عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، كان ولا يزال شخصية محورية في القضية الكردية في تركيا والشرق الأوسط.
منذ تأسيس الحزب في عام 1978، لعب دورًا رئيسيًا في النضال الكردي، ورغم اعتقاله عام 1999 وسجنه في جزيرة إمرالي جنوب إسطنبول، لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في الحركة الكردية.
 

لماذا يعتبر أوجلان شخصية مهمة؟
   أوجلان شخصية مثيرة للجدل؛ فبينما ينظر إليه ملايين الأكراد على أنه قائد رفع مستوى الوعي بالقضية الكردية وأسّس منظمات سياسية ومدارس لغوية وفعاليات ثقافية، تعتبره تركيا إرهابيًا مسؤولًا عن هجمات أودت بحياة الآلاف خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

يحظى أوجلان بإشادة اليساريين في أوروبا والشرق الأوسط بسبب تبنّيه أفكارًا قائمة على العلمانية، والمساواة بين الجنسين، والديمقراطية اللامركزية.
ومع ذلك، فإن بعض النشطاء الأكراد ينتقدونه بسبب سياساته السلطوية وتركيزه على شخصه، فضلًا عن تراجعه عن مطلب إقامة دولة كردية مستقلة.

في تطور حديث، دعا أوجلان إلى إنهاء التمرد المسلح لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا، وهو صراع استمر لأكثر من أربعة عقود.
ولكن يبقى السؤال: هل ستستجيب قيادة الحزب في العراق لهذه الدعوة؟
 

أوجلان والنضال الكردي
   وُلد أوجلان في 1946 أو 1947 في قرية أومرلي جنوب شرقي تركيا، في بيئة فقيرة تفتقر إلى الكهرباء والمياه الجارية.
عانى الأكراد في تركيا من القمع، حيث مُنعوا من استخدام لغتهم وهويتهم. ونشأ أوجلان في ظل هذه الظروف، وكان لتجارب طفولته، مثل زواج شقيقته القسري، تأثير عميق على أفكاره لاحقًا، خصوصًا فيما يتعلق بحقوق المرأة.
 

بداياته السياسية وتأسيس حزب العمال الكردستاني
   في ستينيات القرن الماضي، انتقل أوجلان إلى أنقرة للدراسة، حيث انخرط في الحركات اليسارية النشطة آنذاك.
وشهدت تركيا موجة من التحرر السياسي عقب انقلاب 1960، ما سمح بمناقشات أوسع حول الحقوق الكردية.
لكن بعد انقلاب عسكري آخر عام 1971، تزايد القمع ضد الناشطين الأكراد واليساريين.

في عام 1978، أسس أوجلان حزب العمال الكردستاني مع مجموعة من النشطاء في قرية فيس جنوب شرقي تركيا.

اعتمد الحزب على ثلاثة مبادئ رئيسية: الكفاح المسلح، نظرًا لفشل الأساليب السلمية في تحقيق الحقوق الكردية، والثورة الاجتماعية، حيث رفض الهيمنة القبلية والإقطاعية التي عرقلت حركات كردية سابقة، والانضباط الصارم، إذ تبنّى الحزب نموذجًا عسكريًا منظمًا على غرار حركات التحرير الأخرى في العالم.
 

الصراع المسلح ودور أوجلان
   
في 1984، أعلن حزب العمال الكردستاني بدء تمرده المسلح ضد الدولة التركية، مستهدفًا قوات الأمن والمرافق الحكومية.
ردت تركيا بحملة قمع واسعة، تضمنت تهجير ملايين الأكراد، وتدمير القرى، واعتقال وتعذيب الآلاف.

في التسعينيات، تصاعد العنف من الجانبين، حيث شنت تركيا حملات عسكرية مكثفة، بينما لجأ الحزب إلى تنفيذ عمليات تفجيرية وهجمات مسلحة.
خلال هذه الفترة، اكتسب أوجلان المزيد من النفوذ، لكنه تعرض أيضًا لانتقادات داخل الحزب بسبب استراتيجيته القتالية ونهجه السلطوي.
 

اعتقال أوجلان وتحولاته الفكرية
   
بحلول 1998، أصبح وجود أوجلان في سوريا مصدر توتر بين دمشق وأنقرة، ما دفع النظام السوري إلى طرده. بعد رحلة طويلة بين عدة دول، أُلقي القبض عليه في كينيا عام 1999 في عملية استخباراتية تركية.

حُكم عليه بالإعدام، لكن الحكم خُفف إلى السجن المؤبد بعد إلغاء تركيا لعقوبة الإعدام عام 2002. خلال فترة سجنه، أعاد أوجلان النظر في أفكاره، متخليًا عن الماركسية اللينينية، ليتبنى نظرية "الكونفدرالية الديمقراطية"، التي تستند إلى اللا مركزية، وحقوق المرأة، وحماية البيئة، مستلهمًا أفكار الفيلسوف الأمريكي موراي بوكشين.

أوجلان لم يعد يطالب بإقامة دولة كردية مستقلة، بل يدعو إلى نموذج حكم ذاتي ديمقراطي ضمن الدول القائمة.
هذا التحول أزعج بعض مؤيديه، الذين اعتبروا أنه تخلى عن الهدف الأساسي للحزب.
 

المفاوضات والواقع الحالي
   
في 2013، أطلق أوجلان مبادرة سلام مع الحكومة التركية، داعيًا إلى وقف إطلاق النار.
لكن بعد انهيار المحادثات في 2015، استؤنف القتال بين الطرفين. رغم ذلك، لا يزال أوجلان مؤثرًا في السياسة الكردية، وخصوصًا في مناطق الإدارة الذاتية بشمال سوريا التي تتبنى نموذجه السياسي.

اليوم، مع دعوته الأخيرة إلى حل حزب العمال الكردستاني، تبرز تساؤلات حول مستقبل القضية الكردية في تركيا، وما إذا كان الحزب سيتخلى عن العمل المسلح نهائيًا.

https://www.middleeasteye.net/profile/turkey-kurds-abdullah-ocalan-profile-pkk