15/04/2010

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ومن تبع هداه إلى يوم الدين .. وبعد ؛

فيقول الله تعالى فى الحديث القدسى : "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".
بعد مضى أكثر من ثلاث سنوات حبس فى القضية العسكرية الأخيرة (2 لسنة 2007 جنايات عسكرية عليا) ألم يئن الأوان لرفع الظلم البيّن الواضح الذى لحق بالمهندس خيرت الشاطر وإخوانه الكرام حسن مالك وأحمد شوشة وأحمد أشرف وصادق الشرقاوى الذين لا يزالون رهن السجن ويعانون من أمراض خطيرة تهدد حياتهم جميعا ويعانون قسوة الظلم والسجن والمرض .

لقد صاحبت تلك القضية بالذات عدة ظواهر مقلقة ومزعجة ضاعفت شعور الإخوان جميعا بالظلم وخاصة الذين تمت محاكمتهم وأسرهم والعاملين معهم والقريبين منهم، بما يؤكد ضرورة المسارعة برفع الظلم ورد الحقوق :

أولا :  الإصرار على استمرار المحاكم العسكرية والاستثنائية للمواطنين العاديين مما يمثل خرقا للدستور والقانون، فهذه هى المحاكمة السابعة لعدد كبير من قيادات الإخوان المسلمين لم يمارسوا أى أعمال عنف أو تهديد بالعنف ولم يرتكبوا أية جريمة فى حق مصر وأمنها .. وبذلك يكون مجموع من تمت محاكمتهم عسكريا (178) أخا صدر ضد (118) أحكام من محاكم استثنائية وغير مختصة ، وبكل المعايير الدستورية والدولية، فهذه أحكام باطلة ساقطة مهدرة من محاكم سياسية على اتهامات سياسية .
ونحن إذ ندعو إلى وقف تلك الممارسة المشينة لمصر وإلغاء جميع أحكام المحاكم العسكرية فى حق المدنيين، فإننا نؤكد على ضرورة إلغاء المادة 179 من التعديلات الدستورية الأخيرة التى تقنن دستوريا إنشاء محاكم استثنائية خارج الإطار القانونى الطبيعى مما يهدد دولة القانون .

ثانيا :  إهدار أحكام القضاء الطبيعى أكثر من مرة، فقد صدرت 3 أحكام ملزمة بإخلاء سبيل هؤلاء الإخوان الكرام، ومع ذلك أصرت أجهزة الأمن على احتجازهم باعتقالات إدارية ثم إحالتهم لمحاكم عسكرية غير مختصة بمحاكمة المدنيين .. وقد استمرت تلك الممارسات فى قضايا أخرى مما يهدر أحكام القضاء ويفقد المواطنين الثقة فى القضاء العادل ويهدد استقلال القضاء .

ثالثا : القسوة البالغة فى الأحكام والتى وصلت للمرة الأولى إلى أحكام بالسجن لعشر سنوات على متهمين غائبين بهدف منعهم من دخول البلاد ثم أحكام بسبع سنوات على المهندس خيرت الشاطر والأستاذ حسن مالك، والإصرار على تأكيد تلك الأحكام مع مرحلة النقض العسكرى والتى كان الجميع ينتظر منها أن تعيد الأمور إلى نصابها المعقول بما يخفف الظلم الفادح الواقع على هؤلاء الإخوان، وبما يوضح أن مرحلة النقض ليست بأفضل من المرحلة الأولى، وأنه لا يتم إطلاقا تطبيع القضاء العسكرى وتحويله إلى قضاء طبيعى، بل ظل محتفظا بطابعه الاستثنائى الخاص الذى يجب أن يظل فى إطار محاكمة العسكريين فقط ويجب ألا يتدخل فى محاكمة المواطنين الطبيعيين أبدا بحال من الأحوال.

رابعا : العقاب الجماعى والاقتصادى لكل العاملين فى الشركات الخاصة برجال الأعمال الذين زخرت بهم هذه القضية بالذات والتى أدت إلى خسائر فادحة لتلك الشركات .. وهؤلاء جميعا – حتى الذين حصلوا على البراءة – مازالوا يعانون من غلق شركاتهم وتجميد أموالهم وأرصدتهم فى البنوك، وتعليق أعمالهم السابقة ومطاردتهم فى أرزاقهم .. رغم صدور عدة تقارير رسمية بتبرئة شركات هؤلاء الأخوة ومؤسساتهم من تهم غسيل الأموال الظالمة، وكانت سببا فى تشويه متعمد لكفاح هؤلاء الأخوة وعصاميتهم، هذا ظلم لمئات الأسر التى تسعى بجد، وتكد بدأب فى سبيل الرزق الحلال وتعمل من أجل تنمية مجتمعهم ورفعة شأنه .

ونحن نناشد أصحاب الفكر جميعا التصدى لتلك الظاهرة الخطيرة التى تهدد التنمية والاستثمار فى مصر وتطرد المستثمرين خارج البلاد، حيث تُدمر مؤسسات اقتصادية رائدة لخصومة سياسية ظالمة، كما نطالب بإعادة الأموال المغتصبة وفتح الشركات المغلقة إلى أصحابها .

خامسا : العقاب على النجاح : كانت هذه القضية بالذات عقابا للإخوان المسلمين على نجاحهم الكبير فى انتخابات مجلس الشعب 2005م أى قبل سنة واحدة من تفجير تلك القضية الظالمة، عقابا لكل من ساهم فى نجاح المرشحين أو من تظن به أجهزة الأمن أنه ساهم فى دعم مرشحى الإخوان بأى طريقة . والله تعالى يقول (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ)(الرحمن:60) بينما يقول النظام فى بلدنا إن جزاء النجاح هو العقاب للأبرياء ( أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)(النمل: 56)
وفى هذا لو يعلمون إنهاء للحياة السياسية تماما ورسالة لكل الفاعلين السياسيين مفادها أنه لا أمل فى إصلاح دستورى وسياسى، مما يفقد الشعب والقوى السياسية الثقة فى كل شعارات الإصلاح .

سادسا : خلق عداوة بين الأزهر وبين الإخوان : حاولت أجهزة الأمن بكل دأب على زرع عداوة بين الأزهر الشريف كمؤسسة تعليمية دينية وقياداتها وبين الإخوان المسلمين كهيئة شعبية إسلامية وشباب الأزهر من أساتذته من المقتنعين بفكر الإخوان المسلمين الوسطى المعتدل الذى شهدت له الدراسات الموثقة فى جامعة الأزهر الشريف والتقارير الرسمية الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية .. ولا يمكن للإخوان أن يستدرجوا إلى عداوة مصطنعة مع أى هيئة إسلامية أو جماعة إسلامية وإن اختلفت معها فى بعض الفروع الفقهية أو الآراء السياسية، فنحن يجمعنا مع كل من يعمل من أجل رفعة الإسلام وإعلاء شأنه حب وإخاء وتعاون وولاء .

سابعا : الدور المشبوه الذى لعبه بعض المنتسبين للإعلام فى هذه القضية، والذى ساهم فى خلق صورة ذهنية سلبية ومشوهة للشباب البرئ الذى بدأت القضية باستعراضه الرياضى لفنون الدفاع عن النفس كالكاراتيه والكونغ فو، والذى تسببت الأقنعة السوداء فى التلبيس على الرأى العام، بينما كان الظن بالإعلام الحر أن يجلى وجه الحقيقة بحوارات مع الشباب وإظهار نيتهم الصادقة واهتمامهم بقضايا وطنهم المصرى العربى والإسلامى وباستثناء عدد محدود من الإعلاميين، فقد سارع أغلبيتهم فى استثمار مناخ الإثارة والتهييج تليفزيونيا وصحفيا مما أدى إلى مشاركتهم الفعلية فى الظلم الواقع على الشباب الذين برأتهم فى النهاية أجهزة التحقيق فلم يتم تقديمهم إلى المحاكمة وبقى الظلم الفادح البين الذى وقع على قيادات الإخوان القابعين الآن خلف الأسوار من أساتذة جامعات ورجال أعمال شرفاء وقادة شعبيين.

والسؤال الآن وبعد مضى تلك السنوات ألا يشعر هؤلاء الذين ساهموا فى ذلك الظلم بفداحة ما أقدموا عليه وضرورة مراجعة النفس والاعتذار الفعلى لهؤلاء جميعا ولأسرهم التى مازالت تعانى من آثار الظلم .. وستبقى علاقتنا برجال الإعلام جميعهم ووسائل الإعلام كافة تقوم على الصدق والمصارحة والإنصاف .

أما الذين تولوا كبر هذا الظلم فنقول لهم بادروا برفع الظلم ورد الاعتبار للمظلومين عسى أن يخفف ذلك عنكم بين يدى الحكم العدل الذى يحاسب الناس بمثقال الذر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)(الزلزلة:7-8)، فأحب إلينا أن يقبل الله توبتكم من أن ينزل بكم عقوبته فنحن صابرون بحول الله وقوته ماضون إلى ما يحقق رفعة ديننا وأوطاننا لا نسألكم إلا المودة فى القربى .

أما أنتم أيها الأخوة المبتلون :

فهنيئا لكم صبركم الجميل والله المستعان على هداية كل من ساهم فى ظلمكم برد بعض حقكم إليكم، ولن يوفى جزاءكم إلا الله الغفور الشكور .

وأنتم أيها الإخوان المسلمون :

لقد علمتم أن طريقكم هو طريق الابتلاء والتضحية فى سبيل الله تعالى، لا تبغون إلا وجهه الكريم ولا تقصدون إلا رضاه .
ويا شعب مصر العظيم :
لا نمن على أحد بتضحياتنا ولا نطالب الجزاء إلا من ربنا، ولكننا نقول لكم إن المطالبة بالإصلاح والتغيير تقتضى دفع ثمن ذلك من التعب والجهد والعناء، والوقوف مع الحق وفى وجه كل صور الظلم والفساد والاستبداد، فهيا إلى العمل والبذل والتضحية، فلا يضيع حق وراءه مطالب .

والله أكبر ولله الحمد
 
القاهرة فى : 1 من جمادى الأولى 1431هـ الموافق 15 إبريل 2010م