استأنفت الحكومة أعمال إزالة مقابر القاهرة القديمة، رغم وعود رسمية سابقة بوقفها، وتشمل الإزالات الجارية قببًا ومآذن تعود إلى عصور المماليك والعثمانيين، لصالح مشروع مروري جديد يمتد بين طريق صلاح سالم ومحور الحضارات، إضافة إلى إنشاء موقف سيارات متعدد الطوابق أمام سور القاهرة الفاطمية، في خطوة تعيد إلى الواجهة أزمة هدم المقابر التاريخية

 

قبب ومآذن تحت الحصار
نشرت صفحة “إنقاذ جبانات القاهرة التاريخية” على موقع فيسبوك صورًا توثق تواصل أعمال الهدم، كان أبرزها إزالة قبة العالم الفلكي محمود باشا الفلكي (1815-1885)، أحد أبرز مؤسسي علم الفلك الحديث في مصر، إلى جانب قبة نام شاز قادن، والدة الأمير محمد عبد الحليم، حفيد محمد علي باشا، ومئذنة خانقاه قوصون، إحدى المعالم المعمارية النادرة من عصر المماليك.

وشملت الإزالات أحواشًا ومقابر تاريخية في مناطق متعددة من العاصمة، أبرزها مقبرة الإمام الشافعي، ومقبرة سيدي جلال بمنطقة السيدة عائشة، وتعود معظم هذه المدافن إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبعضها أقدم من ذلك.

 

مشروع مروري يهدد الذاكرة
بحسب مصادر محلية، تسعى الحكومة لإقامة محور مروري بديل لطريق صلاح سالم، يتضمن إزالة جسر السيدة عائشة خلال ثلاثة أشهر، بحجة تخفيف الازدحام في قلب العاصمة التاريخية.

غير أن هذه التوسعات تأتي على حساب مناطق مصنفة كتراث عالمي، مدرجة ضمن قوائم الحماية لدى منظمة اليونسكو، ومشمولة بالحماية القانونية بموجب قانون البناء المصري رقم 119 لسنة 2008، وقانون الحفاظ على المباني ذات الطابع المعماري رقم 144 لسنة 2006.

 

التاريخ يُنتزع من تحت الأرض
الانتهاكات المستمرة طالت أيضًا مقبرة حافظ إبراهيم، شاعر النيل، وحوش عتقاء الأمير إبراهيم حلمي الخاضع لإشراف وزارة الأوقاف، في سابقة أثارت قلق المختصين وعلماء الآثار، الذين حذروا من أن القاهرة تخسر يومًا بعد يوم طبقاتها الثقافية والمعمارية.

وكانت محافظة القاهرة قد أوقفت في وقت سابق عمليات الدفن في مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، تمهيدًا لما وصفته بـ"إعادة تخطيط المنطقة"، ما دفع بعض العائلات إلى نقل رفات موتاها إلى مدافن بديلة في مدينة العاشر من رمضان.

 

وعود رسمية لم تصمد طويلاً
في أكتوبر من العام الماضي، أعلن رئيس حكومة السيسي وقف الهدم في مقابر الإمام الشافعي، إثر موجة غضب شعبي، وأكد آنذاك أن الدولة “حريصة على حماية المنشآت التراثية”، سواء المسجلة رسميًا كآثار أو تلك ذات القيمة التاريخية غير المدرجة، وأصدر تكليفات فورية بعدم المساس بأي مبنى تراثي في المنطقة.

لكن هذه الوعود تبددت مع عودة الجرافات، وسط صمت رسمي، ما يثير تساؤلات عن مستقبل الإرث العمراني في العاصمة القاهرة، ومدى التزام السلطات بتعهداتها المحلية والدولية.