يأتي حذف فيلم "غزة: كيف تنجو في منطقة حرب" من منصة BBC iPlayer استجابةً لضغوط جماعات الضغط الموالية للاحتلال الصهيوني، ليعكس تاريخًا طويلًا من خضوع الشبكة لهذه الضغوط.
فقد كشفت تحقيقات حديثة، استنادًا إلى شهادات صحفيين حاليين وسابقين في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن سياسات تحريرية منحازة لصالح الاحتلال الصهيوني، حيث يتم التقليل من جرائمه، وتجاهل الشكاوى الداخلية بشأن التغطية غير المتوازنة.
خضوع ممنهج لضغوط اللوبي الصهيوني
يرصد المؤرخ إيلان بابيه في كتابه "الضغط من أجل الصهيونية على جانبي الأطلسي" كيف أثرت جماعات الضغط الصهيونية في المؤسسات السياسية والإعلامية منذ القرن التاسع عشر، مع التركيز على بي بي سي كنموذج في العصر الحديث.
أبرز مثال على ذلك كان في 2009، عندما رفضت الشبكة بث نداء إنساني لجمع تبرعات لغزة خلال العدوان الإسرائيلي، بذريعة "الحفاظ على الحياد"، وهو قرار جاء استجابة لضغوط إسرائيلية.
تعديل التغطية الإعلامية لصالح إسرائيل
أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، خضع مراسلو بي بي سي مثل جيريمي بوين وجون دونيسون للرقابة، حيث تم تخفيف حدة تقاريرهم، والتركيز بشكل غير متناسب على صواريخ حماس، مع التقليل من حجم الدمار الذي سببته الغارات الإسرائيلية.
كما تم تعديل عناوين الأخبار المتعلقة بعنف المستوطنين، وحذف أو إعادة صياغة تقارير كانت تحمل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن الهجمات.
في 2015، خضعت بي بي سي لضغوط لتغيير تغطيتها لقضية الصحفي الفلسطيني محمد القيق، الذي اعتقل إداريًا دون تهمة.
وبعدما سلطت الشبكة الضوء على الانتهاكات بحقه، تم تعديل التقارير لاحقًا لتتماشى مع الرواية الإسرائيلية.
انحياز مستمر في القضايا الفلسطينية
في أحداث حي الشيخ جراح عام 2021، صورت بي بي سي عمليات التهجير القسري للفلسطينيين على أنها "نزاع عقاري"، بدلًا من تسميتها تطهيرًا عرقيًا، وهو ما جاء نتيجة لضغوط جماعات مثل UK Lawyers for Israel (محامو بريطانيا لأجل إسرائيل) كما أن تغطية اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة عام 2022 استخدمت لغة مبهمة، فتحدثت عن "وفاتها أثناء اشتباك"، بدلًا من الإشارة المباشرة إلى مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي.
استمرار الانحياز وخطر فقدان المصداقية
يبدو أن بي بي سي خضعت لضغوط جماعات الضغط التي تمارس تكتيكات ممنهجة تشمل تقديم شكاوى مكثفة، والضغط السياسي، وتهديد التمويل.
وأي محتوى ينتقد إسرائيل يواجه تدقيقًا شديدًا، بينما تمر الروايات الإسرائيلية دون اعتراض.
حذف فيلم "غزة: كيف تنجو في منطقة حرب" هو أحدث مثال على مدى سهولة دفع بي بي سي للامتثال.
الخوف من الاتهام بالتحيز ضد إسرائيل جعل الشبكة تتجنب أي تغطية قد تثير غضب جماعات الضغط، مما يهدد مصداقيتها واستقلاليتها الإعلامية.
ومع صعود الصحافة المستقلة، قد تجد بي بي سي نفسها متجاوزة إذا لم تتبنَّ نهجًا أكثر مهنية وحيادية في تغطية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.