فيما يحذّر مثل قديم من أن "كلما كبر حجمك زادت سقطاتك"، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتجاهل دروس التاريخ، غير مبالٍ بحقيقة أن صعوده المتواصل لا يخفي نقاط ضعف بلاده، بل يكشفها أكثر. حملته الأخيرة ضد مصر ليست سوى دليل جديد على فشل إسرائيل في تغيير الواقع السياسي في غزة، بعد أكثر من 17 شهرًا من الحرب المدمرة.

يحاول نتنياهو إظهار القوة من خلال استعداء مصر، لكن هذا النهج لا يعكس إلا ضعفه، خاصة أنه لم يحقق أيًا من أهدافه المعلنة في غزة. فمنذ 7 أكتوبر 2023، انكشفت عيوب القيادة الإسرائيلية بوضوح، وتعرّضت تل أبيب لإدانة عالمية بسبب عدوانها على الفلسطينيين، الذي أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 160 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال. كما أصبح نتنياهو مطلوبًا لدى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال بحقه في نوفمبر 2024، فيما تواجه إسرائيل اتهامات بارتكاب إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية.

رغم كل هذه الأزمات، لم يتراجع نتنياهو، بل زاد من تعنّته، مواصلاً حربه على غزة، وإبقاء قواته في لبنان، وتكثيف هجماته الجوية على سوريا. لكن الواقع على الأرض يظهر عجز إسرائيل عن تحقيق "انتصار كامل"، في وقت تتكبد فيه خسائر غير مسبوقة، وتعاني من انقسامات حادة داخل مؤسساتها السياسية والعسكرية. وقد تجلى ذلك في الإقالات المتكررة لكبار الضباط وإعادة هيكلة الجيش وفقًا لطموحات نتنياهو السياسية.

مع تصاعد الفشل الإسرائيلي، لجأ نتنياهو وحلفاؤه إلى تصعيد تهديداتهم ضد غزة ولبنان وسوريا، لكن المفاجأة كانت في استهدافهم لمصر أيضًا، رغم أنها ليست طرفًا مباشرًا في الحرب، بل كانت إحدى الدول الوسيطة في مفاوضات وقف إطلاق النار. 

وبدأ الخطاب الإسرائيلي يتخذ طابعًا عدائيًا تجاه القاهرة، مع مزاعم بتهريب الأسلحة إلى حماس، وصولًا إلى اتهام مصر بأنها تمثل تهديدًا عسكريًا لإسرائيل.

بدأ الحديث الإسرائيلي عن ضرورة السيطرة على ممر "فيلادلفيا"، الذي يفصل بين مدينة رفح جنوب غزة والحدود المصرية، بعد أن أثاره وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ثم تبنّاه نتنياهو نفسه. وفي الإعلام الإسرائيلي، تطور الخطاب إلى اتهام مصر بعدم منع تهريب السلاح، ما دفع القاهرة إلى رفض هذه المزاعم رسميًا، وإعلان رفضها القاطع لمحاولات إسرائيل تهجير سكان غزة إلى سيناء.

لم يكن التصعيد الإسرائيلي ضد مصر مجرد تكتيك لتشتيت الانتباه عن الفشل العسكري في غزة، بل تحوّل إلى محاولة لإلقاء اللوم على القاهرة في استمرار الحرب. لكن الأهم أن هذا التصعيد كشف عن حالة الضعف التي تعيشها إسرائيل، لدرجة أنها باتت تسعى إلى تصدير أزمتها إلى الدول المجاورة.

تزامن هذا التحول مع تنامي دعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمخططات تهجير الفلسطينيين. ومع طرح ترامب لفكرة "إعادة توطين" سكان غزة، وجد نتنياهو نفسه أمام فرصة للضغط على مصر لتنفيذ هذه المخططات، رغم أنها رفضتها بشكل قاطع. حتى زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، دخل على الخط، مقترحًا أن تتولى مصر إدارة غزة مؤقتًا، في خطوة تعكس فشل المعارضة في تقديم بديل حقيقي لنتنياهو.

لكن في النهاية، لم يكن الضغط الإسرائيلي كافيًا لدفع مصر إلى تغيير موقفها، ما يؤكد أن إسرائيل، رغم كل محاولاتها، لم تعد تمتلك نفس القدرة على فرض إرادتها كما كانت تفعل في السابق. في الواقع، لم يعد بمقدور إسرائيل تنفيذ مخططاتها الإقليمية دون الحاجة إلى حلفاء، وهو ما يجعل موقفها أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

في ظل هذا المشهد، يمكن القول إن إسرائيل باتت في وضع غير مسبوق من الضعف، حيث تواجه أزمات داخلية وخارجية، فيما يحاول نتنياهو الهروب إلى الأمام عبر تصعيد الأزمات، بدلًا من البحث عن حلول حقيقية. وكما يقول المثل الصيني، كلما صعد القرد إلى أعلى انكشفت عورته ونتنياهو ليس استثناءً من هذه القاعدة.

https://www.middleeasteye.net/opinion/how-netanyahus-alliance-far-right-could-be-israels-undoing

https://www.middleeastmonitor.com/20250311-the-monkeys-tail-how-netanyahus-ambitions-expose-israels-vulnerabilities/