"كثير من الناس يئسوا من أعمالٍ يتابعونها وركنوا إلى الفشل وهم فقط على بعد خطوات من النجاح" هكذا عبر المخترع الأمريكي توماس أديسون عن حالة الملل التي تصيب كثيرا منا أثناء القيام بأعماله مما يعوقه عن استكمال المسيرة رغم بعده خطوات قليلة من تحقيق الهدف.

وقد كان لأبراهام لينكولن الرئيس السادس للولايات المتحدة الأمريكية مقولة شهيرة في هذا الصدد، يقول فيها "تذكر دائما أن إصرارك الشخصي على تحقيق النجاح أكثر أهمية من أي شيء آخر منفرد".

فالتراجع والتهاون والتسويف والمماطلة في انجاز الأعمال والمهمات هي من السمات الأصيلة في النفس البشرية، والتي تنبع من تدليل النفس بمعنى ترك النفس على هواها وعدم التحكم فيها .

فالكثيرون يعانون من الفشل وعدم إيجاد الأوقات الكافية لإتمام المهام العملية في حين أنهم لديهم الكثير من أوقات الفراغ التي يقضونها إما في أحاديث أو أمور أخرى لا تحمل أي أهمية، وهذا كله يكون نتيجة لعدم التحكم في النفس وإجبارها على السير في الطريق الصحيح باتجاه انجاز الأعمال المهمة.

الانضباط الذاتي
ويوضح الكاتب البريطاني تيم كلمير في مقالته حول الانضباط الذاتي أنه كثيرا ما يتعرض الناس للملل السريع من المواظبة على أداء الأعمال، ويقومون بقطعه قبل الانتهاء منه للبدء في أعمال أخرى باحثين عن المتعة في أداء الأعمال ولكنهم دائما ما ينسون أن الملل هو جزء أساسي من مزاولة كافة الأعمال والفرق بين الناجح والفاشل هنا هو في تحمل هذا الملل والإصرار على أداء الأعمال على أكمل وجه.

ويلجأ كثير ممن يتعرضون للفشل نتيجة تكاسلهم إلى “التبرير” فيقومون بتحويل أخطاءهم وفشلهم إلى فلسفة أو موقف ثقافي وفكري، مثلا إذا تعرضوا لإنذار من مديريهم في العمل فيقومون بتبرير أن الموظف بإنتاجه وليس بحضوره، وبالطبع هذا مجرد تبرير لنفسه أولا لتخاذله في أداء أعماله .

وهنا لابد من الإشارة لأمر هام له علاقة بعدم الانضباط الذاتي وهو الشعور بالنقص حيث أن كثيرا من الناس لا يفرق بين الشعور بالنقص وبين كونه ناقصا، لأنه ليس هناك شخص ناقص وإنما هناك فقط شخص أدنى من الآخرين في مهارة معينة، لذلك لا تنافس الآخرين فيما هم أفضل منك فيه لأنك أنت أفضل منهم في جوانب أخرى.

تحرير الإرادة
ويوضح الكاتب السوري والخبير التربوي د. عبد الكريم بكار أنه حين نتحدث عن مسألة الانضباط الذاتي؛ فإن قسمًا من الناس يعتقدون أننا نتحدث عن شيء يتصل بمعاقبة الذات أو تقييدها أو تجاهل حقوقها، وبعضهم ينظر إلى الانضباط الذاتي على أنه نوع من الحرفية أو الجمود والتكلس أو النقص في المرونة، وهذا كله غير دقيق، ولا يعبر عن جوهر هذا المصطلح.

ويتركز مفهوم الانضباط الذاتي فيما يعنيه تنظيم الذات؛ حيث وضوح الأهداف واستمرار البرامج وتأجيل الرغبات، فالشخص المنضبط يتحمل بعض الآلام، إنه يعمل وينتج ويقاوم الملهيات.
كما أن تحفيز  الذات على العمل يظل بعيد المنال ما لم يكن للإنسان أهداف مرحلية واضحة، حيث أن الفَوْضى الشخصية والنقص في التركيز هما العدوان اللدودان للانضباط الشخصي.

والمنضبط ذاتيًا هو من يدرِّب نفسه شيئًا فشيئًا على إنجاز الأمور، وهو إلى جانب ذلك يطور خطته للإنجاز، ويتابع تنفيذ العهود التي قطعها على نفسه، إنه يعرف أن تحرير الإرادة يشكل أكبر علامات النصر على طريق طويل وفي معركة حاسمة مع النفس، ويدرك أيضا أن تحرير الإرادة يكون شيئا مجوفا وفارغ المضمون إذا لم يجد المرء نفسه قادرا على أداء الأعمال المهمة وإن كان يفقد الرغبة للقيام بها. حيث أن مفتاح الخلاص والنجاح يكمن في عقولنا ونفوسنا.

المثابرة..!!
نستخلص مما سبق أن عدم الانضباط الذاتي مع محاولة إرضاء النفس بما تشتهيه هو من أهم الأسباب في الفشل أو الفقر الإبداعي الذي يجعلك غير قادرا على العمل والإبداع في مجال عملك أو حياتك.

وعلاج هذه المشكلة يتركز في أمر هام وهو “المثابرة” على أداء الأعمال، فالشخص المثابر هو من يسهر ويجتهد ويستعذب التعب والمشاق في سبيل الوصول إلى غاياته وأهدافه النبيلة .

ويقول نواه سانت جون خبير التنمية البشرية ومؤلف كتاب الشفرة السرية للنجاح ” أن الإنسان العادي لا يحتاج إلى أي معلومات إضافية عن كيفية تحقيق النجاح لينجح ويبلغ أعلى قدراته ،فالمشكلة لا تكمن في قلة الحواس أو المعلومات، ولكن المشكلة الحقيقية في الحواجز اللاشعورية العاطفية التي تمنع الناس عن التصرف وفقا لأمالهم وأحلامهم وطموحاتهم الحقيقية، حيث أن الأسباب التي تحول دون نجاحك دائما ما تكون مستترة في عقلك الباطن”.

لذلك عليك أن تركز على أسبابك الداخلية الدافعة والمانعة للنجاح، واتخاذ الخطوات المناسبة لتعيد التوازن الصحيح.

وإليكم هذه الخطوات للقضاء على التسويف في العمل:

أولا: التخطيط اليومي ليلا قبل أن تنام لليوم التالي، وتذكر الحكمة القائلة : ( الناس لا يخططون للفشل ولكنهم يفشلون في التخطيط ).

ثانيا: قم بتقسيم المشروع الكبير أو الأعمال الصعبة والطويلة إلى أجزاء صغيرة وحدد لها مواعيد محددة وحاسمة للانتهاء منها.

ثالثا: خطط لمنع المقاطعات والملهيات التي تواجهك أثناء أدائك للعمل مثل التليفونات ومقاطعات الأصدقاء.
ويفضل عدم فتح مواقع التواصل الاجتماعي أثناء العمل؛ لأنها تشكل عائقا في إتمام العمل وتعمل على تشتيت الذهن.

     وفي النهاية أنت لا تعوق نفسك عن النجاح لأنك تجهل كيف تحقيقه، ولكنك تعوق نفسك عن النجاح الذي تستطيع تحقيقه بجدارة لأن أسبابك اللاواعية التي تمنعك من تحقيق النجاح تفوق الأسباب الدافعة الواعية التي تحثك عليه؛ لذلك لابد من التفتيش في داخل النفس ومعالجة نقاط الضعف أولا.