أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة الماضية، قراراً تنفيذياً بوقف جميع المساعدات الأمريكية الخارجية، والتي بلغت قيمتها الإجمالية في العام الماضي 68 مليار دولار، إلى حين مراجعتها وضمان انسجامها مع المصالح الأمريكية. وشملت هذه المراجعة جميع أشكال المساعدات، بما في ذلك الأدوية المقدمة لمكافحة الملاريا والإيدز في أفريقيا، باستثناء مساعدات الغذاء الطارئة. ومع ذلك، كانت مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي استثناءً واضحاً من هذا القرار، حيث أُبقيت المساعدات العسكرية المقررة لهما من دون أي تقليص.
استثناء مصر من وقف المساعدات الأمريكية
ويلقي هذا الاستثناء الضوء على الأهمية الاستراتيجية التي توليها الإدارة الأمريكية للعلاقات مع القاهرة وتل أبيب، لا سيما في ظل التعقيدات الإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وتُعد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة نموذجاً فريداً من التحالف الاستراتيجي القائم على المصالح المشتركة والمتشابكة في منطقة الشرق الأوسط. ويتجلى هذا التحالف بوضوح في القرار التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن مراجعة جميع المساعدات الخارجية الأمريكية والتأكد من توافقها مع سياساته، مع استثناء مصر وإسرائيل من أي تخفيضات في المساعدات العسكرية.
وبحسب مراقبين، يُظهر قرار الإبقاء على المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر اعترافاً ضمنياً بدورها المحوري في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ودورها في تحقيق الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب وضمان أمن الممرات المائية، وعلى رأسها قناة السويس. ويتماشى هذا الدور مع الرؤية الأميركية لتعزيز الأمن الإقليمي، ما يجعل القاهرة شريكاً لا غنى عنه للولايات المتحدة.
كما أن العلاقات بين البلدين ليست مقتصرة فقط على التعاون العسكري، بل تشمل أيضاً شراكات اقتصادية وتجارية وثقافية طويلة الأمد. ورغم التغيرات في الإدارات الأمريكية، إلا أن العلاقة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن ظلّت ثابتة نسبياً، ما يعكس أهمية مصر في تحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة.
ويعكس هذا القرار الدعم الأميركي المستمر لمصر، لكنه يطرح تساؤلات حول الكيفية التي ستؤثر بها السياسات الأميركية المستقبلية على طبيعة هذه العلاقة. فمع التغيرات في الإدارات والسياسات، قد تواجه مصر تحديات في الحفاظ على هذا المستوى من الدعم، خصوصاً مع تصاعد الأصوات داخل الولايات المتحدة التي تطالب بمراجعة أوسع لسياسات المساعدات الأميركية الخارجية.
ورأى خبراء أنه في الوقت نفسه، تحتاج القاهرة إلى تعزيز جهودها الدبلوماسية لضمان استمرار الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، مع التركيز على إبراز دورها الإقليمي الحيوي ومساهمتها في تحقيق الاستقرار والأمن.
معالم لعلاقة استراتيجية
وتُعد المساعدات الأميركية لمصر من أبرز معالم العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979. ومنذ ذلك الحين، أصبحت مصر ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية بعد إسرائيل، في إطار التزام الولايات المتحدة بتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودعم الشركاء الإقليميين الذين يلعبون دوراً محورياً في تحقيق هذه الأهداف.
وتشمل المساعدات الأميركية لمصر نوعين رئيسيين: المساعدات العسكرية والمساعدات الاقتصادية. ولعل المساعدات العسكرية هي الأكثر أهمية، حيث تتلقى مصر سنوياً حوالي 1.3 مليار دولار لتحديث قدراتها العسكرية. وتستخدم هذه المساعدات في شراء معدات وأسلحة أميركية متطورة، وكذلك في برامج تدريب القوات المسلحة المصرية. ويهدف هذا الدعم إلى تمكين مصر من مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب وضمان أمن الممرات المائية الحيوية مثل قناة السويس.
إلى جانب المساعدات العسكرية، قدّمت الولايات المتحدة على مدار العقود مساعدات اقتصادية لدعم جهود التنمية في مصر. وشملت هذه المساعدات برامج لتحسين البنية التحتية، وتطوير قطاعات الصحة والتعليم، وتشجيع ريادة الأعمال. ورغم أن حجم هذه المساعدات تراجع في السنوات الأخيرة مقارنة بالعقود الأولى من العلاقة، إلا أنها تبقى دليلاً على استمرار التعاون الوثيق بين البلدين في المجالات غير العسكرية. والهدف الأساسي من هذه المساعدات دعم استقرار مصر باعتبارها دولة محورية في المنطقة، وضمان التزامها باتفاقية السلام مع إسرائيل، وتعزيز التعاون في قضايا أمنية مهمة مثل مكافحة الإرهاب. كما تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى تأمين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حيث تلعب مصر دوراً فاعلاً في تحقيق التوازن الإقليمي وحلّ النزاعات.
ورغم أهمية هذه المساعدات، إلا أنها تعرضت لمراجعات دورية خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد التغيرات السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة 2011. ومع ذلك، بقي الدعم العسكري ثابتاً في معظمه، ما يعكس أهمية مصر بالنسبة لواشنطن شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه. كما أثارت بعض الأوساط داخل الولايات المتحدة مطالب بربط المساعدات بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وهو ما أدى أحياناً إلى توترات بين البلدين.
وتظل المساعدات الأمريكية لمصر دليلاً على عمق العلاقة بينهما، خصوصاً في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة. استمرار هذا الدعم، خصوصاً في المجال العسكري، يؤكد أن الولايات المتحدة ترى في مصر شريكاً أساسياً لتحقيق استقرار الشرق الأوسط وحماية المصالح المشتركة.
خارج الصراع ضد المشروع الأمريكي - الصهيوني
وقال محمد عصمت سيف الدولة، مؤسس حركة "مصريون ضد الصهيونية" والمتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي واتفاقيات كامب ديفيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الإجابة عن سؤال "هل يمكن ربط القرار بالدور المصري في غزة؟" تتضمنها نصوص القرار الأمريكي نفسه، الذي ينص على ضرورة إجراء دراسات لتقييم مدى كفاءة أي مساعدات خارجية في دعم السياسة الخارجية الأميركية. وأوضح سيف الدولة أن المعونات العسكرية لإسرائيل أثبتت لعقود كفاءتها القصوى في فرض الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على العالم العربي.
بينما أثبتت المعونات العسكرية لمصر فعاليتها في تحقيق هدف استراتيجي آخر يتمثل في انتزاع مصر من محيطها العربي وإبقائها خارج الصراع ضد المشروع الأميركي - الصهيوني في المنطقة. وأضاف أن مصر، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في السبعينيات، تحولت إلى تابع وحليف وثيق للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن تحقيق هذه الأهداف لا يحتاج إلى دراسات إضافية لإثبات نجاح السياسة الأميركية في استخدام المعونات العسكرية أداة استراتيجية.