ومتسارعة.

ويقول الكاتب: "تذكرت كلمات الطبيب الراحل إياد السراج، مؤسس برنامج غزة للصحة النفسية، حين قال إن الاحتلال ترك الفلسطينيين "منهكين، معذبين، محطمين". رأيت ذلك في وجه أم أرملة شابة في طولكرم، المدينة التي استقبلت مؤخرًا موجات جديدة من المهجرين. أمسكت بيد طفلتها الصغيرة، تمسكت بها، وهمست لي بصوت خافت: "أنتم نسيتمونا".

وختم: "أردت أن أنكر، طمأنتها أننا لم ننسَ، وأننا نذكرها هي وابنتها وشعبها. وربما هذا صحيح من حيث المشاعر. لكن من حيث الأفعال، وجدت نفسي أواجه الحقيقة المؤلمة: لا، لم ننسَ الفلسطينيين. لكن، نعم – خذلناهم".

 

https://www.middleeasteye.net/opinion/my-message-palestinians-we-have-not-forgotten-you-but-we-failed-you