قام وزير أوقاف السيسي، أسامة الأزهري، بتخفيف بعض القيود على شعائر شهر رمضان من الصلاة في المساجد والتراويح ومقارئ القرآن ولم يصدر حتى الآن أية تعليمات عن التهجد والاعتكاف.
وقدمت وزارة الأوقاف برنامجًا موسعًا طوال الشهر، في جميع المساجد، كما سيجري نقل شعائر صلاة التراويح من الجامع الأزهر عبر التليفزيون ومن مسجد الإمام الحسين بفضائيات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وقناة الحياة، مع تخصيص قارئ شهير لكل ليلة.
وأكدت أن صلاة التراويح ستُقام بـ20 ركعة في المساجد الكبرى، تاركة الحرية للمصلين في إقامة الصلاة بجزء كامل من القرآن الكريم أو بأجزاء أقصر، وفقًا لما يحدده كل مسجد.
انفتاح خادع
وأعلنت الوزارة عن عودة الملتقى الفكري الإسلامي، في ساحة مسجد الإمام الحسين، ليكون منصة ثقافية ودينية تعزز الأجواء الرمضانية، كما قادت الوزارة حملات نظافة موسعة، لتحسين بيئة المساجد وتزيينها وخلق أجواء مريحة وهادئة لاستقبال المصلين.
وأشارت إلى تدشين ندوات توعوية، وتنظيم قوافل دعوية، وندوات حول قضايا مهمة، مع إطلاق ما سمته بـ"أكبر خطة برامج دعوية وقرآنية ومسابقات"، مع الاستعانة بكبار القراء والمبتهلين، ودروس الأئمة في 4 آلاف مسجد يوميًا بعد صلاة العصر.
ويؤم المصلين بصلاة التراويح بمسجد الإمام الحسين، المشايخ أحمد نعينع وعبد الناصر حرك، وأحمد تميم المراغي، وأحمد عوض أبوفيوض، والسيد عبد الكريم الغيطاني وعبد الفتاح الطاروطي، وطه النعماني.
وذلك إلى جانب برنامج صلاة التهجد بالمسجد بمشاركة القراء محمود علي حسن، وعبد المطلب البودي، ومحمود عبد الباسط الحسيني، مع برنامج الابتهالات بمشاركة المبتهلين عبد اللطيف العزب، وأحمد تميم المراغي، وبلال مختار، وأحمد مقلد، ويسري معتوق، ومحمد حسن الصعيدي، ومحمد عبد الرؤوف السوهاجي، بالإضافة إلى برنامج تلاوات بعد صلاة العصر.
وتنطلق الملتقيات الفكرية يوميّا بعد صلاة العشاء بمسجد الإمام الحسين، وبعد صلاة الظهر بمسجد السيدة نفيسة، أو مسجد السيدة زينب للواعظات، كما تنظم الوزارة الملتقيات الفكرية في المديريات بمشاركة الأئمة والواعظات.
ويعقد 27 ملتقى فكريًا بعد صلاة العشاء و21 ملتقى بعد صلاة الظهر بمختلف المحافظات، كما تطلق مجالس الإقراء في 62 مسجدًا أسبوعيًا عقب صلاة العصر لقراءة كتاب "الروض الأنف في شرح السيرة النبوية".
وتفعل الوزارة البرنامج التثقيفي للطفل يوم الخميس من كل أسبوع بعد صلاة العصر في 21467 مسجدًا، كما تطلق المنبر الثابت يومي الاثنين والأربعاء في 1320 مسجدًا عقب صلاة العصر، وتنظم ندوة "عقيدتي" في كل يوم أربعاء بالمساجد الكبرى بالقاهرة والجيزة والقليوبية.
وتطلق درس العصر للأئمة يوميًا في جميع المساجد، ودرس السهرة عقب صلاة التراويح، وخاطرة التراويح في جميع المساجد.
مساجد أم ثكنات عسكرية؟!
وفي الأعوام الماضية كانت هناك الكثير من القيود، وحتى الرقابة الأمنية على المصلين، والتبليغ بأسماء المعتكفين، وغيرها من القيود، والرقابة للأئمة وتوجيههم فكريًا وتدجين الخطباء عبر حشدهم للدورات العسكرية بالكلية الحربية.
وفي فبراير 2024، وقبل نحو شهر من قدوم رمضان، أصدر وزير أوقاف السيسي السابق محمد مختار جمعة، قرارات اعتبر منتقدوه أنه أراد منها تحويل مساجد مصر إلى ثكنة عسكرية ووحدة شرطية لمراقبة المصلين.
حينها أعلنت وزارة الأوقاف ضوابطها لشهر رمضان، مطالبة الأئمة ومقيمي الشعائر والدعاة بتسجيل أسماء المصلين، ومنع المنشورات، ومنع التصوير بالمساجد، وحظر الحديث السياسي بها.
كما قررت منع توزيع أي كتب أو إصدارات أو مجلات أو مطويات أو خلافه أثناء الاعتكاف، وحظر تصوير المعتكفين أو بث أي صور لهم.
ويوضح الإمام في الأوقاف الشيخ محمد: "العام الماضي وفي الوقت الذي رفعت فيه بعض القيود عن صلاة التراويح والتهجد والاعتكاف، إلا أنها جعلت من الأئمة ومقيمي الشعائر والعاملين كرقباء عسكريين وشرطيين على المصلين والمعتكفين وفرضت على الأئمة تسجيل الأسماء ومراجعتها مع إدارات ومديريات الأوقاف، لبحثها أمنيًا"، وفقًا لـ"عربي21".
قيود جمعة على المساجد
وكان مختار جمعة، أطول الوزراء في المنصب خلال حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، قد فرض قيودًا أمنية ورقابة واسعة على المساجد والخطباء والأئمة والمصلين طوال 11 عامًا بدعوى مكافحة الإرهاب، وكذلك خلال أزمة انتشار جائحة (كوفيد 19) بأعوام 2020 و2021 و2022.
جمعة لطالما قام بتحديد عدد المساجد لأداء صلاة التراويح، وعدد المصلين بكل مسجد، محددًا وقت صلاة التراويح بنحو نصف ساعة فقط، مع منع التهجد، والاعتكاف، وتقليل الدروس الدينية بعدد قليل من المساجد، وحتى منع صلاة العيد بالساحات وتحديدها بـ10 دقائق وفي المساجد الكبرى فقط ومنعها في الزوايا.
ولطالما أعلن جمعة، أنه "لن تُفتح المساجد من بعد صلاة التراويح حتى صلاة الفجر، ومن أراد التهجد فعليه به في بيته".
كما كان يقرر فتح المساجد لصلاة عيد الفطر قبل موعده بـ10 دقائق، كما قصر تكبيرات العيد على 7 دقائق فقط، وخطبة العيد بـ10 دقائق، ثم غلق المسجد بعد الخطبة بـ10 دقائق، مع صلاة النساء فقط بالمساجد المخصصة لها.
لكنه وفي رمضان الماضي، رفع بعض القيود المفروضة على صلاة التراويح والتهجد، والتي أغضبت المواطنين، وبعد أن كانت صلاة التراويح مقصورة على بعض المساجد، جعلها مفتوحة ورفع تحديد زمن الصلاة وعدد الآيات والأجزاء، لكن الرقابة الأمنية بقيت هي الأساس في تعامل الأئمة مع المصلين.
دورات للأئمة في وزارة الدفاع!
وفي قراءته لأسباب رفع الأوقاف القيود على شعائر رمضان، قال الشيخ محمد: "القيود قائمة وإن لم تكن علنية".
وأوضح أن "التعليمات الأمنية ترسل بشكل دوري عبر إدارات ومديريات الأوقاف التي تستقبلها من الأمن الوطني ومن الوزارة، والمطلوب من الأئمة الرقابة على المساجد والمصلين وعلى زملائهم".
وأشار إلى أن الوزير السابق جفف منابع المساجد بشكل كبير وحرمها من الإعمار والتزين وتجديد فرشها وأدواتها من كهرباء وحمامات ومكبرات صوت وغيرها بل حرمها من دورها الاجتماعي بدعم الفقراء أو حتى دعم الفلسطينيين، بقراره العام الماضي بمنع التبرعات في المساجد.
وفي مايو الماضي، وبالتزامن مع دعوات دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، إزاء حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية، حذرت وزارة الأوقاف، الأئمة والخطباء، من الدعوة لجمع التبرعات تحت أي مسمى على المنبر، وعدم وضع صناديق جمع المال بالمسجد أو ملحقاته أو محيطه، مشددة على عقاب المخالفين.
وتشرف وزارة الدفاع على تعيين الأئمة في مصر، ففي نوفمبر الماضي، أعلن المتحدث باسم الجيش تخرج أول دفعة من الأئمة المرشحين للعمل بوزارة الأوقاف، بعد إتمامهم دورة تدريبية بكلية الضباط الاحتياط، بمدينة الإسماعيلية شرق القاهرة، ما لاقى انتقادات واسعة حينها، ومخاوف من تغيير في توجهات وأفكار وعقيدة أئمة المساجد في مصر.
الخداع بالإسلام الظاهري
ويقوم منهج وزارة الأوقاف على خداع المسلمين بالإكثار من شعائر الإسلام الظاهري، ونقلها عبر الفضائيات، لتظهر الدولة كأنها تهتم بشعائر الإسلام وهو اهتمام بقشور الدين لا لبه، وبالظاهر منه لا بالمراد الذي أراده الله ورسوله من خلال فهم رسالة الدين الشاملة وليس فقط فيما يتبدى من تدين ظاهري.
وفي تقديره للأمر، قال الباحث في التربية السياسية يحيى سعد: "لا أعتقد أن ثمة تغييرًا في الوضع الأمني الخاص بالمساجد، فالأنظمة المستبدة تخشى دائمًا من إطلاق الحريات العامة ومنها حرية ممارسة الشعائر الدينية، وتتوجس من دور المساجد وتضيق عليها باستمرار".
وأكد أن "هذا الوضع الجديد يرجع إلى أمرين: الأول: اتباع الوزير الجديد لسياسة جديدة يحاول من خلالها بسط هيمنة السلطة على النشاط المسجدي ولكن بصورة مختلفة عن سابقه، فطرحه لفكرة عودة الكتاتيب، ثم اهتمامه بنقل صلاة التراويح على الهواء مع تقديم أئمة مشهورين - وإن كان ذلك أمرًا محمودًا ومرغوبًا - إلا أن الأمر لا يخلو من التسييس بشكل ذكي عن السياسة السابقة".
ويعتقد سعد، أن "الوزير الجديد يريد أن يقول إن ما يطلبه المصلون موجود عندنا وتحت إشرافنا وتنظيمنا لا تنظيم أحد آخر، بمعنى آخر اتباع سياسة: (بيدي لا بيد عمرو)".
وختم مبينًا أن الأمر الثاني يتمثل في "أن سماح الأجهزة الأمنية للوزير بذلك ناتج عن حالة اطمئنان بأن الساحة الدعوية باتت خالية من وجود الإخوان المسلمين بعد حملات الاعتقال والمطاردة القاسية، وبالتالي لا مانع من ملء الفراغ ولكن بمعرفة الجهات الرسمية".
محاصرة التدين منهج للعسكر
وفي رؤيته، يعتقد الباحث عزت النمر، أنه "من السذاجة أن يتصور أحد أن دولة العسكر يمكن أن تتغير سلوكياتها في تحجيم المساجد ومحاصرة التدين بشتى صوره".
وفي حديثه أوضح أن "التصور الذي جاء به السيسي وحصل به على دعم لانقلابه؛ هو تجفيف منابع ما يسمى "الإسلام السياسي"، وذلك من خلال التضييق على المساجد والشعائر.
وتابع أن "الحديث عن أن السيسي ونظامه يمكن أن يبحث عن زيادة شعبية نظامه بإنهاء حالة التربص بالمصلين ما هو إلا وهم؛ لأنه يبني استقرار واستمرار نظامه على الدعم الخارجي، أما داخليًا يعتبر أن عصا الداخلية الغليظة وقسوة الدبابة هما صمام أمان".
قبضة أمنية صامتة
وتابع: "كان وزير الأوقاف مختار جمعة السابق يتزلف للسيسي والانقلاب بالمواجهة العنيفة والإعلانات الصارمة للمساجد والشعائر، فلما ذهب عادت القبضة الأمنية الصامتة الاعتيادية من الأوقاف نفسها ومن أمن الدولة والداخلية، من دون ضجيج مختار جمعة القذر.
ومضى يؤكد أن "المساجد والشعائر لا زالت تئن تحت سطوة الداخلية والأمن الوطني، ولا يملك وزير أو حتى رئيس وزارة أن يغير ذلك، ولا حتى أن يحدث تأثيرًا ما لأنها عقيدة أمن الدولة".
ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يصل إجمالي عدد المساجد في مصر إلى 151 ألفًا و194 مسجدًا، فيما تسجل محافظة الشرقية العدد الأكبر بإجمالي 16 ألفًا و431 مسجدًا، يليها محافظة البحيرة بإجمالي 14 ألفًا و294 مسجدًا، ومحافظة الجيزة بإجمالي 10 آلاف و363 مسجدًا.
وبحسب تقرير لمحافظة القاهرة العام الماضي، فإن إجمالي عدد المساجد الحكومية والأهلية بالمحافظة بلغ 3450 مسجدًا، وعدد الزوايا الحكومية والأهلية 3884 زاوية