10/07/2010

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
إخوتي وأحبابي وأخواتي في الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. نستكمل بعون الله وتوفيقه حديثنا من القلب إلى القلوب، عن المعراج، الشق الثاني في المعجزة النبوية الشريفة من رب العزة لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بإسراء ومعراج في ليلة واحدة.
 
الفصل بين الدرسَيْن يرجع لأهمية كل واحد منهما، باعتبار أن لكل واحد منهما عبرًا، تحتاج وحدها حلقة مستقلة، ولكن مع الأسف في كل ما يأتي هذا الوقت وهذا الزمان وهذه المناسبة؛ نجد الحديث عن الإسراء والمعراج معًا، ويا ليته حديث نافع، إلا أنه حديث مكرر معاد، يفتعل المشاكل حول؛ هل الإسراء كان بالروح أم بالجسد؟، و"نتوه" في هذه الشكليات التي قُطعت بالقول الرباني الفصل، والقول النبوي الشريف الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولكن هكذا من يريدوننا أن ننشغل بقضايا ليست هي قضايا الساعة ولا مهمة، ولكننا نبحث؛ هل ترى كان الإسراء بالروح أم بالجسد أم بهما معًا؟! والقرآن قاطع بأنه معجزة ربانية للرسول صلى الله عليه وسلم؟.. ولنا فيهما دروس وعبر ليتنا ننتبه إليها ولا ننشغل بغيرها.
 
المعراج يهمنا فيه بالدرجة الأولى فوق تكريم الله رسولَه صلى الله عليه وسلم، بعد أن آذاه الناس على الأرض، فأرسل الله له الجن؛ ليُعلمه أن قدره عند غير البشر كبير، وآمنت الجن، وانطلقت لتدعو إلى ربه بعد أن سمعت قرآنًا عجبًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد أن فقد النصير في الأرض، رفعه الله عزَّ وجلَّ ورفع قدره في الإسراء إمامًا بالأنبياء والمرسلين، وفي المعراج مكانته في الملأ الأعلى.
 
وظل يرتقي ويرتقي ولكنه في ارتقائه هذا يرى مشاهد، مشاهد- لا أقول صورًا ولكنها مشاهد- في المعراج مجسدة مجسمة لأناس ولبشر رجالاً ونساءً من أمم امتُحنت وابتُليت واختُبرت؛ بعضها نجح وبعضها رسب، ويظل الدرس.. هذه عقوبة من فعل كذا، وهذه عقوبة من يفعل كذا، ولا تزال هذه العقوبات تنتظر من يفعل نفس الفعل ونحن على الأرض.
 
ويعود لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكي لنا عن الجنان وما فيها، وعن النيران وما تلتهمه، وما تقدمه من مواقف لا تتحملها النفس البشرية، حتى إذا حُكيت لنا، فما بالكم إذا عانتها وقاستها؟!
 
لذلك يعود لنا الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الدروس وهذه العبر، ونحن لا نزال على الأرض، يحكيها لنا، وتتناقلها الأجيال عن الصادق المصدوق الذي رأى بعينيه: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾ (النجم).
 
هذه مواقف رأي العين مجسدة ببشر وبأناس مثلنا، يمرون بنفس المعصية ونفس الخطأ والذنب، وسيلاقون نفس الجزاء والعقاب، وأناس يتنعمون لأنهم كانوا في الدنيا يفعلون هذه الخيرات؛ لذلك يعود لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه المشاهد ليقول لمن ما زال على قيد الحياة على الأرض، كما كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون؛ يحفر لنفسه القبر ثم يقول يا فلان بن فلان قد قامت قيامتك "فيقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت"، فيرد على نفسه يا فلان بن فلان أمهلناك لينظر ربك عز وجل.. ماذا تفعل بعد أن مَدَّ في عمرك".
 
هل عدنا من المعراج بهذا الدرس؟ وهل رأينا هذه المشاهد المجسدة المجسمة لبشر مثلنا، يعانون ويعذبون بمثل ما نفعل؟ فهل امتنعنا؟ وهل توقفنا؟ ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)﴾ (الزمر)، سبحانه وتعالى جل شأنه.
 
الدرس الثاني والمهم أن الصلاة فُرضت هناك في هذا المكان الشريف الكريم الراقي، فكل الفرائض فُرضت على الأرض إلا الصلاة، ولذلك سماها الرسول "معراج المؤمن" لأنك إن أطلقت لها العنان من على الأرض وأنت ساجد وأنت واقف بين يدي الله راكعًا وساجدًا، ستكون عودتها إلى حيث نُشئت؛ إلى موطن وموضع المنشأ إلى حيث فرضت في الملأ الأعلى، فتصعد بك إلى حيث أصلها؛ هذا الأصل في المعراج.. سميت الصلاة "معراج المؤمن" لتصعد بك إلى حيث فُرضت.
 
وفيها مشهد يعلِّمك كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحبنا حبًّا جمًّا، في موطن يذهل الإنسان فيه عن أبيه وأمه وعن زوجته وأولاده؟! تأتيه هدية من رب العزة مباشرة خاصة له "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، عليك سلام ورحمة وبركات من الله عزَّ وجلَّ لك وحدك.. فماذا يرد الحبيب الذي وصفه الله عزَّ وجلَّ، أنه عزيز عليه ما عنتنا وأنه رءوف بنا رحيم، صلى الله عليه وسلم، وأنه حريص علينا يدلنا على أبواب الخير، ويجمع لنا الخير، لم يستأثر لنفسه بهذه التحية لا بالسلام ولا بالرحمة ولا بالبركات، فنشر جناحيه على أمته، وقال: يا رب آتي بأهلي وإخواني وأحبابي من عبادك الصالحين، لينالوا هذا الشرف وأتذكرهم في هذا المكان الذي يغفل فيه الإنسان عن كل من حوله فيقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
 
بالله عليكم؛ هل نحن بادلناه حبًّا بحب، وتذكرناه في كل المواطن كما تذكرنا في أعلى وأشرف المواطن ﴿عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)﴾.
 
أسأل الله عزَّ وجلَّ ألا يحرمنا صحبته صلى الله عليه وسلم، حول حوضه الكريم وفي الفردوس الأعلى، وأسأل الله العظيم أن يسقينا جميعًا وإخواننا وأخواتنا وآباءنا وأمهاتنا وبناتنا وأبناءنا وأزواجنا وكل المسلمين من يده الشريفة شربةً هنيئةً مريئةً لا نظمأ بعدها أبدًا، وأن يجعلنا نعتبر بدروس المعراج ونستفيد منها، لنقلع عن كل ما نحن فيه مما يغضب الله عزَّ وجلَّ، ونزداد قربًا إلى ربنا؛ فإنه من تقرَّب إلى الله شبرًا تقرَّب إليه ذراعًا.
 
أسأل اللهَ عزَّ وجلَّ أن ينفعني وإياكم بما نسمع ونقول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.