30/05/2010

 

نص كلمة فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد بديع المرشد العام فى المؤتمر الصحفي الذي عقده اليوم للحديث عن إنتهاكات الشورى

 الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،،

 أيها الإخوةُ الكرامُ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

من الثوابت الراسخة لدينا أن جماعة الإخوان المسلمين هيئةٌ إسلاميةٌ جامعةٌ، تحمل نور الإسلام الشامل لخير مصر والعالمَيْن العربي والإسلامي بل والعالم بأسره، ويعمل كل من ينتهج نهجها ويؤمن بفكرتها مع كل الصالحين والمصلحين في كل مكان لخير بلادهم ومواطنيهم وأمتهم بكل الوسائل الدستورية والقانونية.

 

لماذا يخوض الإخوان الانتخابات؟

لذا؛ عندما يقرر الإخوان المسلمون دخول أي انتخابات- تشريعية أو محلية أو نقابية أو طلابية- فإنهم يقومون بذلك عبادةً لله سبحانه وتعالى، وحبًّا لشعبهم ووطنهم، ورغبةً منهم في إعطاء صورة عملية لفهمهم للإسلام، وترسيخًا لمبدأ المشاركة لا المغالبة، وللتعاون الوثيق مع جميع القوى والأحزاب السياسية للعمل على ما يسهم في رفعة مصرنا الحبيبة.

 

كما نقوم بذلك ترسيخًا لحقنا الدستوري والقانوني الذي كفله لنا الدستور والقانون مهما حاول البعض الافتئات على هذا الحق ولي عنق الحقيقة للتحايل عليه؛ ومن أجل ذلك فإنَّ جماعة الإخوان المسلمين آلت على نفسها أن تعمل في مختلف المجالات من أجل نشر الخير في الأمة، ضمانًا لاستقرارها وتنميتها ونهضتها ورخائها وعزتها وكرامتها.

 

الإسلام هو الحل:

وهذا كله لن يتحقق إلا بقيم ومبادئ وأخلاق الإسلام المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى، ففيها الحل الحقيقي لمشاكل البشرية، وهذا ما دعت إليه كل الرسالات السماوية ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾ (الملك)؛ ولذلك فإننا نقول ونعلن وبكل اعتزاز إنَّ "الإسلام هو الحل".

 

وما كان هذا الشعار إلا ترجمة للنص الدستوري في المادة الثانية من الدستور، والذي وافق عليه الشعب المصري بكل طوائفه واتجاهاته؛ لذلك فإننا متمسكون بشعار "الإسلام هو الحل"، الذي أكد القضاء المصري الشامخ في أحكامه القاطعة دستوريته وقانونيته.

 

منهج الإخوان:

إن الإخوان المسلمين منذ نشأتهم يعتمدون نهجًا سلميًّا في التغيير يشهد به كل منصف، وهم يعملون بكل قوة ووضوح بمنهج شامل يعتمد على خطوات متدرجة وبُعد عن مواطن الخلاف وتجميع للأمة وإيثار للعمل على الكلام، وتقديم القدوة العملية من أنفسهم؛ كما قال الإمام الشهيد حسن البنا- يرحمه الله- "ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تُزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا؛ فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا، ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام".

 

كما نُربي أنفسنا وغيرنا على المشاركة الإيجابية في الأحداث والمواقف التي تمر بالبلاد، باذلين ومضحِّين في سبيل ذلك، متمسكين بطريق النضال الدستوري القانوني غير مستعيضين عنه طريقًا آخر، أسلوبنا لين في غير ضعف وقوة في غير عنف.

 

إن الإخوان المسلمين في طليعة المتمسكين بالدستور والقانون، وفي مقدمة من يدفع من حريته وماله ووقته ثمن هذا التمسك، ونحن مصرون عليه، ولن ننجرف بحال من الأحوال وراء من يسعى لجر الإخوان لصراعات جانبية أو معارك وهمية.

 

البرنامج الانتخابي:

ولقد تقدَّم مرشحونا ببرنامج نظن أنه شامل ومتوازن، ويقدِّم حلولاً عمليةً لكثير من المشاكل والقضايا التي يحياها المواطن المصري البسيط؛ وهو ما عبَّر عنه العديد من علماء مصر ومفكريها المنصفين، وهو ما نفخر ونعتز به.

 

كما نعلن بكل قوة ووضوح لا لبس فيه أننا نريد دولة وحكومة مدنية مرجعيتها الإسلام؛ فلا يوجد في الإسلام حكومة دينية رجالها معصومون؛ فلا يتقوَّل علينا متقول بعد ذلك بما لم نقل ويفتري علينا ما ليس من مبادئنا.

 

ومن هذا المنطلق ننادي كل أبناء وطننا- مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساءً- بأن يتحلوا بالذاتية والإيجابية يوم الانتخاب- في كل الدوائر- ويعلنوا رأيهم بكل صدق وحرية لاختيار ممثليهم الذين يروْن فيهم صلاحًا وإصلاحًا.

 

قانون الطوارئ والتجاوزات الأمنية:

إن الوضع السياسي الراهن يمر بمنعطفٍ خطيرٍ، بلغ ذروته بتمديد العمل بقانون الطوارئ، وما يحمله من إهدار للحقوق والحريات والملكيات الشخصية، بل وإهدار للقانون ذاته وزيادة في تغوُّل السلطة الأمنية على جميع مؤسسات الدولة.

 

ومن أسف.. لقد اقتصر تطبيق هذا القانون المعيب- في الغالب الأعم- على الخصوم السياسيين، وصار سيفًا يُشْهَر في وجوه السياسيين والشرفاء من أبناء هذا الوطن للنيل منهم وللحد من خدمتهم لوطنهم.

 

فعندما قرَّر الإخوان دخول انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى 2010م كان يحدوهم الأمل أن يفي النظام بجزء يسير من وعوده- لو أراد بصدق- فبيده كل السلطات ولديه كل الإمكانيات؛ ولكن وبكل أسف خيَّب ظن شعبنا فيه، وعاد سيرته الأولى بممارسة انتهاكاته السابقة للدستور والقانون وحقوق المرشحين والناخبين.

 

وتلا ذلك استخدامه للأمن في غير ما هو منوط به؛ فوجدنا رجالَ الأمن يتسابقون في نزع لافتات مرشحينا، وطمس ملصقاتهم، وملاحقة المرشحين وأنصارهم ومنعهم من الحركة لأداء الدعاية الانتخابية التي كفلها لهم القانون، ومنعهم من الالتقاء مع أبناء دوائرهم من الناخبين، بل ووصل الأمر لحصار منازل المرشحين ومنعهم من أداء الصلوات إلا بحراستهم حتى لا يقابلوا أبناء دوائرهم، وما تبع ذلك من حصار للمساجد الكبرى بالدوائر التي بها مرشحونا كل يوم جمعة؛ لمنع المسيرات الانتخابية لمرشحي الإخوان.

 

وهنا أتساءل.. هل الدور الحقيقي للأمن ورجاله ملاحقة مرشحي المعارضة للانتخابات النيابية ومنعهم من أداء حقهم الدستوري والقانوني؟ وهل دورهم تسهيل مهمة مرشحي الحزب الوطني الحاكم؟ وهل يتقاضون رواتبهم ومخصصاتهم المتحصلة من ضرائبنا لهذا الغرض؟

 

إن التجاوزات المستمرة في حق مرشحي الإخوان المسلمين ومؤيديهم في انتخابات مجلس الشورى، والتي وصلت ذروتها بمخالفة الدستور والقانون، وعدم تنفيذ أحكام القضاء، بل وتعدى الأمر كل الخطوط الحمراء ليصل لحد ضرب المواطنين بالرصاص المطاطي؛ هذا كله ما كان ليتم إلا تحت مظلة قانون الطوارئ البغيض.

 

ومع هذا فالإخوان المسلمون ماضون في طريقهم السلمي للإصلاح، ومستمرون في تواصلهم مع الجماهير، داعين النظام الحاكم إلى النزول على إرادة الناس لتحقيق الإصلاح المنشود؛ حتى نستطيع التصدي للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، الذي لا يريد لمصر نهوضًا ولا تنميةً ولا يريد للمنطقة أمنًا ولا أمانًا.

 

وبناءً على ما سبق من مقدمات في هذه المعركة الانتخابية؛ فإن ذلك يعد مؤشرًا واضحًا لما ينوي النظام الحاكم الإقدام عليه في يوم الانتخابات؛ وعليه فإنني أطالب منظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام بكشف انتهاكات النظام وفساده، وأن تكون هناك وقفةً جادةً أمام ما يجري، بدلاً من حالة اللا مبالاة التي يتعامل البعض بها مع ما يحدث من تجاوزات في هذه الانتخابات؛ وهو ما سيؤدي إلى ضياع الحقوق والحريات التي تُنتزع ولا تُوهب.. ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.

 

رسائل..

إنني أناشد كل مواطن مصري شريف في أي موقع كان ألا يشارك في ظلم أو قهر أو تزوير لإرادة أبناء وطنه؛ لأن الله سائلكم عن ذلك لا محالة، وحسابه عسير، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. فالحكومات زائلة، والشعب باقٍ، والله سبحانه وتعالى وحده هو الحي الذي لا يموت.. واعلموا أن شهادة الزور من أكبر الكبائر، وشهادة الزور تشمل النطق والفعل والحضور.. فلنعلن جميعًا براءةً من الزور والمزورين الخائنين للأمانة.

 

وأناشد كل وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي.. أمانتكم ثقيلة.. فأنتم سمع وبصر الأمة وعلى قدر صدقكم وأمانتكم في نقل الحقيقة يكون تصديق الناس لكم؛ فكونوا بحق سلطةً رابعةً، ولا تخضعوا لأي سلطان إلا سلطان ضميركم.. حافظوا على استقلال سلطتكم لتساهموا في رفعة شأن وطنكم وأمتكم.

 

ورسالتي للإخوان.. اعلموا أن الله مطلع عليكم ولن يتركم أعمالكم، فأعلوا راية الحق، واعملوا بجد لما فيه خير وطنكم وأهلكم، واثبتوا على الحق، واصبروا على الأذى والنصب، فنحن ماضون في طريقنا بفضل الله بكل الوسائل الدستورية والقانونية والشعبية، ولن يضيع حقٌّ وراءه مطالب.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون... والله أكبر ولله الحمد.