25/03/2010

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:

الشعوب رأس مال الأمة :

إن الشعوب هي أساس بنيان الأمم، وأصل دعوتها، والشعوب هي الجنود الأوفياء في قطار النهضة والتنمية، وما نشهده اليوم  من تحرُّكات الشعوب، وانتفاضة المجتمعات، لهو خير شاهد على أنَّ الشعوب ستظل هي الرصيد الحقيقي، والمخزون الفعلي، لكل تقدم ونماء، رغم ما تعانيه من المحاولات المستميتة لطمس هويتها، وتغييبها عن أداء دورها، وحجْبُ إرادتِها، في وقت سيطرت فيه القوى الخارجية على مقدراتِها، وانفصل الحكامُ عن تأييدها، ففقدوا عزَّتَهم، في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني، لأن الشعوب هي التي تمد حكوماتها بالكرامة والإباء .

ورغم تزوير الأنظمة لإرادة الشعوب، وكبت حرياتِها، وحظر قواها الشعبية، فإن الشرعية الشعبية في اختيار الأحرار، وإعلاء شأن الشرفاء، باتت اليوم هي الواقع الأقوى، في بلدان أمتنا، باختيارها للإسلام منهاجاً للحياة، كما حدث في الانتخابات النيابية بمصر وتركيا، وغيرها من البلدان الإسلامية، وممَّا تبتهج له النفس، ما اختاره الشعب الفلسطيني بكامل إرادته ورغبته، لحركة المقاومة الإسلاميَّة حماس، لتمسكها بنهج الإسلام، وتطبيقه في المجتمع .

ورغم التشويه المستمر لدعوةٍ الحق على أنها تأخر، وأن التمسُّك بهويّة الإسلام رجعيةً، وأن كلّ دعمٍ لمقاومة المحتل ما هو إلا إرهاب وعنف، شهدنا الغضبات الشعبيَّة العارمة تجاه نصرة الأقصى من مظاهرات واستنكارات ومقاطعات عامة، أخافت المعتدين، وأشعرتهم بقوة الأمة، وأيضاً ما شهدناه من تدافع شعوبنا للتبرع وبذل المال والنفيس، إغاثةً لإخوانهم المسلمين، ونصرةً للمستضعفين والمظلومين فى كل مكان، ووقوفاً معهم صفّاً واحداً، وهذا ما يؤكِّد أنَّ شعوبنا بدأت تدرك وبجديَّة، أنَّ قيم ومبادئ وأخلاق الإسلام هى البديل الصحيح لشتَّى البدائل الأخرى التى عانت البشرية الويلات من ورائها، وصارت الأمة على قدر كبير من الوعى للأحداث، ومتابعة كثير من أبنائها لهموم أمَّتهم، والوقوف معهم، بعد أن كانت مغيبة عن دينها، ومضيعة لشرائعه، فممَّا يبهج النفس أنَّه قد صار للشعوب اليوم موقفاً يحسب له ألف حساب، قبل  أي محاولة لقلب الحق باطلاً، أو نشر للفساد، وبذلك تكون شعوبنا قد وضعت قدمها، على أول خطوة من استرداد الثقة بالنفس والمنهج .

وتأمل ما تقوم أمريكا بإنفاقه على حربي العراق وأفغانستان، ومع ذلك سيبقي الأمل بعد الله في الشعبين، اللذين إلى اللحظة هما باقيان، بمقاومتهما وثباتهما : فقد أفادت أرقام طرحتها وزارة ُالدفاع الأمريكية مؤخراً أن الموازنة الأمريكية المخصصة للحرب في أفغانستان ستتخطى للمرة الأولى في العام 2010 م تكلفة َالحرب في العراق، ( والتي قدرت بعد 5 أعوام من حرب العراق بـ 600 مليار دولار رسمياً، في حين قدرها الاقتصاديون بـ 4 تريليون دولار ).

وقال مديرُ الموارد في رئاسة الأركان الأمريكية : إن الأموال المطلوبة التي تناهزُ خمسة وستين مليارًا لأفغانستان، تفوق الواحد والستين مليارًا المطلوبة للعراق، مشيراً إلى أن هذه سابقة .

من جهةٍ ثانية أقر مجلس النواب الأمريكي مشروعَ ميزانيةٍ إضافيةٍ للعام الجاري بقيمة ستةٍ وتسعين ملياراً وسبع مئة مليون دولار، لتغطية مصاريف حربي العراق وأفغانستان .

الدور المنتظر من الشعوب :

ومن أجل ذلك فإن الإخوان المسلمين يحبون أن يضعوا الجميعَ أمامَ مسئوليتِهم من الأمانة، التي سيُسألون عنها بين يدَي ربهم، لقوله تعالى : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ ( الأحزاب : 72 )، وهذه المسئوليةُ تقعُ على الجميعِ بغير استثناء ؛ كل حسب موقعه، وتبعًا لقدراته وإمكاناته .

فجدِّدوا يا شعوب العالم الإسلامي استشعارَ الولاءِ لله، وارفَعوا رايةَ الإسلامِ، وأقيموا دولةَ الإسلام في نفوسكم تقُم على أرضكم، واعلَموا أن الإسلام إن لم يكن بكم فسيكون بغيركم، ولكنكم لو لم تكونوا به فلن تكونوا بغيره : ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ (محمد : 38).

ومن هذا المنطلق فإني أرى عدة واجبات، على شعوبنا الإسلاميَّة، وهي تؤدي الدور المنتظر منها:

1. استمرار الجهد الفكري والدعوي، وربط كل هبة شعبية بالإيمان، والحذر من مخالفة أمر الله، لجني ثمار المواقف الشعبية الإيجابيَّة بذلاً وعطاءً، وهذه أول بادرة لفهم قضايا أمتنا.

2. استمرار التأكيد على أنَّ أساس الانطلاق الذي يحركنا كشعوب ومجتمعات هو ديننا وشريعتنا، وبذلك تكون العاطفة نبيلة وكريمة، ومنضبطة بضوابط الشرع، فلا تحركنا قومية أو إقليميَّة،، يقول تعالى : "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" ( الحجرات : من الآية10) .

3. استمرار الشعوب في امتلاك الوعي بقضاياها، فلا يندفعون تجاه أعمال ليس من ورائها أي منافع لها، أو بعيدة عن المصلحة في حياتها وأخراها، ومن ذلك إشهار سلاح المقاطعة الشعبية لكل منتجات أعداء الأمة العربية والإسلامية.

4. أن يكون لكل فرد من شعوبنا قضيَّة وهمٌّ خاصٌّ يشغله، فالأمة في حاجة لكل سواعد أبنائها، وعقولها المفكرة، ليصب ذلك في مصالح الأمَّة الإسلاميَّة ومنافعها .

 5. الاعتزاز بالإسلام، و طرد روح الانهزاميَّة، وإصلاح النفس والمجتمع، فإن ذلك هو السبب الكفيل لنهضتنا، واسترجاع عزِّنا، والوعي بمخططات المتآمرين، ورد مكر الكائدين إلى نحورهم، يقول تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ( الرعد : 11 ) .

فإلى المسارعة في نصرة الأمة :

• فإلى المبادرة العاقلة، والمسارعة المنضبطة، والإيجابية الذاتية، يقول تعالى : " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ " ( التوبة : 105 )، وقوله صلى الله عليه وسلم "قد عرفت فالزم" وعندها سيرى المسلمون، نتيجة جهدهم، وثمرة سعيهم، وقد آن لشعب مصر أن يعبر عن مبادرته، لإعادة الدور الريادي لمصرنا، على مستوى العالم العربي والإسلامي .

• وإلى العمل المتواصل في سبيل مرضاة الله، بهمة عالية خفاقة، نحو الانتصار لقضايا الأمة، ونصرة المسلمين، يقول صلى الله عليه وسلم : " ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلاَّ خذله الله في موطن يحبُّ فيه نصرته " أخرجه أبو داود في السنن .

• وإلى المزيد من التحركات الضاغطة، فإن إرادة الشعوب أقوى من كل المؤامرات، و المهاترات، و المساومات، فالشعوب الحرة الأبية الصادقة، هي رمز الأمة، لأنها هي التي ترسم لها طريق العزة والحياة الكريمة، وبهذا بددت إرادة الشعوب ما استنتجه معلق أمريكي حينما صرح : ( بأنه لـ " ترويض" الشارع العربي، ينبغى إثارة الرعب في أوصاله بدل تهدئته )، مستدلاً بما حصل بعد شهرين من القصف على أفغانستان من صمت عربي )، ولذلك فإننا لا نعتمد بعد الله تعالى إلا على إيمانِ الشعوب بعقيدتِها ووعيِها بثقافتِها، وإصرارِها على نَيلِ حقوقِها وانتزاعِ حرياتِها، ونحنُ نثقُ في قدرةِ هذه الشعوبِ على التمييزِ بين الشرفاء الصادقين في الدفاع عن حقوقِها، وبين المخادعين الذين يُزيِّنون لها القولَ ويحتالون على تزييف إرادتِها .

• وإلى المسارعة في تقديم كل عون لإنقاذ الأقصى، فالأمل اليوم معقودٌ على الشعوب في وقف العدوان الصهيوني الغاشم على مقدسات الأمة، بعد الموقف المتخاذل والمتواطئ للأنظمة تجاه المجزرة الصهيونية في القطاع، ومحاولات هدم المسجد الأقصى، وإن الشعب الفلسطيني الآن لا يدافع عن مقدساته وعرضه ووطنه فحسب، إنما يدافع عن كرامة الأمة وشرفها، وتمثِّل مقاومته حائط الصد وخط الدفاع الأول ضد المخطط الصهيوني الجائر.

• وتحية لشعوب العالم أجمع، فرغم مصادرة آمالها، خرجت تطالب بطرد السفراء الصهاينة، وإغلاق سفاراتهم الموجودة في بعض بلدانها، وإغلاق مكاتب التمثيل التجاري، وتفعيل المقاطعة لمنتجات الدول الممولة للمذابح اليومية، وعندما جاءتها فرصة الانتخابات الحرة طردت هذه الشعوب الحرة كل مسئوليها الذين شاركوا فى جريمة حرب العراق وكذبوا على شعوبهم بتقارير مضللة متعمدة أدت إلى دمار دولة عربية بكل مقوماتها الإنسانية والاقتصادية، وتطالب هذه الشعوب الحية الآن بإيقاف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، وإلغاء معاهدات السلام المزعوم، وإرسال قوافل الإغاثة بحراً وبراً، وبدلاً من الاستجابة للمطالب الشعبية، رأينا من يتآمر مع العدو على إجهاض المقاومة واغتيال المقاومين !، ولذلك فإننا نكرر أن الأمل بعد الله هو المعقودٌ على الشعوب، للضغط على أنظمتها لعلها توقف حصار أهلنا في غزة، أو لعلها تقوم بدورها حيال المجازر الوحشية في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين.

لهذا لسنا يائسين أبداً :

يقول الإمام البنا : ( وآيات الله تبارك وتعالى، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنته تعالى في تربية الأمم وإنهاض الشعوب، بعد أن تشرف على الفناء، وما قصّه علينا من ذلك في كتابه، كل ذلك ينادينا بالأمل الواسع، ويرشدنا إلى طريق النهوض الصحيح )، فلابد للشعوب أن تنعم بالحياة الكريمة الحرة، وتنتصر إرادتها بصلاحها، وحسن توجهها إلى الله، يقول تعالى :{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}( الأنبياء : 105- 106 )، ويقول تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ }(غافر : 51 ).

وإن الإخوان المسلمين يوقنون أن سننَ الله غلاَّبة، ونواميسَه ثابتةٌ ؛ فلا يُقعِدنَّكم عن السير الإعتقالات ؛ أو العقبات فيه، فإن الله معكم ولن يتركم أعمالكم، و﴿ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ (الروم : 5- 7 ) .

 فكل التضحيات تصغر، حينما ندافع عن الحق، ولذلك يقول الإمام البنا بعد اعتقاله : ( لقد كانت فترة الاعتقال بمثابة اعتكاف إجباري أو محطة في طريق السفر الطويل، راجعت فيها كتاب الله تعالي حفظاً ودراسة وتدبرًا، وعرفت واختلطت بأناس آخرين، ووجدت فرصة أخلو فيها إلي نفسي أستعرض أحداث الماضي وأفكر في الحاضر بهدوء وروية، وأعتقد أننا لن نخسر شيئا في أمر قد قدره الله لنا .. فإن ما يحدث لنا من عذاب أو اضطهاد، أمر قد تعاهدنا عليه، فلا غرابة فيه ولن يؤثر فيما عقدنا العزم عليه، ولكنه – فقط – يعطينا المؤشرات، ويحذرنا من المطبات، ويفتح أعيننا علي ما هو آت .. فإن ما يحدث لنا لن يوقف حركة الدعوة، ولن يرهب أبناءها الذين اعتقدوا أن أقل ما يطلب في سبيلها هو الدم والمال .. ( والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) يوسف : 21.

والله أكبر ولله الحمد
القاهرة فى :  9 من ربيع الآخر 1431هـ الموافق 25 من مارس 2010م