09/05/2010

 أ. د. محمد بديع

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ إخوتي وأخواتي وأحبابي في الله.. نستكمل حديثًا من القلب إلى القلوب، تُعبِّر عنه الألسنة، ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينفع به كل مَن قرأه وكل مَن سمعه في ديننا ودنيانا يا رب العالمين.. نستكمل بعون الله وتوفيقه ما قد بدأناه في الحلقة الماضية حول أن نحمل الخير والنفع للناس؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "خيرُ الناسِ أنفعهم للناس".

 

وأهم نفعٍ ننفع به غيرنا بعد أن تعرَّفنا على ربنا عزَّ وجلَّ، وذقنا حلاوة الاتصال به أن نأخذ بأيديهم إلى رب العزة، كما قال عزَّ مَن قائل في حديثه القدسي: "حببوني إلى خلقي".

 

يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء، وألزم الله قلبه أربع خصال: همًّا لا ينقطع عنه أبدًا، وشغلاً لا يتفرغ منه أبدًا، وفقرًا لا يبلغ غناه أبدًا، وأملاً لا يبلغ منتهاه أبدًا، ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة".

 

إذًا الطريق لمَن يريد أن يحصل على شيء من الدنيا أن يسأل مالكها؛ لكن مشكلتنا أننا نسأل مَن لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا؛ كي ينفعنا أو يدفع عنا الضر.

 

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم- كما علمه ربه في القرآن الكريم-: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾ (الأعراف).

 

نستكمل بعون الله عزَّ وجلَّ؛ كيف ندل الناسَ على أن يخرجوا من أزمات الدنيا إلى سعةِ الدنيا والآخرة.. وطبعًا من أهم أزمات الدنيا عند جميع الناس الأزمات الاقتصادية، والرسول صلى الله عليه وسلم يضع الحلول الاقتصادية الجذرية.. ليست للفرد بل للأمة.. بل للعالم.

 

في حديثٍ موجزٍ وقصةٍ قصيرة حدثت مع فقير مدقع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أُوتي جوامع الكلم، ولكننا لم ندرك جوامع الكلم إلا بعد ما رأينا من (سي دي) أو (كومبكت ديسك) بحجمه الصغير الذي يحتوي على مئات بل ملايين الكلمات.

 

عندما تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حل مشكلة اقتصادية، لا أقول لمشروعٍ متناهي الصغر، لا بل مشروع من تحت الصفر.. رجل فقير مدقع جاءه يشكو الفاقة.

 

قال الرسول: "أليس عندك شيء؟".

قال: لا.

قال: "ولا شيء في البيت بالمرة".

قال: حصير.

قال: "ائتني به", فآتاه به.

قال له: "اذهب فبعه"، فذهب وباعه.

فقال له: "بكم بعته؟".

قال: بـ3 دراهم.

قال: "كُلْ بدرهم، واشترِ قادومًا بدرهم، وادَّخر درهمًا".

تقسيم ثلاثة من حصيلة بيع أصول, على مستوى الفرد ثقافة بيع أي أصل من الأصول صعبة على النفس، ولكن إذا وصلنا لهذه الدرجة لا بد أن نصل لهذا الحل.

 

وعلى مستوى الدولة- للأسف- ما رأيناه من بيع الأصول كانت به مخالفة شرعية حقيقية وخطيرة، نعم؛ قد تحتاج لبيع الأصول ولكن ماذا تفعل في هذه الأصول؟! من السفه أن تُنفق كل ما حصلت عليه من بيع الأصول لتصير معدمًا، بل أكثر من معدم قبل بيع الأصول.

 

يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنفق درهمًا" أي لا تتعدى نفقاتك الثلث من دخلك, ثم "ادخر درهمًا" تدريب أصلي واقتصادي ومؤثر.. من أول لحظة يكون الادخار، ثم اشترِ أداة إنتاج بثلث ما وصلك من دخل بيع الأصول.

 

وقد فعل الرجل هذا، ثم عاد بعد ذلك وقد حُلَّت مشاكله وعاد بحالةٍ اقتصادية ونفسية سَعِدَ بها, وكان من أهم سعادته بها أنه طائعٌ للرسول صلى الله عليه وسلم ولما وضعه من خطة.

 

أضرب مثالين لارتباط القيم بالأفكار الاقتصادية.. الأفكار الاقتصادية المبتوتة عن القيم مهلكة، كما كان النظام الربوي الذي محق الله بركته ليس على مستوى الفرد، انظر حولك فستجد كل مَن تعامل بالربا قد مُحيت بركة أصول أمواله، بل أخد الحرامُ الحلالَ معه وذهبا.

 

وهذا العالم قد عانى من مصائب التعاملات الربوية التي كانوا يقنعوننا أنه لا مناصَ من التعامل بها ولا مهرب إلا للتعامل مع النظام الربوي الذي خنق العالم، وحاصر البنوك، وحاصر الأفراد من خلال هذه البنوك.

 

وكانت النتيجة الشقاء والضنك اللذين عاشوا فيهما، وعادوا يلتمسون الحل في النظام الإسلامي، وينزلون بالفائدة، ولا أقول بالفائدة بل الربا؛ حتى وصل بها الأمر إلى الصفر.

 

النموذجان اللذان تحدثت عنهما من قبل، نموذج أحد رجال الأعمال يحكي قصة نجاحه وبركة المال الذي أكرمه الله به، وأنه كان السبب فيه هو تطبيق حديث قدسي كان يرويه الرسول عن رب العزة: "إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجتُ من بينهما".

 

الرجل أخذ الحديث وكان معه أخوه شريكًا، فتوفي أخوه، فجعل أولادَ أخيه شركاءَ له طبق الأصل كما لو كان أخوه حيًّا, ثم جعل ثلث هذا الدخل لله عز وجل، فكان ثلث الدخل له وثلث لأولاد أخيه وثلث لله.. فكانت البركة.. والناس كلها تستغرب من أين جاءت البركة؟ من اجتهاد وأخذ بالأسباب في ظل هذه القيم "قيمة أن الله ثالث الشريكين".

 

قصة أخرى لرجل من رجال الأعمال توفاه الله.. يحكي أن بداية مشروع نجاحه وهو طالب في كليه الهندسة, أن أعطته خالته 125 قرشًا ليشترك بها في هيئة النقل "أبونيه أتوبيس"، فقال لنفسه: لماذا أدفع 125 قرشًا في الاشتراك، أذهب إلى بلدي، وأُركِّب دراجةً مستعملةً من قطعٍ أضمها لبعضها حتى تكتمل الدراجة، واكتملت بـ60 قرشًا تقريبًا، وادخر 65 قرشًا استعملهم في أشياء انتفع بها فيما بعد, وظلت الدراجة معه من أول سنةٍ له بكلية الهندسة إلى لحظة تخرجه, وفرَّت له هذا الدخل الضخم الذي كان سينفق في المواصلات, ثم أكسبته لياقةً بدنيةً سعد بها في حياته، ثم كانت مثار رغبة من البواب "بواب الكلية" عندما يراه يركب هذه الدراجة فكان يقول له: "عندما تتخرج أعطها لي", والرجل يقول إنه عند تخرجي جاءني البواب يسألني الوعد الذي وعدته إياه, فأعطيته الدراجة، ويقسم أنه لم يكن في جيبه مليمًا يعود به إلى بيته، فعاد ماشيًا، ليوفي بعهده مع هذا الرجل الذي وعده أن يعطيه الدراجة عند نجاحه.

 

انظروا لمعدل النجاح الذي كان مبهرًا, هو نفسه كان يشعر بأن بداية النجاح هي هذه البركة وهذه الفكرة البسيطة التي أكرمه الله عزَّ وجلَّ بها.

 

لذا أقول.. نحن أولى الناس ببنوك الأفكار.. لن نبيعها, سنضع على الموقع بإذن الله سبحانه وتعالى بنكًا للأفكار للمشروعات متناهية الصغر نُقدمها ابتغاء مرضاة الله؛ ليحملها كل صاحب خير إلى غيره؛ لأن هذه من منافع الناس.. فكلما تعدَّى خيرُك لغيرك زاد أجرك.

 

سنقدم مجموعةً من الأفكار بعضها تم عمل دراسة جدوى لها وطبَّقها بعض الإخوة وحققت نجاحًا عاليًا، وبعضها ما زالت قيد التجربة, سنقدم لبنك الأفكار والمشروعات متناهية الصغر حتى يستطيع كل إنسان أن يستخدمها في تحسين دخله أو في كسب دخلٍ حلالٍ من مشروع أو فكرة، هو أولاً يجب أن يأخذ بها بالأسباب، ثم يتوكل على ربِّ الأسباب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا، وتروح بطانًا".

 

والبعض يفهم الحديث فهمًا خاطئًا، وكأنه أمر سهل أن يذهب فقط ويعود, بل عليك أن تذهب مبكرًا، وتستفيد من البكور لتصلي وتسبح مع كل الكون, فمَن نام عن صلاة الفجر يستعجب له الناس كيف يُرزق, فهذه بداية تقسيم الأرزاق.. فاحضروا تقسيم الأرزاق في الصباح حتى يُكرمكم الله، وتوكلوا عليه بعد الأخذ بالأسباب؛ لأن الله قد فصل الأخذ بالأسباب عن الرزق، فقال تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)﴾ (الملك).

 

وإلى اللقاء على الموقع بإذن الله سبحانه وتعالى في مجموعةٍ من الأفكار التي سنقدمها لكل مَن يحتاج إلى مشروعات لتكون أفكارًا اقتصادية لمشروعات صغيرة أو متناهية الصغر، سائلين الله أن يرزق بها كل الناس رزقًا حلالاً حسنًا ينتفعون به في دينهم ودنياهم.

 

ــــــــــــــــــ

المرشد العام للإخوان المسلمين