قبل عام كامل، أعلنت حكومة السيسي عن صفقة استثمارية ضخمة تتعلق بمنطقة "رأس الحكمة" الواقعة على الساحل الشمالي الغربي للبلاد، في اتفاق أُبرم مع الإمارات العربية المتحدة بقيمة 35 مليار دولار.
قوبلت هذه الصفقة بحملة إعلامية مكثفة روجت لها باعتبارها إنجازًا اقتصاديًا سيسهم في إنعاش الاقتصاد المصري، وتوفير فرص عمل، وخفض معدلات التضخم، وتعزيز السيولة الدولارية.
لكن بعد مرور عام، لم تتحقق معظم تلك الوعود، مما أثار العديد من التساؤلات حول مدى استفادة المواطن المصري منها، ومصير العوائد المالية الضخمة التي دخلت إلى خزينة الدولة.
فهل كانت الصفقة بالفعل خطوة نحو التنمية الاقتصادية أم مجرد حل مؤقت لأزمة السيولة النقدية؟
دعاية الصفقة ووعود الحكومة
منذ الإعلان عن الصفقة في 23 فبراير 2024، أكد المسؤولون الحكوميون أنها ستكون "أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ البلاد"، وأنها ستجذب استثمارات تصل إلى 150 مليار دولار، وتستقطب 8 ملايين سائح إضافي، مما يعزز الاقتصاد المصري.
الإعلام الحكومي وصفها بأنها "فتح اقتصادي" و"خطوة تاريخية نحو التنمية المستدامة"، بينما أكد نواب البرلمان أنها ستسهم في تقليص الفجوة الدولارية وتحقيق الرخاء الاقتصادي للمواطنين.
لكن سرعان ما بدأت الشكوك تحوم حول مصير هذه العوائد المالية، خاصة بعد تصريح عبد الفتاح السيسي عقب توقيع الصفقة، حين وصفها بـ"الهبرة"، وطالب باقتطاع 10 مليارات جنيه منها لصندوق خاص، مما دفع للتساؤل حول كيفية إدارة تلك الأموال.
الاقتصاد المصري قبل وبعد الصفقة
ورغم ضخ 24 مليار دولار من الصفقة في الاقتصاد خلال شهرين فقط، لم يطرأ تحسن ملموس على الوضع الاقتصادي، حيث واصلت الحكومة رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، مثل الوقود، والكهرباء، والمياه، وارتفعت معدلات التضخم إلى أكثر من 24% وفق التقارير الأجنبية، بينما فقد الجنيه المصري المزيد من قيمته، حيث وصل في مارس 2024 إلى 51 جنيهاً مقابل الدولار، رغم أنه كان 31 جنيهاً عند توقيع الصفقة.
ماذا تحقق من وعود الصفقة؟
رغم الترويج المكثف للصفقة، إلا أن المصريين لم يشعروا بفوائدها المباشرة، بل على العكس، استمرت الحكومة في الاقتراض الخارجي، حيث حصلت بعد الصفقة بشهر واحد على زيادة في قرض صندوق النقد الدولي من 3 إلى 8 مليارات دولار، مما جعل مصر ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين.
كذلك، اعترف وزير المالية في يناير 2025، بأن جزءًا من عوائد الصفقة استُخدم في سداد أقساط الدين الخارجي، والذي انخفض بمقدار 3 مليارات دولار ليصل إلى 155.3 مليار دولار في سبتمبر 2024، وهو ما يطرح تساؤلاً هامًا: هل كانت الصفقة تهدف إلى تنمية الاقتصاد المصري أم فقط لتوفير السيولة لسداد الديون؟
أزمة الكهرباء ورفع الأسعار المستمر
في الوقت الذي قيل إن الصفقة ستخفف أزمة السيولة النقدية، شهدت مصر أزمة غير مسبوقة في الكهرباء، حيث اضطرت الحكومة إلى قطع التيار الكهربائي عن معظم أنحاء البلاد بسبب نقص إمدادات الغاز الطبيعي، وعجزها عن استيراده نظرًا لشح العملة الصعبة.
بالإضافة إلى ذلك، رفعت الحكومة أسعار الوقود ثلاث مرات خلال عام واحد، كما زادت أسعار الأدوية بشكل ملحوظ، مما زاد من الأعباء المعيشية على المواطنين الذين كانوا يأملون في تحسن أوضاعهم بعد دخول الأموال الضخمة من الصفقة.
هل كانت الصفقة إنقاذًا للنظام أم دعمًا للمواطن؟
يرى خبراء الاقتصاد أن صفقة رأس الحكمة لم تكن موجهة لتحسين حياة المواطن المصري، بل كانت "صفقة إنقاذ" للحكومة التي تواجه ضغوطًا اقتصادية هائلة بسبب تراكم الديون وتدهور سعر الصرف.
الباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي يؤكد أن "الصفقة كانت تهدف إلى وقف نزيف الجنيه أمام الدولار، وتوفير سيولة دولارية لسداد أقساط الدين الخارجي"، وليس لتحسين مستوى معيشة المواطنين.
أما الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف، فيرى أن "الصفقة كانت مجرد مسكن مؤقت، حيث استُخدمت الأموال في سد عجز الميزانية وسداد الديون، دون أي استثمارات فعلية تنعكس على الاقتصاد"، مشيرًا إلى أن "بيع أراض استراتيجية مثل رأس الحكمة يشبه ما حدث مع جزيرتي تيران وصنافير، حيث يتم بيع مصر قطعة قطعة".
النتيجة.. وعود تبخرت وأزمة مستمرة
بعد مرور عام، يبدو أن صفقة رأس الحكمة لم تحقق شيئًا يذكر لصالح المواطنين، بل زادت من الأعباء الاقتصادية عليهم، بينما استمرت الحكومة في بيع المزيد من الأصول العامة، مثلما أعلن وزير الاستثمار حسن الخطيب عن نية نقل إدارة جميع شركات الدولة إلى صندوق مصر السيادي تمهيدًا لبيعها.
وبينما كانت الحكومة تروج للصفقة باعتبارها "هبة اقتصادية" ستحقق الرخاء، لم يشعر المواطن المصري سوى بمزيد من الغلاء، وارتفاع الأسعار، واستمرار الاستدانة الخارجية، مما يعيد طرح التساؤل: هل كانت الصفقة في صالح المصريين أم مجرد حل مؤقت لإنقاذ النظام من الانهيار الاقتصادي؟