عاد الجدل بقوة في مصر حول التوسع الاستثماري الإماراتي في القطاعات الاستراتيجية، وتحديداً الموانئ، بعد الإعلان عن توقيع اتفاق جديد بين الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ومجموعة موانئ أبوظبي، يمنح الأخيرة حق تطوير منطقة صناعية ولوجستية في شرق بورسعيد بعقد يمتد لخمسين عاماً قابلة للتجديد، ما فتح باباً واسعاً للتساؤلات حول شفافية الصفقة ومردودها الاقتصادي، والأهم: تبعاتها الاستراتيجية.

صفقة شرق بورسعيد: استثمار أم استحواذ ممتد؟
الاتفاقية التي أُعلن عنها مؤخراً تمنح مجموعة موانئ أبوظبي تطوير منطقة صناعية بمساحة 20 كيلومتراً مربعاً ضمن منطقة شرق بورسعيد، حيث تبدأ المرحلة الأولى بمساحة 2.8 كيلومتر مربع، باستثمار أولي يُقدّر بـ120 مليون دولار، تشمل دراسات فنية وسوقية، وإنشاء رصيف بحري بطول 1.5 كيلومتر، قد يتضمن محطة شحن متعددة الأغراض.

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي حاول احتواء الجدل، مؤكداً أن العقد "نظام مطور صناعي" مثل 14 عقداً آخر في المنطقة ذاتها، ومشيراً إلى أن المشروع يمثل "منصة صناعية تخدم التجارة بين الشرق والغرب"، لكن الردود الحكومية لم تهدّئ من حجم الانتقادات، التي ارتبطت بطبيعة التمدد الإماراتي شبه الحصري في قطاع الموانئ بمصر، وسط غياب عروض تنافسية من دول أو كيانات اقتصادية أخرى.

تساؤلات حول العوائد والشروط
مصدر اقتصادي مطّلع عمل سابقاً في الهيئة العامة لتنمية منطقة القناة وصف الصفقة بـ"الحساسة شعبياً واستراتيجياً"، مشيراً إلى أن مبلغ الاستثمار في المرحلة الأولى ضعيف نسبياً، وأن العوائد الفعلية للحكومة من أرباح المشروع لا تتجاوز 15%، في حين تحتفظ الشركة الإماراتية بالباقي، ولمدة 50 عاماً على الأقل، قابلة للتمديد.

وذهب المصدر إلى أبعد من ذلك، معتبراً أن الاتفاقية تمنح فعلياً "استحواذاً مدى الحياة"، نظراً لغموض بنود التجديد وطول فترة الانتفاع، مع عدم إعلان الحكومة عن تقييم شامل للمشروع أو مقارنته بعروض بديلة.

استثمارات إماراتية في 6 موانئ من أصل 16
الاتفاقية الأخيرة ليست الأولى من نوعها. فالإمارات عبر شركتي موانئ دبي وموانئ أبوظبي تمتلك استثمارات في 6 موانئ مصرية من أصل 16، من بينها العين السخنة، الإسكندرية، الغردقة، سفاجا، شرم الشيخ، والعريش، بالإضافة إلى مشاريع لم تُنجز بعد، مثل تطوير 95 كيلومتراً مربعاً بالعين السخنة.

وبينما تشير الحكومة إلى أن هذه الاستثمارات تعزز من قدرة مصر التنافسية في حركة التجارة العالمية، يرى خبراء أن كثافة الحضور الإماراتي في قطاع واحد وبمثل هذا التمدد الجغرافي، تضعف من قدرة الدولة على التحكم في مفاصل حيوية، وتفتح الباب أمام تبعات سياسية وأمنية مستقبلية.

شبهة تغييب التنافسية وغياب الشفافية
خبير ملاحة بحرية فضّل عدم ذكر اسمه قال إن المشاريع الكبرى يجب أن تُطرح بشكل تنافسي على مستثمرين عالميين، ما يضمن أفضل عوائد وشروط ممكنة. لكنه لاحظ أن الاتفاق مع موانئ أبوظبي جاء مفاجئاً ودون إعلان مسبق عن مناقصة أو آلية لاختيار أفضل العروض.

وأضاف أن الحكومة بدأت الترويج لأهمية المشروع فقط بعد توقيع العقد، بدلاً من أن تستبق الجدل بتوضيح المكاسب وأسباب التعاقد مع شركة بعينها، وهو ما فاقم الشكوك بدلاً من تبديدها.

حساسية الموقع الجغرافي وأبعاد الأمن القومي
يشير العديد من المتخصصين إلى أن منطقة شرق بورسعيد ومحيطها تحظى بأهمية استراتيجية قصوى، لكونها نقطة ارتكاز في خريطة التجارة العالمية وقريبة من سيناء وقناة السويس. لذا فإن منح جزء منها لاستثمار أجنبي طويل الأمد يُثير علامات استفهام بشأن الأمن القومي، خاصة مع التسهيلات الحكومية الكبرى التي سبقت هذه المشاريع مثل حفر الأنفاق وإنشاء الكباري والطرق لربط شرق القناة بغربها.

ويرى بعض الخبراء أن ما اعتبرته الحكومة مكسباً في استقطاب العملة الصعبة، قد يتحول إلى عبء مستقبلي حينما تُحتكر العوائد من قبل مستثمر أجنبي لعدة عقود.

الإمارات.. شريك اقتصادي أم منافس استراتيجي؟
شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر وشركات إماراتية مثل "موانئ دبي" و"موانئ أبوظبي" توترات سابقة، لا سيما بسبب الطريقة التي أُدير بها ميناء العين السخنة، وسط اتهامات بعرقلة تطويره.

ومع التوسع الإماراتي في موانئ البحر الأحمر والبحر المتوسط، ومشاريعها في موانئ منافسة مثل بربرة في الصومال أو حيفا في إسرائيل، باتت القاهرة مدفوعة أكثر لاستخدام ورقة التنافس بين أبوظبي ودبي لصالحها، وهو ما فسره البعض بدخول "موانئ أبوظبي" على خط الصفقات الجديدة.

لكن اقتصاديين حذروا من أن استبدال شريك بشريك دون تنظيم تنافسي شفاف قد لا يخدم مصالح البلاد فعلياً.