في تطور جديد يعكس استمرار الضغوط الأمريكية على مصر بشأن ملف حقوق الإنسان، قرر الكونغرس الأمريكي منع صرف 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية السنوية المخصصة لمصر، وذلك بسبب عدم تحقيق "تقدم واضح ومستمر" في الإفراج عن السجناء السياسيين، القرار يأتي بعد سلسلة من الإجراءات المشابهة التي اتخذتها واشنطن في السنوات الأخيرة، في ظل انتقادات متزايدة لسجل القاهرة الحقوقي.
المساعدات العسكرية لمصر.. مشروطة بحقوق الإنسان
مصر تُعد ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الخارجية الأمريكية بعد إسرائيل، إذ تحصل سنويًا على 1.3 مليار دولار ضمن اتفاقية السلام الموقعة عام 1979.
ومنذ عام 2008، بدأ الكونغرس في ربط 300 مليون دولار من هذه المعونة بتحسينات تتعلق بحقوق الإنسان، وهو ما أدى إلى اقتطاع أجزاء من المساعدات في أكثر من مناسبة، كان آخرها العام الماضي عندما تم حجب 235 مليون دولار من المساعدات لمصر بسبب مخاوف حقوقية.
قرار التجميد الجديد: رفض للسياسة الأمريكية المهادنة
بحسب مصدرين مقربين من الكونغرس ووزارة الخارجية الأمريكية، فإن قرار التجميد جاء في أعقاب اعتراض أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ على مصادقة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على صرف المساعدات العسكرية بالكامل لمصر في سبتمبر الماضي.
ورغم أن بلينكن برر قراره باعتبارات تتعلق بـ "الأمن القومي الأمريكي"، خاصة في ظل الدور المصري في التوسط لوقف إطلاق النار في غزة، فإن أعضاء مجلس الشيوخ باتي موراي وكريس كونز، المسؤولين عن لجان المخصصات الفرعية، رفضا هذه المصادقة، معتبرين أنها "غير شرعية".
وجاء في بيان صادر عن عضوي الشيوخ: "القانون واضح: يتعين على مصر تحقيق تقدم واضح ومستمر في إطلاق سراح السجناء السياسيين لتلقي 95 مليون دولار، وهو جزء صغير من حزمة المساعدات العسكرية، لكن حكومة السيسي فشلت في هذا الاختبار، إذ مقابل كل سجين سياسي أفرجت عنه، اعتقلت اثنين آخرين".
الضغوط الأمريكية.. فعالة أم شكلية؟
يقول خبراء إن تأثير تجميد 95 مليون دولار من المساعدات قد لا يكون كبيرًا على الاقتصاد المصري، لكنه يحمل دلالات سياسية واضحة.
وأشار تيم قلدس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، إلى أن قيمة المساعدات الأمريكية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر انخفضت من 10% بعد اتفاقية كامب ديفيد إلى مستوى ضئيل جدًا اليوم، ما يعني أن التأثير المالي المباشر محدود.
ومع ذلك، يرى قلدس أن أهمية هذه الخطوة تكمن في رمزيتها السياسية، مشيرًا إلى ما وصفه بـ "محاولات التأثير على قرار الكونغرس" في إشارة إلى فضيحة السيناتور بوب مينينديز، الذي يواجه اتهامات بالفساد وتلقي رشاوى مقابل تقديم خدمات لمصر خلال فترة رئاسته للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بين 2018 و2022.
المساعدات المجمّدة.. إلى أين ستذهب؟
بحسب ما نقلته وكالة «رويترز»، فإن الأموال التي تم تجميدها من حصة مصر ستُعاد تخصيصها كمساعدات عسكرية للقوات المسلحة اللبنانية، وذلك في إطار دعم الجيش اللبناني للحفاظ على وقف إطلاق النار مع الاحتلال الصهيوني.
وتوضح وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية أن الجيش اللبناني يعتبر "شريكًا رئيسيًا" في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وهو ما يبرر تحويل هذه الأموال إليه.
لكن هذا التحويل لم يخلُ من الانتقادات، حيث وصف سيث بيندر، مدير المناصرة في مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط، الأمر بأنه "مفارقة مروعة"، مشيرًا إلى أن الحكومة اللبنانية التي تلقت المساعدات مؤخرًا قامت بترحيل مواطن مصري، عبد الرحمن يوسف، إلى الإمارات بسبب انتقاده العلني للحكومة الإماراتية.