قبل أيام .. مرت في صمت الذكرى الحادية والعشرين لرحيل المستشار محمد المأمون الهضيبي (1921م - 2004م) المرشد العام السادس لجماعة الإخوان المسلمون ( 2002م – 2004م ) ، الذي تم انتخابه خلفا للأستاذ  مصطفى مشهور – يرحمه الله - في ٢٩ أكتوبر  ٢٠٠٢ م .

وقد جاء انتخابه ، وسْط أحْداثٍ مهمة مرّت ُ بها الجماعة ، وهي قريبة الشبه بالأحداث المصيرية التي مرت بها عند تولى والده المستشار حسن الهضيي ( 1891 م - 1973 م  ) موقع المرشد العام الثاني للجماعة (1951م- 1973م ) ، متخليا عن أرفع موقع قضائي في محكمة النقض العليا ( بدرجة مستشار ممتاز )  .

لقد غادر هذا العملاق دنيانا مختتما  مسيرة حافلة بالكفاح والتضحيات والمواقف التاريخية التي كان شاهدًا عليها أو مشاركًا في صنعها على امتداد مسيرته مع الجماعة، فقد شارك والده خلال محنة عام 1965م ومن داخل سجون عبدالناصر،  في إنهاء فتنة التكفير -أخطر فتنة واجهتها جماعة الإخوان عبر تاريخها- التي ولدت بين عدد من أفرادها داخل السجون وتحت أهوال التعذيب ، كما شارك والده في إعداد الكتاب التاريخي " دعاة لا قضاة " الذي عالج هذه القضية بنزاهة القاضي، معالجة فكرية عميقة ورصينة وحاسمة ،أسفرت عن توضيح الرؤية وإقلاع الغالبية العظمى عن هذا الفكر وبالتالي سلمت جماعة الإخوان من هذه الآفة المدمرة للمجتمعات وعصمت المجتمع من إهداردماء غزيرة.

كان من القلائل الذين يعلمون بالعلاقة القوية بين الإمام البنا ووالده وكذلك الحوارات الفكرية والقانونية التي دارت بينهما ، بينما كان المستشار حسن الهضيي مازال مستشارا بمحكمة النقض العليا .

قاد أول تجربة سياسية وبرلمانية لجماعة الإخوان تحت قبة البرلمان المصري ، حيث شارك مع حزبي العمل والأحرار في تشكيل أول تحالف إسلامي خاض الانتخابات البرلمانية عام 1987 م ، وقاد مع م. إبراهيم شكري -يرحمه الله- المعارضة داخل البرلمان بتوافق وانسجام لافتين وبطريقة مسئولة تعلي قضايا الوطن العليا فوق كل اعتبار .

   وقد روى لي -يرحمه الله- في حوار مطول عن مسيرة حياته ( نُشر بمجلة المجتمع الكويتية ) أنه كان معارضا لهذا التحالف من الأساس  لكن عندما استدعاه المرشد العام للجماعة في ذلك الوقت الأستاذ محمد حامد أبوالنصر وكلفه بتمثيل الجماعة في تشكيل هذا التحالف، انهمك على الفور في هذه المهمة حتي أنجزها، وقاد كتلة الإخوان تحت قبة البرلمان ضمن كتلة التحالف الإسلامي التي قدمت أداء برلمانيا وسياسيا مبهرا، تعرف الرأي العام من خلاله على الإسلاميين، وأيقن أن من بينهم رجال دولة أكفاء يمكنهم المشاركة في بناء وتطوير الحياة السياسية في مصر، وهو ما مثل -أيضا- مفاجأة لمبارك الذي كانت لديه فكرة مغايرة، وعبر عن ذلك بعد لقائه بالمستشار مأمون على هامش اجتماع داخل جامعة الدول العربية قائلا : إنهم يتحاورون ويناقشون!، وعلى المدى البعيد كانت مشاركة الإخوان في الانتخابات البرلمانية في ثمانينيات القرن الماضي هي الخطوة الأولي من طرف الجماعة نحو حكم مصر، بعد انتخاب الشعب المصري للرئيس الشهيد محمد مرسي رئيسا لمصر والذي لم تتركه قوى الاستعمار العالمي ليكمل دورته الانتخابية فتم الانقلاب عليه وقتله – يرحمه الله .

ومن جهة أخرى وعلى صعيد البناء الداخلي للجماعة فقد بدا المستشار مأمون الهضيبي مقاتلا صلبا- كوالده المستشار حسن الهضيبي – في ملحمة الحفاظ على صرح الجماعة وثوابتها  الكبرى والحيلولة دون انحراف سفينتها عن مجراها الطبيعي ،ولقي في سبيل ذلك – راضيا -الانتقاد والعنت بل والهجوم من بعض أفراد الجماعة ومن خارجها .

التقيته مرات عديدة ، في مكتبه أحيانا وكان معظمها بعد أداء صلاة العشاء في الزاوية القريبة من بيته في مصر الجديدة ، حينها الفرصة والأجواء مواتية دائما لاستجلاء العديد من مواقف الإخوان في الأحداث المهمة الجارية ، وذلك خلال المسافة القصيرة بين المسجد وبيته التي كانت لا تزيد مدتها عن خمس دقائق ولكنها كانت  تستغرق أحيانا أكثرمن نصف الساعة ، وكان اللقاء المطول الوحيد في داخل منزله بعد توليه موقع المرشد العام حيث أجريت معه أول حوار شامل لمجلة المجتمع الكويتية عن مجمل حياته، وفي نهايته قلت لفضيلته وهو يودعني : في الزيارة القادمة – إن شاء الله - ستكون هناك قضايا مهمة جديرة بالنقاش ، فابتمسم قائلا : لن تجدني !، وبالفعل فبعد عودتي للكويت بأشهر قليلة تم الإعلان عن وفاته ، إلى رحمه الله .

   إن هناك عائلات عديدة كاملة موجودة بين صفوف جماعة الإخوان منذ نشأتها وحتى اليوم ، يمثل تاريخها وعلمها وكفاحها وصبرها جزءا مهما من تاريخ الجماعة ومن أبرزها " آل الهضيبي – رجالا ونساء ".
وحق علي كل صاحب قلم حر في العالم العربي والإسلامي -وليس مصر فقط- أن يتناوله ويقدمه للأجيال بشتى صور التناول الإعلامي ، خاصة في تلك الآونة التي تتلقي فيها الجماعة والتيار الإسلامي بعمومه  حملات تشويه لا تتوقف.