الشيخ عز الدين القسام يعد من الشخصيات البارزة في تاريخ المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي والإنجليزي والاستيطان الصهيوني في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.

تمكن القسام بفضل كاريزما دعوية وقدرات تنظيمية فريدة من قيادة ثوار فلسطين في عام 1935 ضد الاحتلال البريطاني والمستوطنين اليهود، موقعًا فيهم خسائر كبيرة. ومع مرور الوقت، أصبح رمزًا من رموز الكفاح والجهاد، ليس فقط في فلسطين بل في العالم العربي بأسره، مما جعله نموذجًا يُحتذى به في المقاومة الشعبية ضد الاستعمار.

نشأة الشيخ عز الدين القسام ومسيرته العلمية
ولد القسام في مدينة جبلة السورية عام 1882، لعائلة متدينة ومهتمة بالعلم والفقه الإسلامي. كان والده الشيخ عبد القادر مصطفى القسام معروفًا باهتمامه بالتصوف والشريعة الإسلامية. تلقى القسام تعليمه الأساسي في جبلة، حيث درس العلوم الشرعية واللغة العربية على يد والده.

وفي سن الرابعة عشرة، انتقل إلى الأزهر الشريف بالقاهرة، حيث تأثر بعلماء ومفكرين بارزين مثل محمد عبده ورشيد رضا.

كانت هذه الفترة حاسمة في تشكيل وعيه السياسي والديني، إذ تأثر بالنضالات ضد الاحتلال البريطاني في مصر، وعاد إلى سوريا بعد سنوات محملاً بالمعرفة والشهادة الأهلية.

الشيخ القسام ونضاله المبكر ضد الاستعمار
بعد عودته إلى جبلة، بدأ القسام في تطبيق ما تعلمه من مبادئ العدالة والمساواة الإسلامية. ركز على حقوق الفلاحين المستضعفين ودعا إلى إعادة توزيع الأراضي، مما أثار غضب الإقطاعيين. كما أسس مدرسة لتعليم الأطفال وأقام حلقات تعليمية في المساجد.

وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى، تطوع القسام للخدمة في الجيش العثماني، حيث استجاب لدعوة السلطان للجهاد، لكنه عاد لاحقًا إلى جبلة لمواصلة نشاطه التعليمي والدعوي.

بعد الحرب، ومع دخول الفرنسيين إلى الساحل السوري، بدأ القسام بتنظيم المعسكرات وتجنيد الشباب لمقاومة الاستعمار. عمل مع الشيخ صالح العلي لتنسيق الجهود ضد الفرنسيين، ونجح في تنظيم ضربات موجعة ضد معسكرات الاحتلال. لكن بعد أن اشتدت حملة الفرنسيين على الثوار، صدر حكم بالإعدام ضده، فانتقل إلى فلسطين عام 1920.

الشيخ القسام في فلسطين: التنظيم والمقاومة
استقر القسام في مدينة حيفا، حيث عمل مدرسًا وإمامًا وخطيبًا في مسجد الاستقلال. كان المسجد مركزًا لنشر الوعي الديني والسياسي بين أهالي حيفا. في دروسه وخطبه، ركز القسام على أهمية العلم والعمل والجهاد لتحرير فلسطين من الاحتلال البريطاني ومنع إقامة الدولة اليهودية. دعا الناس إلى شراء السلاح بدلاً من صرف الأموال على الزخارف، وحثهم على توجيه جهودهم نحو الكفاح المسلح.

أسس القسام أولى مجموعاته الجهادية السرية في فلسطين، وبدأ بتدريب المتطوعين على أساليب القتال. كانت تلك المجموعة نواة الثورة المسلحة ضد الاحتلال البريطاني والمستوطنين اليهود. قاد القسام عمليات جريئة ضد القوات البريطانية، وكان يرفع صوته في خطب المسجد بالتحريض على الجهاد قائلاً: "إن كنتم مؤمنين فلا يقعدن أحدٌ منكم بلا سلاح وجهاد."

استشهاد القسام وأثره على الحركة الوطنية الفلسطينية
في عام 1935، قاد الشيخ عز الدين القسام مجموعة من المجاهدين في اشتباكات مسلحة مع القوات البريطانية. انتهت هذه الاشتباكات باستشهاد القسام، لكن استشهاده أشعل شرارة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936. تحول القسام إلى رمز وطني وقومي للمقاومة، واستلهمت الحركات الوطنية الفلسطينية والعربية من سيرته الجهادية الشجاعة.

لقد كان القسام نموذجًا فريدًا لقائد جمع بين الدين والسياسة والجهاد، ونجح في تكوين حركة مقاومة فعالة ضد الاستعمار. مسيرته تظل مصدر إلهام للأجيال الحالية في فلسطين وفي العالم العربي، حيث جسّد القسام نموذجًا حيًا للقيادة الشجاعة الملتزمة بمبادئ الإسلام والعدالة، وسعى لتحرير الأمة من الاستعمار.

تظل حياة الشيخ عز الدين القسام وذكراه حاضرة في وجدان الفلسطينيين، كرمز للبطولة والتضحية في سبيل تحرير الوطن. ورغم استشهاده، فإن أفكاره وخطواته الجهادية أسست لجيل من المقاومين الذين واصلوا النضال ضد الاستعمار حتى يومنا هذا.