ينقسم العمل الى قسمين أولها العمل الديني الذى ينفذ بالأحكام الشرعية, وثانيها العمل الصناعي, فالعمل الصالح كله نعمة يعمه الشمل ما بين الديني والصناعي، فمن كان عمله صالحا، سيجزى بالجزاء الطيب للعمل الحسن وهو الجزاء المادي في الحياة الدنيا والثواب الأخروي يوم القيامة[1]. فيما يلي هذه 20 قاعدة لحقوق وواجبات العمل في الاقتصاد الإسلامي. من حقوق وواجبات العمل في الاقتصاد الإسلامي : 1- إتقان العمل على العامل الإتقان في العمل، يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” [رواه الطبرانى في الأوسط-رقم الحديث: 891]. 2- القوة والأمانة في العمل إن درجة الكمال لخصلة العمل هي أن يتصف بالقوة والأمانة، يقول الله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص: 26]. 3- الأجر العادل وهو استحقاق العامل لأجر عادل في العمل: يقول الله تعالى: { وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } [هود: 85], أي: [ولا تُنْقِصوا الناس حقهم في عموم أشيائهم] [2]، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: [مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امرئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ” فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئا يَسِيراً، يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “وَإِنْ قَضِيبا مِنْ أَرَاكٍ] (صحيح مسلم-رقم الحديث: 137). 4- حق الراحة يجب توفير حق الراحة والسلامة للعامل في العمل, يقول الله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [القصص: 27] أي: [ما أريد أن أستأجرك لأكلفك أعمالا شاقة، وإنما استأجرك لعمل سهل يسير لا مشقة فيه] [3]. 5- الضمان في الدنيا في الآخرة الإسلام ضمانة دائمة ومستمرة للفرد المسلم في دنياه وآخرته، يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: “ما مِن مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى به في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {النبيُّ أَوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِن أَنْفُسِهِمْ} (الأحزاب: 6) “، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: “فأيُّما مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَن كَانُوا، وَمَن تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا، فَلْيَأْتِنِي فأنَا مَوْلَاهُ”(صحيح البخاري-رقم الحديث:2269). 6- المعاملة بالحسنى يقول الصحابي الجليل أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ: “وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُ: هَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا “(سنن أبي داود-رقم الحديث:4773). 7- حسن المعاملة يجب أن تكون المعاملة بين العامل وربّ العمل على أحسن حال: فلا يجوز لربّ العمل أن يستغل العامل أو أن يسيء إليه في المعاملة لحاجته إلى العمل أو المال الذي يسترزق منه، قال رسول الله ﷺ:[ هُم إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تحت أيْديكم، فمَن كان أخُوه تحت يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يَأكُلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كَلَّفتُموهم فأعينُوهم، ومَن لم يُلائِمْكم منهم فبِيعوهم، ولا تُعذِّبوا خَلْقَ اللهِ. ][ صحيح البخاري- رقم الحديث:30]. وينبغي للبلد الاسلامي أن تحرص كل الحرص على إفادة العمال وإنفاعهم وتنمية مهاراتهم وتعليمهم وتدريبهم, فهي مسؤولية تقع أكثرها على عواتقهم ليتحسن العمل ويزداد الإنتاج، قال رسول الله ﷺ: [السُّلطانُ وليُّ مَن لا وليَّ لَهُ] [ صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 2083]. وكذلك يجب على أرباب الأعمال الحرص على توظيف العمال بحسب قدراتهم ومهاراتهم، وأن تؤمن لهم الحكومة الأعمال وأن تعوضهم بدل الإعاقة أو العاهة، ولمن يعيلونهم سواء كانوا يعملون في القطاع الحكومي أو الخاص، فالدولة مسؤولة عن أي خلل أو ضرر قد يقع على العمال[4]. 8- عدم التعالي على العامل يقول الله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ] [سورة لقمان: 18]، ويقول رسول الله ﷺ: […الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَابٍ] [سنن الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3955]، ويقول رسول الله ﷺ: [يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيّ على عجَمِيّ ولا لِعجَمِيّ على عربيّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ] [أخرجه أبو نعيم في:حلية الأولياء-3/100)، والبيهقي في: (شعب الإيمان-5137].
ويُعدُّ التكبُّر من أخطر أمراض القلوب التي تودي بصاحبها إلى النار، قال الله تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [ سورة الزمر: 72 ]، وقال رسول الله ﷺ: [ لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حَسَنًا، ونعلهُ حَسَنَةً؟ قَالَ: إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النَّاسِ] [ صحيح مسلم- رقم الحديث: 91]. فالكبر: بطر الحق، وغمط الناس، يعني: احتقار الناس، فينبغي للمؤمن أن يكون بعيدًا عن ذلك، وأن يحذر التّكبر والعجب وجميع ما نهى الله عنه، فالواجب على المؤمن أن يُجاهد نفسه في التَّواضع وعدم التَّكبر وعدم العُجب؛ لأن العبد على خطرٍ، وقد تغرُّه نفسه، وقد تغرُّه دنياه، وقد تغرُّه وظيفته، فليحذر[5]. 9- عدم المماطلة في أداء حق العامل يقول رسول الله ﷺ: [أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ] [ سنن ابن ماجه-رقم الحديث:2443], ويقول عليه الصلاة والسلام: [مَطْل الغنيِّ ظلم. وإذا أُتْبع أحدكم على مَلِيءٍ فليَتْبع] [ موطأ الامام مالك-رقم الحديث:1379]، [نفهم من هذا الحديث: أن الظلم المالي لا يختص بأخذ مال الغير بغير حق، بل يدخل في كل اعتداء على مال الغير، أو على حقه بأي وجه يكون، فمن غصب مال الغير، أو سرقه، أو جحد حقاً عنده للغير، أو بعضه، أو ادعى عليه ما ليس له من أصل الحق أو وصفه، أو ماطله بحقه من وقت إلى آخر، أو أدى إليه أقل مما وجب له في ذمته – وصفاً أو قدراً – فكل هؤلاء ظالمون بحسب أحوالهم. والظلم ظلمات يوم القيامة على أهله. ثم ذكر في الجملة الأخرى حسن الاستيفاء، وأن من له الحق عليه أن يَتْبَع صاحبه بمعروف وتيسير، لا بإزعاج ولا تعسير، ولا يرهقه من أمره عسراً، ولا يمتنع عليه إذا وجهه إلى جهة ليس عليه فيها مضرة ولا نقص. فإذا أحاله بحقه على مليء – أي: قادر على الوفاء غير مماطل ولا ممانع – فليحتل عليه؛ فإن هذا من حسن الاسيتفاء والسماحة. ولهذا ذكر الله تعالى الأمرين في قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: 178)، فأمر صاحب الحق أن يتبع من عليه الحق بالمعروف، وأن يؤدي من عليه الحق بإحسان. وقد دعا رسول الله ﷺ لمن اتصف بهذا الوصف الجميل، فقال: (رَحِمَ اللَّهُ رجلاً سَمْحاً إذا باع وإذا اشْتَرَى وإذا اقْتَضَى) (صحيح البخاري-رقم الحديث:1970). فالسماحة في مباشرة المعاملة، وفي القضاء، والاقتضاء، يرجى لصاحبها كل خير: ديني ودنيوي، لدخوله تحت هذه الدعوة المباركة التي لا بد من قبولها، وقد شوهد ذلك عياناً. فإنك لا تجد تاجراً بهذا الوصف إلا رأيت الله قد صبّ عليه الرزق صباً، وأنزل عليه البركة. وعكسه صاحب المعاسرة والتعسير، وإرهاق المعاملين. والجزاء من جنس العمل. فجزاء التيسير التيسير. وإذا كان مطل الغني ظلماً: وجب إلزامه بأداء الحق إذا شكاه غريمه، فإن أدى وإلا عُزّر حتى يؤدي أو يسمح غريمه. ومتى تسبب في تغريم غريمه بسبب شكايته: فعليه الغرم لما أخذ من ماله، لأنه هو السبب، وذلك بغير حق، وكذلك كل من تسبب لتغريم غيره ظلماً فعليه الضمان.][6]. وأيضاً يُستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف ما يلي[7]:
لا يجوز مماطلة العاملين في حقوقهم، لأن ذلك يسبب الهلاك للعامل ولأسرته، مما يعطل لهم اساليب المعيشة من مأكل ومشرب وملبس, وكذلك يؤدي الى تقاعس العامل عن عمله وعدم اتقانه لذلك العمل الموكل اليه, لأنه لا يستوفي اجرته بعد عمله. من كان عمله صالحاً فيجزى بالجزاء الطيب للعمل الحسن, وهو الجزاء المادي في الحياة الدنيا والثواب الأخروي يوم القيامة. أن يرفق بعامله فلا يؤذيه ولا يحمله ما لا يطيق لأن العامل له طاقة محددة لا يتعداها، يقول الله تبارك وتعالى: [ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ][سورة البقرة-الآية:286]. الإسلام قد ضمن للعاملين حقوقهم وتوفير الحياة الكريمة لهم ولأسرهم, فلا يجوز لربّ العمل ان يؤذيه بل يجب ان يعطيه حقه في الاجر والراحة وأداء العبادات والقيام بحق الزوجية والوالدين. وليعلم كل إنسان أنه مسؤول عن كل كبيرة وصغيرة يوم القيامة. الأجر هو حق للعامل دون أن يمنّ عليه ربّ العمل. المطلوب من كل ربّ عمل أن يعدل بين عماله الذين يعملون تحت يديه, فالعاملون هم رعية وأمانة عند ربّ العمل وهو مسؤول عنهم. العمل نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان, فهي عبادة يمارسها الإنسان كل يوم من أجل مصدر الزرق وتحصيل القوت، فالإنسان يناضل ويكافح من أجل هذه المعيشة متحملاً أعباء الحياة. إن العمل أياً كان مجاله الشرعي خير من سؤال الناس وبذل ماء الوجه والذلّ لغير الله, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: [والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَنْ يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه.][ صحيح البخاري-رقم الحديث: 1470]. 10- الاكتساب من عمل اليد إن من خير المكاسب مكسباً نالته النفس هو العمل بنفسها وكدها, سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ : عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ ” (رواه الامام أحمد-رقم الحديث:17265)، وهذا الحديث يدلّ على أنَّ ما يكسبه الإنسانُ بيده من أفضل الكسب، وهكذا البيع المبرور السَّالم من الغشِّ والخيانة والكذب, ومن الأكساب المبرورة: كالنِّجارة، والحِدادة، والزراعة، والكتابة، وأشباه ذلك مما يعمله الإنسانُ بيده، ويكتسب بيده، والبنَّاء يعمل عند الناس فيبني، أو يغرس، أو يزرع، وشبه ذلك، هذا من الكسب الطيب، إذا نصح وأدَّى الأمانة فهو عملٌ طيبٌ، كسبٌ طيبٌ. ويقول رسول الله ﷺ: “مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ” ( صحيح البخاري-رقم الحديث:1966), كان يصنع الدروع ويأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام، فما كان من كسب اليد فهو من أفضل الكسب، وهكذا البيوع المبرورة السَّليمة من الغشِّ والخيانة، فهي من الكسب المبرور. وكان هذا هو كسب المهاجرين-رضي الله عنهم-، كان كسبُهم التِّجارة، لما قدموا المدينة اشتغلوا بالتِّجارة، وأغناهم الله بها، ولما قدم المدينةَ الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف مُهاجرًا، وآخى النبيُّ ﷺ بينه وبين الصحابي الجليل سعد بن الربيع الأنصاري، قال سعد: “يا عبدالرحمن، أُقاسمُك مالي، أُعطيك الشطر، وإنَّ لي زوجتين، سوف أُطلق إحداهما، فاختر إحداهما أُطلِّقها، وتزوَّجها بعدي”، وهذا كان من نُصحهم-رضي الله عنهم-، ومحبَّتهم لإخوانهم المهاجرين، فقال عبدالرحمن بن عوف: “بارك الله لك في أهلك ومالك، لا حاجةَ لي في هذا، ولا في هذا، بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السوق”، فدلوه على السوق، واشترى بعض الحاجات، وأغناه الله، وصار من أكثر الناس مالًا [8]. 11- التكليف بما لا يطاق للعمل أركان ثلاثة هي: عامل وعمل وربّ عمل؛ فلا يصح لربّ العمل أن يكلف العامل ما لا يطيقه أو يحمله على فعل لا يقدر عليه باعتباره ربّا للعمل أو مسؤولا عن هذه الأعمال؛ بل يجب عليه أن يراعي ظروف العمال، وأن يدربهم ما لا يقدرون عليه، سيما إن لم تكن لهم خبرة في العمل الجديد المناط إليهم؛ أو كان غير متفق عليه سابقا؛ أو تعمّد رب العمل إخفاءه عن العامل من قبل؛ لذلك يجب أن تكون الشروط بين العمال وأرباب العمل واضحة لا غموض فيها ولا لبس لكي لا يؤدي الوضع إلى إضرار بالعامل أو بربّ العمل. 12- الالتزام بالعمل إن لصاحب العمل والمال حقوقاً على العامل, فمن حقوقه على الأجير أن يلتزم له بالعمل, وقد أَمَرَ اللهُ تعالى العاملَ وربّ العمل بالتزام بالعقد الذي بينهما، قال اللهُ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1], ومن حقه على أجيره أن يكون أميناً له، قوياً في أداء مهمته، والقوة والأمانة سمات العامل المسلم. 13- واجبات ربّ العمل تجاه العامل فأولها الوضوح والجلاء في العقد وطبيعة العمل، ومقدار المال المستحق وموعد السداد.
14- بيان العمل والأجر حينما يتعاقد اثنان على عمل معيّن؛ فلا بد من تحديد العمل، وتحديد الأجرة قبل البدء في العمل، وتلك خلة الأنبياء وسبيل العادلين، فهذا نبيّ الله موسى عليه السلام قال له الرجل الصالح عندما ذهب إليه: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍٍٍ } [القصص:27]، فحدّ له الأجرة قبل أن يبيّن له العمل، وبمثل هذا الجلاء يسود الصلح والصفاء ويصلح العمل والعطاء، ويرغم الشيطان. 15- الاكتفاء الذاتي إن من مقاصد الشريعة أن يكفي الإنسان حاجته – الاكتفاء الذاتي [9] – وألاّ يكون عالة على غيره، وقد يسّر الله للإنسان من الأسباب التي إذا أخذ بها فإنه يكتسب ما يسد به حاجته وحاجة من يعول، بل يمكنه بثمرة عمله أن يساعد غيره ممن هو أهل للعون. ولذا فإن الإسلام قد منع من له قدرة على الاكتساب ويجد عملًا أن يسأل الناس ويتكففهم, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “لا تَحِلُّ الصَّدَقةُ لغَنيّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيّ ” ( سنن أبي داود-رقم الحديث:1634) . إذ إن سدّ الحاجة والاستغناء عن الناس مما يحفظ كرامة الإنسان ويُحرره من أن يُمتهن لأحد, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ فقال : يا محمَّدُ ! عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه ، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مجزِيٌّ به ، ثمَّ قال : يا محمَّدُ ! شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ ، وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ” ( أخرجه الطبراني-المعجم الأوسط-رقم الحديث:4278). والاكتفاء الذاتي المطلوب هو اكتفاء على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، إذ من مقاصد الشريعة في إنتاج المال: مقصدان مُهمان: أولهما: تحقيق الكفاية التامّة للفرد في حياته المعيشية. وثانيهما: تحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة، بحيث تستطيع الاستغناء عن غيرها من الأمم، وخصوصًا في فترات الأزمات والصراعات[10]. 16- كفالة حقوق العامل وعدم ظلمهم من المهم أن تُكفل حقوق العامل؛ خصوصًا ما يستحقه من منح خاصة في حالات المرض أو الشيخوخة، أو حين تعرُّضه للبطالة، وكذلك حقوقه في التكافل الاجتماعي، وحقه في منحة التقاعد، وهي حقوق مقررة في التاريخ الاقتصادي الإسلامي منذ العصر الأول النبوي إلى العصور الإسلامية الأخرى والى الآن، فيجب الابتعاد عن كل شرط أو عقد يظلم العامل أو يُشبه استعباده، بأن يبقى يعمل طول عمره أو مدة طويلة جدًّا؛ بحيث لا يجد لنفسه مخرجا ويجعله كالعبيد يرتزح تحت ظلم الاستغلال[11]. وقد كان في أنظمة الوقف الإسلامي مجالات واسعة تغطي هذه الجوانب المتعددة وغيرها، وقامت في كل مجال مؤسسات متخصصة رسمية تنشئها الدولة وتوقف عليها أوقاف واسعة، ومؤسسات وقفية أهلية ينشئها الأفراد. 17- أمة عادلة لا يوجد فيها مظلوم أو مغدور أو من يموت جوعاً قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “ما آمن بي من بات شبعانَ و جارُه جائعٌ إلى جنبِه و هو يعلم به” ( أخرجه البزار في: مجمع الزوائد-للهيثمي:8/170-، والطبراني:1/259-754)، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: “ليس المؤمنُ بالذي يشبعُ وجارُه جائِعٌ إلى جنبَيْهِ” ( أخرجه أبو يعلى:2699-، وتمام في:الفوائد:1262-، والبيهقي: 20160 باختلاف يسير). إن النبي ﷺ كثيراً ما يقول في دعائه: ” اللهم عافني في بدني، اللَّهمَّ عافِني في سَمْعي، اللَّهمَّ عافِني في بَصَري، لا إلهَ إلَّا أنتَ. اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بكَ منَ الكُفرِ والفَقرِ، اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِن عَذابِ القَبرِ، لا إلهَ إلَّا أنتَ” (سنن أبي داود-رقم الحديث: 5090). استعاذ النبي ﷺ من الكفر والفقر، وقرن بين الكفر والفقر؛ لأن الفقر إذا انتشر؛ انتشر الشر، فإن الفقير إذا عجز عن الشراء، أو لم يقوى في الديون على الأداء؛ فإنه سيلجأ إلى الجرائم وإلى الحرام، وعندها تنشأ الأنانية، وتظهر المشاكل الاجتماعية، وتزداد الحالات النفسية السيئة. وقد أمر الإسلام الفرد المسلم بالسعي والعمل والاجتهاد، وأن يلتمس الرزق في كُل أرض وكُل عمل، إلا أن يكون فيما لا يرضي الله تعالى، فعندما يعمل الفرد المسلم يغني نفسه ويسدّ حاجاتها وحاجات أسرته ويساهم في غنى المجتمع بغنى نفسه وأهل بيته. وردت الآيات والأحاديث في حث الإنسان على السعي في رزقه، يقول الله تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الجمعة: 10]، كما جاء الأمر للسلاطين وأولياء الأمور بتسيير سبل العمل للرعية، وعلى أبناء المجتمع المسلم كافة العمل متضامنين للتغلب على الفقر والجوع والمرض وتوفير فرص العمل وتيسير سبل المعيشة على بعضهم البعض.
18- الإسناد النقابي قد يحتاج العامل لكفالة حقوقه والدفاع عنها إلى إسناد نقابي أو إسناد ممن له دراية بشؤون العمل وقوانينه أكثر منه، ومن أجل تحسين ظروف العمل والتفاوض مع أرباب الأعمال، فالعامل قد لا يكون على دراية كافية بجميع التفاصيل القانونية للعقد الذي يوقعه، فيحتاج إلى من يتولى عنه ذلك من أهل المعرفة والدراية ليضمن حقوقه. والدفاع عن حقوق العمال يجب ألاّ يؤدي إلى الإجحافٍ بحقوق أرباب العمال، ولأن الموازنة بين اطراف الحقوق مطلوبة شرعاً؛ وتكون في مصلحة جميع أفراد المجتمع الاسلامي. 19- المعاملة الإنسانية حق العامل في المعاملة الإنسانية تماشياً مع قوانين الرحمة بالإنسان التي أدّبنا الإسلام عليها، يقول رسول الله ﷺ: “الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ تبارَك وتعالى؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ” ( سنن أبي داود-رقم الحديث: 4941), وقول رسول الله ﷺ: “مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ ” صحيح البخاري- رقم الحديث: 5997). العمّال بشرٌ مثلنا يتمتعون بإنسانية وآدمية يجب النظر والانتباه إليها، أجبرتهم ظروفهم المعيشية للعمل في البناء، والتنظيف وتحميل البضائع تحت لهيب الشمس، فيجب أن يُنظر إليهم بعين الرحمة والرأفة، لكونهم يتمتعون بإنسانية أعطاهم الله إياها. والإسلام لم يتجاهلهم؛ بل أوصى بأن لا يُكلَّف العامل فوق طاقته وقدرته، لقول الله تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286], وقول رسول الله ﷺ: ” للمملوكِ طعامُهُ وكسوتُهُ بالمعروفِ ، ولا يُكَلَّفُ من العملِ إلا ما يطيقُ” (صحيح مسلم-رقم الحديث: 1662)، وهذا الحديث وإن ورد في الرقيق إلا أنه يشمل العمّال، لأن الإسلام أتى لتحرير الرقاب من الظلم والاستعباد الذي كان سائداً في الجاهلية، ولا بدّ أن يستشعر صاحب العمل رحمة الله بعباده. ولا يتنافي مبدأ الرحمة الذي دعا الإسلام له مع مبدأ المساءلة والمحاسبة إذا قصّر العامل في عمله[12]. 20- حق التملك إلى جانب الملكية العامة للأمة وملكية الدولة فإن الله سبحانه وتعالى قد أقر حق التملك الخاص للإنسان ، والتملك في الأصل يقع على المال الذي هو أحد الضروريات الخمس في الإسلام، ويعتبر المال أحد الدعائم الأساسية في الحياة، وهو أحد عناصر الإنتاج مع الأرض والعمل والتنظيم والشورى ، وهو زينة الحياة، وبإقرار الإسلام لهذا الحق إنما هو يعترف بفطرة الإنسان التي فطره الله تعالى عليها ، وهي ميل النفس البشرية ونزعتها وحبها لتملك الأشياء والاستئثار بها ، سمح الإسلام للإنسان أن يتملك الأشياء التي هي من ثمار جهده وتعبه واعطائه حق التمتع بها ومنع غيرة من الاعتداء على ممتلكاته وأشيائه، فحرم السرقة والاحتيال والاختلاس والربا والسلب والنهب وقطع الطريق وأكل أموال الناس بالباطل والتزوير والاعتداء على أموال الأيتام وغيرها . وعندما أقر الإسلام هذا الحق لم يجعله مطلقا دون قيود بحيث يتحول إلى النزعة الفردية المطلقة وإلى الأنانية البغيضة لأن في ذلك حبساً للأموال والممتلكات بيد فئة قليلة من الناس مما يؤدي إلى ظهور الطبقية التي تولد الحقد والكراهية والتنازع بين الأغنياء والفقراء المعدمين[13]. لذلك جاءت فلسفة الإسلام الاقتصادية وسطية معتدلة ليست بالشيوعية الوضعية التي تختصر الفرد وتلغي دوره وحقه في التملك الاستثماري وتلغي فطرته الإنسانية وتحرمه من الحقوق التي منحه الله تعالى إياها، وليس بالرأسمالي الوضعي الذي يشجع على تكديس الثروة بشكل مطلق بيد فئة قليلة من ذوي الجاه والسلطان؛ ويحرم باقي أفراد المجتمع من حقهم بها. فالفرد في الإسلام هو فرد مستقل لذاته وهو في نفس الوقت جزء من الجماعة له ما لها وعليه ما عليها[14]. ومما يدل على تشجيع الإسلام للملكية الفردية هو حضه على العمل والكسب والسعي في الأرض والبحث عن الرزق؛ لأن في ذلك تحقيقا للذات وعفة لها عن السؤال ، قال الله تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك: 15]. وقال رسول الله ﷺ: “ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ” (صحيح البخاري- رقم الحديث: 2072)، وبذلك فإنه يعمل على توسيع ملكيته الفردية ولكن في إطار منضبط بالأحكام الشرعية, ومكلف بالصدقات الواجبة كي لا يصبح المال محصورة بيد الأغنياء فقط؛ لقول الله تعالى: { كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ } [الحشر: 7].