12/07/2011

السلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد..

أحببت أن أناديك بهذا الاسم؛ ليس نداءً تقليديًّا، ولكنه نداءٌ حبَّب ورغَّب فيه رسول الله، وسأخبرك بعد قليل بإذن الله سبب هذه التسمية.

أما سبب كتابتي هذه الرسالة؛ فهو عدة شكاوى وصلتني من أخوات مسلمات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وأخريات أخوات مسلمات لسْن من أعضاء الجماعة، رغم اعتزازنا بتشريفهنَّ لنا في مؤتمرنا الذي عقدناه في الأسبوع قبل الماضي بقاعة مؤتمرات جامعة الأزهر تحت شعار: (المرأة المصرية.. من الثورة إلى النهضة)، وتكلمنا مع المرأة حول واجباتها على المستوى الفردي، والمستوى الأسري، والمستوى المجتمعي، ولكن حقوقها على الرجل هذا واجبنا وواجبك.

وقد آثرت أن أتوجه إليك مباشرةً، مذكرًا لك بالدور الذي حمَّلك الله عزَّ وجلَّ، ووصَّاك به رسوله، وهو على فراش الموت؛ كآخر وصية لأغلى من يوصي.

يوصيك رب العزة أن تكون علاقتك بزوجتك عمادها المودة والرحمة والإحساس بالمسئولية، فأنت قائد السفينة، وقوامتك قوامة تكليف وليست تشريفًا، وأوصاك ربك ألا تنسى؛ لأنك ستنسى: (وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (البقرة: من الآية 237)، والفضل هو: أن تقدم أكثر مما يُطلب منك، وتأخذ أقل من حقك.

وقال لك ربك إن حماية زوجتك وأولادك من الأضرار والأخطار المادية والمعنوية وكذلك جلب المنافع المادية والمعنوية لهم مسئوليتك منذ وُجد أبوك آدم وأمك حواء.. (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)) (طه).

وكان تطبيق رسول الله موسى عليه وعلى نبينا وكل الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه تطبيقًا عمليًّا؛ تنفيذًا لأمر الله الذي يتضمَّن جوامع الكلم.. (فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)) (طه)؛ أي انتظروا أنتم هنا وأنا سأستطلع الأمر لأجنِّبكم الخطر والضرر، وآتيكم بالنفع المادي أو المعنوي.

وجعل رب العزة رباط هذا الميثاق الغليظ تعقده أنت وتحافظ عليه، وسيحاسبك الله على أسباب بقائه أو المؤديات إلى حله.. (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)) (النساء).

أما أخطاء المرأة أو عيوبها فإنها مثل عيوبك وأخطائك، تحتاج منك ومنها إلى صبر للعلاج، ولكنَّ زمام الأمر بيدك أنت؛ حتى يكون للسفينة قائد واحد، وليست المهام الأسرية تنازع سلطات أو زعامات أو قيادات كما يحاول أعداء الإسلام والإنسانية أن يمزِّقوا هذه الروابط المقدسة بإذكاء نار الصراع بين الرجل والمرأة، مستغلِّين بعض أخطاء بعض الأزواج ويلصقونها بالنظام الإسلامي والتشريع الرباني الذي يجعل القوامة للرجال كل الرجال على النساء كل النساء؛ لحماية المجتمع.

وقد أوجز القرآن وأعجز كل النظم البشرية ولخَّص هذه القضية في كلمات (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى (1) والنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى (2) ومَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنثَى (3)) (الليل) ليل ونهار وأنثى وذكر.. تكامل وتداخل لا مثيل له، ولا فضل لأحد على الثاني إلا بالقيام بدوره؛ فها هي زوجة فرعون مدعي الألوهية لم يضرّها ذلك، وهاتان زوجتا نبيَّيْن كريميْن لم ينفعاهما، وها هي مريم عليها السلام، لا زوج لها، ولكل واحدة حسابها الخاص ومكانتها ومسئوليتها الفردية، بل وعندما حدثنا رسول الله أن المرأة لها تشابه مع الضلع الأعوج، فليس هذا عيبًا تعاب عليه؛ فهي لم تخلق نفسها، وأيضًا الاعوجاج في الضلع هو أجلُّ وأفضلُ شكل للقيام بالمهمة، فلولا اعوجاج الضلع ما ارتاح القلب ولا تمدَّد، وكذلك الرئتان، وما تنفَّس البدن كله، وما عاش بصحة وعافية، وقام بكل مهامه وواجباته.

لذلك قال رب العزة حتى عندما تكره شيئًا فيها- والكمال لله وحده- وأنت أيضا لست منزهًا عن الخطأ والنقص، قال لك رب العزة في هذا الموضوع بالذات: (فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء)، وتناول رسول الله هذا الأمر بالتفصيل التنفيذي والعلاج الفوري الذي تقوم أنت به وليس هي؛ لأنك القائد والمسئول.. "لا يفرك مؤمن مؤمنة - يعني الصفات العامة الأساسية للإيمان موجودة والحمد لله ويأتي بعد ذلك أمور أخرى وصفات أقل في الأهمية وفي الأولوية - فإن كره منها خلقًا رضي منها خلقًا آخر"؛ يعني إذا رأيت شيئًا من غير أصول الإيمان الذي أثبته لها الحديث في البداية تكرهه؛ فلا بد لك من أن تغير حالتك النفسية أنت (أو المود) كما يقولون إلى تذكر واعتراف بالأخلاق الأخرى الفاضلة والطيبة التي عندها وهي كثيرة، رضي منها خلقًا آخر فتتحول "كَرِهَ"" عندك إلى "رَضِيَ" عندك أنت أيضًا وفورًا.

وأذكِّرك بمعلومة بسيطة أحيانًا تنساها؛ أليس رغم كل ثروة زوجتك مهما بلغت فإن زكاة الفطر بالذات تدفعها عنها مهما كانت غنية وعن أولادك وخدمك؛ لتذكرك بهذا الرمز عن هذه المسئولية، وليست هذه زكاة المال؛ لأن مالها حقها وهي تخرج زكاته بكل الاستقلال، وإياك أن تأخذ منه بغير رضاها أو تمنعها من برِّ أهلها منه كما تشاء، وإلا فحساب الله عسير؛ لأن ما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام؛ فكيف بما ليس بسيف الحياة؟! بل بسيف القهر والظلم الذي حرمه الله على نفسه وجعله بين كل البشر محرمًا.

فكن دائمًا أهلاً للوفاء بزوجتك؛ لأن رسول الله ظل وفيًّا لزوجته خديجة رضي الله عنها وفاءً رائعًا  حتى بعد مماتها، قدوةً للبشرية، وكانت عاطفته التي لا يخفيها حبًّا لزوجته عائشة رضي الله عنها قدوةً عاطفيةً رائعةً عندما سئل عن أحب الناس إليه قال: "عائشة" بكل وضوح وبكل رضى، فقالوا ليس عن النساء نسألك، فلم يقل أبو بكر؛ في لفتة عاطفية جميلة ومؤثرة، تسعدها ولا تنتقص من قدر أبي بكر فقال: "أبوها".

هل رأيت أرق وأرقى من هذه الكلمات المعبرة عن المشاعر الصادقة التي تؤثر جدًّا في الزوجة بكلمة كهذه تمسح أي أخطاء منك أو خلافات بينكما، حتى والعياذ بالله لو وصل الأمر للطلاق، أبغض الحلال؛ فإن المطلقة تبقى في البيت فرضًا إلهيًّا حتى يرقَّ قلبك أو يرقَّ قلبها، وتذوب الخلافات في غير الأيام التي يُنهى عن الطلاق فيها، هل تدري أن هذا لفت نظر لك حتى في أصعب الظروف، حتى إن السورة التي تحدثت عن الطلاق بها أكثر آيات القرآن ذكرًا لليسر واللطف.. (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)، (يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)، (ويُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)، (يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

وأخيرًا.. لا تنسَ وصية الوداع لحبيبنا المصطفى.. "استوصوا بالنساء خيرًا"، وعجيب أن يقرن وصيته هذه بوصية المحافظة على الصلاة، هل رأيت أهمية هذا الأمر الخطير؟

لذلك أخي الزوج أيًّا ما كنت وكيفما كنت.. فالوفاء الوفاء لزوجتك، والإحسان الإحسان لزوجتك، والحرص الحرص على مشاعر زوجتك، والبر البر بأهل زوجتك، والعون العون لها؛ لتحمل هموم البيت والدعوة معك، وتسند ظهرك لتنطلق حاملاً رسالتك التي كلفك الله بها.

الحذر الحذر من أخد مالها بغير رضاها، أما برضاها فقد نزلت فيه آية خاصة، (فَإن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)..

النار النار.. أنقذها منها (قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا)..

الجنة الجنة.. رافقها فيها هي وأولادك (هُمْ وأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ)، (والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)..

وتذكر أيضًا أن خيرنا هو خيرنا لأهله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس جميعًا لأهله؛ فهل اقتدينا به؟!

وأخيرًا.. سمَّاك رسول الله بأنك كريم ما دمت قد نفذت وصيته.. "لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم"، فكن أخي زوجًا مسلمًا كريمًا، بارك الله لك في أهلك ومالك وولدك، ورحم أباك وأبويها أحياءً ومنتقلين، وجمعكما على خيري الدنيا والآخرة، وبارك لكما في الذرية، وقد تحدثت للزوجة في المؤتمر بحديث رسول الله فيما يعدل كل ذلك من الأجر؛ أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل الجهاد والجمع والجماعات والجنازات، وأن رضاك عنها هو باب دخولها الجنة حقها وهذا حقك فداك، وأرجو ألا تنسونا جميعًا من صالح دعائكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

أخوك

أ. د/ محمد بديع

المرشد العام للإخوان المسلمين