منذ بداية الحرب على غزة، بثّت مشاهد العنف بشكل مباشر للعالم، فكشفت صور الأطفال تحت الأنقاض، والمرضى المهملين في مستشفيات محاصرة، والوجوه الشاحبة بفعل الجوع. راهن كثيرون على أن هذا التوثيق سيوقظ ضمير العالم ويدفعه للتحرك، لكن الواقع كشف عجزاً مروعاً وتواطؤاً فاضحاً.

ينتج الاحتلال صوراً مزيفة لتبرير حربه، كما حدث عندما نشر صورة محروقة لطفل ادّعى أنها نتيجة هجوم فلسطيني، في حين تجاهلت المنصات ذاتها صور الأطفال المحروقين بفعل نيران الجيش الإسرائيلي. هذا التحيّز لا يقف عند حدود التزييف، بل يشمل إنكار معاناة الفلسطينيين، وتجاهل الفاعل في صوغ الأخبار، حيث يُستبدل القتل بالموت، ويُخفى اسم القاتل حين يكون إسرائيلياً.

يرفض الإعلام الغربي الاعتراف بقتل الأطفال الفلسطينيين حرقاً، رغم انتشار الأدلة. وتظهر هذه الازدواجية ضمن منظومة مركزية غربية تحتكر رواية الأحداث وتحدد لمن تُمنح التعاطف، ولمَن تُحجب. ولو وُثقت نفس الفظائع بحق أطفال أوروبيين، لاشتعلت الدنيا غضباً، لكن حين الضحايا فلسطينيون، تصبح المجازر "أحداثاً اعتيادية".

تُمارَس الإبادة بوسائل الجوع، لا الكاميرا فقط. آلاف ينتظرون كسرة خبز أو شربة ماء. يموت الأطفال من الجوع علناً، وتُحرَم الحوامل والمواليد من الرعاية. ليست هذه مجاعة طبيعية، بل سياسة منهجية لخنق السكان وتجويعهم لإخضاعهم، وكل ذلك بدعم غربي مباشر، وسط صمت عربي مدوٍّ.

تُبَث المجازر على الهواء، لكن العالم يتجاهل. يُمنَح القَتَلة الوقت والغطاء لمواصلة جرائمهم، لأن الضحايا من شعب "غير مرئي" بنظر النظام العالمي. ومع استمرار هذه الوحشية، تذبل فاعلية الصورة، وتفقد قدرتها على الصدمة، فتصبح الفظائع مألوفة في نظر الرأي العام.

في الماضي، حرّكت صور مجازر معينة الرأي العالمي، مثل قصف مدرسة الفاخورة عام 2008، أو قتل أطفال بكر على الشاطئ في 2014. أما اليوم، فرغم ازدياد البشاعة، لم يعد الغضب العالمي يتجاوز بيانات فاترة. صار الاحتلال يدرّب العالم على التكيّف مع الوحشية، ويعوّده عليها.

يُهيّأ الجمهور لتصديق أن هذه الجرائم "عادية" لا تستحق الغضب أو التحرك، بينما يدّعي الغرب الأخلاق ويتجاهل دوره في دعم الجريمة. هنا تتجلى معادلة "الوحشية المقبولة"، حيث تُقتل الشعوب أمام الكاميرات، لكن دون عواقب فعلية على القَتَلة.

لمواجهة هذا، يجب إعادة الاعتبار للقصص الفردية، ولأسماء الضحايا ووجوههم، حتى لا تضيع معاناتهم في زحمة التكرار. لا بد من تحريك الضمير الشعبي لممارسة ضغط فعلي على أصحاب القرار، ومحاسبة المتورطين بالصمت أو التبرير أو التواطؤ.

في النهاية، لا تكفي الإدانات الضعيفة أو التصريحات المنمقة. كل تهاون في تسمية الجريمة يشجع استمرارها. الاحتلال يفهم الصمت على أنه ضوء أخضر، ويواصل حربه بالتجويع والقصف، مطمئناً إلى أن العالم اعتاد مشهد الإبادة، ولم يعد يراها جريمة تستحق الوقف.

https://www.middleeastmonitor.com/20250507-the-impact-of-these-documented-atrocities-must-be-preserved/