17/10/2010

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. إخوتي وأحبابي في الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
 
أستأذنكم في أن نتوقف عن استكمال حلقاتنا؛ حول أسماء سور القرآن الكريم؛ لأحدثكم حديثًا من القلب موصولاً أيضًا بالقرآن الكريم، فنحن نسال الله عز وجل ألا يحرمنا صحبة القرآن الكريم في حياتنا وفي قبرنا وحتى نلقاه يوم القيامة؛ ليكون شاهدًا لنا لا علينا، وألا يحرمنا منه في الدنيا وأن يجعله أنيسًا وجليسًا لنا في قبورنا، ونورًا لنا على الصراط وفي الجنة.. اللهم آمين.
 
نعيش الآن مع سورة "المزمل"؛ حيث إنها بدايات نزول القران؛ استعدادًا لحمل الأمانة وثقل المسئولية، والسبب في أن نذهب إلى هذه السورة ما نحن مقدمون عليه من مهمة ثقيلة، نواجه بها اختبارًا نسأل الله عز وجل فيه القبول في أن ننهض بأمتنا في هذه الانتخابات القادمة؛ كي تطالب بحقوقها وكي تتحمل مسئولياتها وكي تكون مصر بما يليق لها وبها مكانتها السامية العالية بين الأمم كما كانت، وكما أراد الله عز وجل لها.
 
المهمة الثقيلة التي نحن بصددها تحتاج إلى قوة نفسية، نستمدها من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. بهذه البدايات يقول رب العزة لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)﴾ القول كان ثقيلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقلاً ماديًّا كان يتفصَّد عرقًا في الليلة الشاتية الممطرة.
 
أما نحن فقد جاءنا القران سهلاً يسيرًا عبر هذه الأجيال التي حملته وعانت في نقله إلينا، وتحملت وما بقي لنا إلا الثقل المعنوي في حمل أمانته وتكاليفه عندما نقدم على عمل شاق مهم كما نحن مقدمون الآن؛ لا مدد لنا ولا عون إلا من الله عز وجل، وبنفس النموذج الذي عاش عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته أُلجئوا إلى قيام الليل ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)﴾
 
ويقول علماء اللغة إن وطئًا ومادتها تواطؤ تواطئًا أي تكامل كل أجهزة الإنسان في تحمل هذه الأمانة، وهذا مر لا يحدث إلا في قيام الليل، الهدوء الذي  تعيش فيه استجماع عقلك وقلبك وحواسك مع القرآن الكريم، وأنت بين يدي الله وقد هدأت من حولك الأصوات وسكنت العيون ونامت الجفون؛ هذا الموقف هو الذي يجب أن نعود إليه نلجأ؛ إلى ربنا سبحانه وتعالى، نستعين به، ونستمد منه القوة، ونلجأ إلى قران ربنا لنرتله آناء الليل قبل أطراف النهار.
 
إن ناشئة الليل وقبلها نصفه وثلثه؛ أي أن الأمر يحتاج منك إلى أن تأخذ بكل ظرف بما يناسبه، عندك سعة من الوقت، عندك صحة وعافية، خذ من القرآن ما تستطيع، وكذلك ناشئة بالليل في أوقات متعددة، أشد وطئًا ثقلاً وأشد تواطؤا لجسدك وعقلك وروحك وقلبك؛ لتجتمع جميعًا، وتتواطأ جميعًا على هدف واحد؛ هو البحث عن إرضاء الله سبحانه وتعالى في كل أعمالك والصبر على ما تلاقيه.
 
﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)﴾ مواقف كلها تدل على كيف تتحمل وتصبر ابتغاء مرضاة الله، كما جاء في سورة المدثر ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)﴾، وكما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم "اصبروا حتى تلقونى على الحوض "، لا نهاية لصبرك إلا أن تلقى الله عز وجل فيأجرك على هذه الصبر ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾ (الزمر).
 
هذه القوة النفسية العظيمة التي تستمدها من قيام الليل إن كنت تقومه، فزد في قيامك لليل، وإن كنت لا تقومه فمن الآن أنت مقبل على مهمة شاقة، تُرضي بها ربك سبحانه وتعالى، وتحمل بها أمانة الأمة؛ لتقف بها في وجه المزوِّرين والمفسدين والظالمين؛ لتقول لهم كلمة الحق، ولا تخشى في الله لومة لائم، لا بد لهذه المواقف من نفوس عظيمة أعدت إعدادًا عظيمًا، وشُحنت شحنًا قويًّا بإيمان في قلوبها يدفع جوارحها إلى أن تتحرك ابتغاء مرضاة الله؛ لا تخشى في الله لومة لائم، تبغي رضوان الله والجنة.
 
إخوتي وأخواتي وأحبابي في الله.. الأمانة ثقيلة، والمهمة عظيمة، ولكن الذي يهوِّن هذه المهام وهذه الأمانة عظم الأجر؛ لذلك أنت عندما تقوم بهذه المهام لا تنتظر من أحد ولا حتى النتائج.. أنت تتقدم بعملك هذا لله وتقول يا ربِ أسألك يا حي يا قيوم أن تتقبل مني هذا العمل الصالح؛ ابتغاء مرضاتك؛ إيمانًا بك واحتسابًا عندك، وأن تلجأ إلى الله، حتى في تعاملك مع البشر؛ فهناك مثلث يسمونه مثلث العلاقات الإنسانية.
 
نحن نتوجه إلى الناس مباشرةً ونتمنَّى أن يتأثروا بكلامنا، وهذا مدخل خاطئ، انظروا إلى هذه الجملة وحققوها في تعاملاتكم الإنسانية والبشرية، اصدق الله فيهم، هذا الكلام الذي قيل لمصعب بن عمير عندما كان يحدث سعد بن معاذ سيد الأوسي رضي الله عنهما.
 
اصدق الله فيه.. أي أن هناك مثلثًا، ثلاثة أضلاع: ضلع بينك وبين الله عز وجل، وهذا صدقك لله في هذا الإنسان، فرب العزة يفتح لك قلب هذا الإنسان بالضلع الثاني في صلة وسلطة وقدرة من الله عز وجل، مالك القوى والقدر، والذي القلوب بين أصبعين من أصابعه فيغيِّر قلب هذا الإنسان الذي توجهت بالحديث إلى الله قبل أن تتوجه إليه به، صدقت الله فيه فجاء الرد منه بالضلع الثالث للمثلث؛ فإذا به يتحدث إليك بغير الوجه الذي جاء به، فما بات ليلتها بيت من بيوت الأوس إلا وقد دخله الإسلام بهذه الكلمة.
 
إذًا أنت عندما تصدق الله في حديثك مع الناس؛ الله عز وجل هو الذي يغيِّر لك قلوب الناس ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾ (فصلت) الله عز وجل يغيِّر قلبه إذا توجهت إلى الله بالنية وبالحديث وبالعمل ابتغاء مرضاته سيسخِّر لك القلوب ويفتح لك المغاليق.
 
إخوتي وأحبابي في الله.. "قيام الليل شرف المؤمن" هيَّا نجرِّب هذه القوة، ونجرِّب هذا الشحن الإيماني، ثم بعدها نأخذ بالأسباب؛ ليكتسب المسلم قوةً إيمانيةً وقوةً إيجابيةً في الحركة دافعها قوة الإيمان في قلبه وقوة الحركة في بدنه والصدق مع الله عز وجل أثره لا نهاية له.
 
بهذا أقول لكم: نحن الآن على مشارف مواقف إيجابية تحتاج إلى رجال، والرجال من المؤمنين رجالاً ونساءً، ذكورًا وإناثًا، ستكون مواقفهم هذه بعد أن يستمدوا العون من الله عز وجل، فالجؤوا إلى الله عز وجل، وادعوه في السحَر، وقوموا إليه؛ لتُكتبوا أنتم وأزواجكم من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، ثم بعدها انطلقوا على بركة الله، والله عز وجل معكم ولن يتركم أعمالكم، وأنتم في دعائكم.. ادعوا على الظالمين والمزورين والمفسدين، وقد دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلكم فقال: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه"، ودعا للصالحين والمصلحين من المسئولين "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به".
 
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاننا على حمل كل الأمانات والمسئوليات، ورزقنا الصدق في القول والإخلاص في العمل؛ حتى يجمعنا مع الحبيب الصمطفى صلى الله عليه وسلم حول حوضه الشريف؛ فنشرب من يديه الشريفة شربةً هنيئةً مريئةً لا نظمأ بعدها أبدًا.
 
خاطرة أخرى أحدثكم فيها من القلب إلى القلوب: حضرت حفلاً عائليًّا؛ فرحًا بخروج الإخوة الثلاثة الأكارم؛ الأخ صادق والأخ أحمد أشرف والأخ أحمد شوشة، فرَّج الله كرب الأخوين الكريمين؛ الأخ خيرت الشاطر، والأخ حسن مالك؛ حتى تتمَّ فرحتنا، وفرَّج كرب أسرانا وأسيراتنا في كل مكان، وفرَّحنا بنصرة دينه ودعوته وقبل الله عزَّ وجلَّ منا هذه الأعمال وهذا الجهاد.
 
هذا الحفل العائلي البسيط عشت فيه هذه الفرحة، أحببت أن أنقلها لكم.. فرحة هذه العائلات بعد خروج عائلها المظلوم المسجون، المجاهد في سبيل الله، وعندما ذاقوا هذه الحلاوة سألتهم أين ذهبت أيام السجن؟ قالوا: والله كأنها لم تكن حقيقة.. ذهب السجن، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله.
 
لكنَّ هناك درسًا لا أنساه، وأحببت أن أذكِّر نفسي وإياكم به.. الله عز وجل عندما يختبرنا بسلب بعض النعم يريد منا أن نتذكرها، وأن ننتبه إليها؛ فإذا ما سُلبت أحسسنا بغيابها بعد أن كنا نعتبرها حقًّا مكتسبًا، ثم بعد أن نعود منها ويردها إلينا نجد أن النعمة لا بد أن توظَّف حيث أراد الله، كل النعم التي أنعم الله عزَّ وجلَّ علينا بها، لا نكاد نشعر بها إلا عندما نفقدها، فالصحة والوقت.. نعم نحن في غفلة عنها "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".
 
كيف يمر علينا الوقت ونحن في صحة وعافية وبحبوحة من الوقت، ونحن نضيِّعه ونضيِّعها ولا نشعر بذلك إلا عندما نُبتلى بمرض أو نُحرم من هذا الوقت الذي كنا بحبوحة فيه؛ لذلك رب العزة سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يقول لنا: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)﴾ (فصلت).
 
انظر إلى هذا الاختبار.. انظر إلى هذا التخيل، كيف لو حُرمتم من ضوء النهار وكذلك ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)﴾ انظر كيف يكون التصور لو حُرمنا هذه النعمة، وكأن القرآن يدربك على أن تتخيل فقد النعمة، حتى إذا ما جاءتك مرةً أخرى كنت أشد حرصًا عليها مستخدمًا لها ومستعملاً لها في طاعة الله.
 
نعم.. الإخوة الذين ابتلوا وصبروا وتحمَّلوا؛ خرجوا بفضل الله سبحانه وتعالى، وقد غمسوا غمسة في فرحة الدنيا، فما بالكم عندما نغمس غمسة في الجنة، ويقال لنا: هل ذقتم شقاءً قط؟ فنقول لا ورب العزة. نعم.. نحن بفضل الله سبحانه وتعالى نصبر ونتحمَّل ابتغاء مرضاة الله ولكن نذكِّر الظالمين أننا إذا ما انتهى الظلم ورب العزة سبحانه وتعالى نجانا من هذا الظلم فحساب الظالم لا يمكن أن ينتهي ولا يعفو الله عز وجل عنه حتى يسامح صاحب الحق من البشر.
لذلك أقول: أمر المؤمن كله له خير، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله لخير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"، وعندما نشعر بأن هناك حسابًا وأن الله عز وجل سائلنا عما ظلمنا به الناس سيكون الموقف مختلفًا.
 
الحرية هذه رب العزة سبحانه وتعالى أعطاها للبشر منذ ولادتهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".. لقد ذقنا طعم الحرمان من الحرية، وها نحن نقول الآن لكل المسئولين: "الحرية حق لكل مصري يتنفس فيه هواء الحرية الحقيقي في هذا البلد افتحوا النوافذ، أعيدوا الحرية لهذا الشعب.. اجعلوه صاحب القرار النهائي.. اجعلوا الأمة مصدر السلطات.. اجعلوا القانون فوق الجميع يطبق على الكل، هكذا يعود العدل، وتعود الحرية، وتعود لمصر مكانتها، ويعود لهذا الشعب مكانته؛ لأنه أحق بأن يعيش عيشةً كريمةً تختلف تمامًا عما يعيشه الآن.
 
هيَّا بنا جميعًا نتضافر لإنقاذ هذه البلد وإنقاذ أمنا مصر؛ لأنها الآن تحتاج منا إلى إسعاف نمد أيدينا جميعًا، ونفتح نوافذ الحرية والعدل كي تتنسَّم مصر نسيم الحرية، نسيم العدل، نسيم القانون، نسيم المواطنة لكل المواطنين، ذكرًا كان أو أنثى، مسلمًا كان أو مسيحيًّا.
 
أسأل الله عز وجل أن يلهمنا جميعًا الرشد والصواب والسداد، وأن يكون غدنا خيرًا من يومنا اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وأعنا على حمل هذه الأمانة يا رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.