انتشرت شبكة جديدة من المنافذ التجارية التابعة لوزارة الدفاع المصرية على نطاق واسع في محافظات البلاد.
تتخصص هذه المنافذ في بيع منتجات الألبان واللحوم والمواد الغذائية والسلع الأساسية، مما يمثل أحدث نشاط اقتصادي علني للجيش المصري.
تعتبر منظمة "مستقبل مصر للتنمية المستدامة"، التابعة للقوات الجوية المصرية، المالك الحصري لهذه المتاجر الجديدة، التي تحتل مواقع متميزة في العاصمة، في حين يظل العدد الدقيق لها غير معروف.
ومن الجدير بالذكر أن المشاريع والشركات العسكرية المصرية لا تخضع للتدقيق المالي أو الرقابة التشريعية من البرلمان أو مجلس الشيوخ، كما أن عائداتها لا تُدرج في الموازنة العامة للدولة.
مراسيم رئاسية
بموجب المرسوم الرئاسي رقم 591 لعام 2022، تم إنشاء منظمة "مستقبل مصر" وأسندت إليها مهمة استصلاح 1.5 مليون فدان من الأراضي في جميع أنحاء البلاد، رغم أن القوات الجوية ليس لها أي دور تقليدي في الأنشطة الزراعية، التي عادة ما تكون من اختصاص وزارات الزراعة.
ومنذ مايو 2022، توسعت أنشطة المنظمة بسرعة، أو بالأحرى نمت إمبراطوريتها الاقتصادية دون عناء من خلال مراسيم رئاسية خصصت لها مساحات شاسعة من الأراضي، بما في ذلك ممتلكات خاصة تم الاستيلاء عليها من المواطنين بالإكراه مقابل تعويضات زهيدة.
في أكتوبر 2023، خصص السيسي 47.4 ألف فدان لمنظمة "مستقبل مصر" في منطقتي رابعة وبئر العبد بشمال سيناء. تبع ذلك مرسوم آخر بنقل أكثر من 155 ألف فدان إضافية في نفس المحافظة إلى المنظمة بحجة التنمية الزراعية.
في مايو 2023، خُصص 938076 فدانًا من الأراضي المملوكة للدولة في بني سويف والمنيا وأسوان لصالح المنظمة لمشاريع زراعية وتنموية.
امتد نفوذ المنظمة تدريجيًا من تخصيص الأراضي إلى الاستيلاء القسري عليها. ففي سبتمبر 2023، استولت المنظمة على 30 ألف فدان مملوكة لمستثمرين في منطقة "غَرد القطّانية" بمحافظة الجيزة، لإضافتها إلى مشروع "مستقبل مصر للإنتاج الزراعي"، وفقًا لصحيفة "صحيح مصر" المستقلة.
لم يقتصر التوسع العسكري على الأراضي الزراعية، بل شمل أيضًا قطاع الصيد البحري. فقد تم نقل ملكية بحيرة البردويل، التي تبلغ مساحتها 165 ألف فدان وتنتج أكثر من 4 آلاف طن من الأسماك سنويًا، من وكالة حماية الثروة السمكية الحكومية إلى منظمة "مستقبل مصر"، وفقًا لصحيفة "الشروق" المصرية الخاصة.
تحول كبير آخر في قوة المنظمة جاء عندما مُنحت السلطة الحصرية لاستيراد الحبوب، وهو دور كان لعقود طويلة من اختصاص الهيئة العامة للسلع التموينية.
وفقًا لبيان صادر عن وزارة التموين، نقلته وكالة "رويترز"، أصبحت المنظمة الآن "الجهة الحكومية الوحيدة التي تمتلك سلطة استثنائية لتنظيم المناقصات الدولية والتعاقد المباشر على استيراد القمح والمواد الغذائية الأخرى لتلبية احتياجات مصر".
أصبح النفوذ المتنامي لهذه الإمبراطورية واضحًا خلال اجتماع رسمي في أغسطس 2023، حضره السيسي ورئيس لوزراءه ووزراء الزراعة والري ومدير المنظمة، العقيد بهاء الغنام، لمناقشة البرامج الحكومية المتعلقة بالزراعة والمياه والثروة السمكية.
إمبراطورية متوسعة
بالتوازي مع ذلك، نمت الإمبراطورية الاقتصادية للجيش بسرعة من خلال المراسيم الرئاسية، ربما كتعويض للشركات العسكرية التي يُتوقع بيعها للقطاع الخاص بموجب شروط صندوق النقد الدولي.
على سبيل المثال، منح المرسوم الرئاسي رقم 17 لعام 2023 الجيش ملكية كيلومترين من الأراضي على جانبي 31 طريقًا رئيسيًا، مما جعله أكبر مالك للأراضي في البلاد ومنحه ميزة تنافسية هائلة في تطوير محطات الوقود ومراكز الخدمات والمطاعم وغيرها من المنشآت الحيوية.
في مرسوم آخر (رقم 18 لعام 2022)، مُنح الجيش ملكية 36 جزيرة في نهر النيل، تمتد من أسوان إلى الإسكندرية.
كما أدى المرسوم رقم 2637 لعام 2020 إلى نقل إدارة الأراضي الواقعة على ضفاف النيل من وزارة الري إلى هيئة إدارة أراضي القوات المسلحة، مما جعلها المالك الجديد لهذه الأراضي التي تبلغ مساحتها حوالي 90 ألف متر مربع.
نتج عن هذا القرار عمليات إخلاء قسرية أثرت على منشآت قضائية وتعليمية وثقافية، بما في ذلك نادي مجلس الدولة ونادي النيابة الإدارية، ونادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، وكلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، وإدارة العمليات التابعة لشرطة المسطحات المائية، وحديقة أم كلثوم العامة، وعدة مسارح تابعة لوزارة الثقافة.
شملت قرارات التخصيص اللاحقة 5540 فدانًا (حوالي 23 مليون متر مربع) في منطقة "الجميمة" شمال غرب مصر، خُصصت لمشروع "جنوب ميد إيجيبت" تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
لا رقابة مالية
تتمتع الشركات العسكرية بإعفاءات ضريبية ورسوم مخفضة بموجب القانون رقم 159 لعام 2023، كما تعتمد على العمالة الرخيصة من خلال تشغيل المجندين برواتب لا تتجاوز 500 جنيه مصري شهريًا (حوالي 10 دولارات أمريكية).
تبقى الأنشطة والشركات العسكرية المصرية خارج نطاق الرقابة العامة، مما يجعل إدراجها في البورصة يتطلب إعداد بيانات مالية واضحة وشفافة تتماشى مع معايير السوق وشروط الإدراج، وفقًا للباحث الاقتصادي إبراهيم المصري.
وهناك عوامل سياسية قد تمنع الجيش من قبول هذه الخطوة، حيث قد يتردد في الكشف عن بياناته وأرباحه، أو يخشى التداعيات المحتملة لهذه الشفافية على الأمن القومي.
في ديسمبر 2024، أعلن مدبولي رئيس وزراء السيسي عن خطط لبيع أسهم في 10 شركات مملوكة للدولة، بما في ذلك 4 شركات عسكرية هي: الوطنية وصافي وتشيل أوت وسايلو.
لكن حتى الآن، لم تلتزم حكومة السيسي بنشر البيانات المالية للشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك الشركات العسكرية، وهو ما تعهدت به لصندوق النقد الدولي في ديسمبر 2022، وفقًا للاتفاق المتعلق بالقرض المقدم لمصر.
السيسي يرسخ هيمنة الجيش
يبدو أن الأمر أشبه بلعبة القط والفأر بين صندوق النقد الدولي والسلطة المصرية. فبينما يضغط الصندوق على حكومة السيسي لتقليص دور الجيش في الاقتصاد وبيع أصوله، يواصل السيسي منح المؤسسة العسكرية المزيد من الامتيازات، وتوسيع نفوذها في الشركات الحكومية والأراضي.
وفي دراسة بعنوان "الجيش المصري كطليعة لرأسمالية الدولة"، يجادل الباحث يزيد صايغ، من مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، بأن الجيش قد يكون مهندسًا بارعًا، لكنه اقتصادي ضعيف.
يتماشى هذا التحليل مع الواقع، حيث منح السيسي الجيش في 2023-2024 امتيازات وموارد تفوق ما حصل عليه منذ وصوله إلى السلطة في 2013.
https://www.middleeastmonitor.com/20250120-al-sisi-expands-the-militarys-economic-share/