10/12/2009

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، النبي الخاتم الأمين، وعلى آله وصحبه، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ... وبعد،
فما ضاعت أمة عبر التاريخ واندحرت، وما تناثرت حضارة واندثرت، إلا بشعوب مستضعفة، مسلوبة حريتها، معتدى على كرامتها، مزيفة إرادتها .. واليوم يسعى الاستبداد بكل وسائله، والاستعمار بكافة أجهزته وأدواته، والفراعين بكل ما يملكون من بطش وقمع لإقصاء الأمة عن مشروعها الإسلامى، وذلك عن طريق احتلال الوعي الشعبي، وتحويله من وعي حقيقي بحقه في حياة حرة كريمة، يشارك فى صنعها، إلى وعي زائف مغيب ومخدر يبعده عن حقيقة المأساة التى يعيشها.

وإن لم يكن هذا حال أمتنا، فبأي تفسير نقرأ :

 حالة الاحتدام بين شعبين – المصري والجزائري- ربطتهما أواصر دين وقومية ولغة وجهاد وتضحية وفداء ثم تفرق بينهما مباراة !
 حالة الانقسام في الصف الفلسطيني الذي يواجه عدوا واحداً جاثما على صدر أرضه وعرضه ومقدساته وأنفاس حياته !
 حالة العمى التي تسيطر على العيون فلا تبصر الأوضاع المأساوية والكارثية لأهل غزة المحاصرين بحرا، وجوا، وبرا !
 حالة التناحر التى أوصلت الأخ إلى أن يفتك بأخيه في العراق وباكستان والصومال واليمن!
 حالة الصمت المطبق والعجز التام من شعوب أمتنا في مواجهة الاستبداد الذي يكبل إرادتها ويستهدف حاضرها ومستقبلها ؟

وليست القضية التى نتناولها اليوم هي رصد حالة التردي في وعي الأمة العربية والإسلامية، قدر ما هي محاولة للوقوف على حالة التأثير السيئ في الوعي الذي بات خطراً يتهدد الإنسانية بكاملها، لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي أو عربي وغربي .

وبالتالي فلا يمكن فصل تنامى الوعي السلبي بين جموع أمتنا تجاه الحق العربي والإسلامي عن تنامى الوعي المعادى في المجتمعات الغربية  تجاه الإسلام وأهله وهو ما يدفع الجماهير في الغرب إلى رفض الحجاب الإسلامي للمرأة المسلمة التى تعيش في مجتمعهم، كشكل معبر عن ثقافة مخالفة لثقافتهم، أو الوقوف ضد المآذن أو التظاهر ضد الإسلام باعتباره دين يمثله بن لادن فقط !

مسئولية الإعلام

مما لاشك فيه أن صناعة الوعي يرتبط إلى حد كبير بالمسؤلية الإعلامية في عصر صار فيه الإعلام هو المسيطر على صناعة العقول وتوجيهها، وإلا فكيف كانت ستتحول مجرد مباراة كرة إلى معركة بين دولتين عربيتين إسلاميتين؟

وبأي منطق يمكن تفسير تحول الانتماء إلى الإسلام لمجرد شعائر خالية من معاني الوحدة بين أعضاء جسد الأمة الواحد التي راحت تفتك ببعضها في العراق وباكستان والصومال، وتترصد في اليمن، ولا تتناصر فى الوقت ذاته مع الفلسطينيين؟ 

ولماذا تتحرك المظاهرات في الغرب لتناصر حيواناً يتعرض للانقراض ولا تتحرك لتناصر الإنسان الفلسطيني المقتول تحت وطأة قمع وقهر صهيوني؟ وما الذي دفع مجتمعاً يناصر الحرية والتحرر (!!) إلى قتل مروة الشربيني لمجرد أنها مسلمة محجبة ؟ .

إن سهم الاتهام واحد في كل إجابة على علامات الاستفهام السابقة ويشير إلى الإعلام الذي يصنع العقول ويرسم الوعي ويرتضي أحياناً أن يتحول من حصن للعقول إلى خنجر يضرب في الظهور .

إن مسئولية الإعلام في أوطاننا مضاعفة بحكم طبيعة المرحلة التي تمر بها أمتنا من استهداف داخلي بالاستبداد وخارجي بالاستعمار ولذا فإن المطلوب من الإعلام :

أولاً :  تقوية وإيقاظ الإيمان الضعيف والمخدر في نفوس الناس إلى عظيم الدين الذي يجمع أمتهم ولا يفرقها .
ثانياً :  توجيه همم الناس صوب العدو الحقيقي المتربص بالأمة كلها وخيراتها وأخلاقياتها وثقافتها ، بل ووجودها .
ثالثاً :  إحياء روح الإيجابية والمقاومة مع الوضع فى الاعتبار أن هناك فرقًا بين مقاومة المحتل المسلحة ومقاومة المستبد السلمية .
رابعاً : رد الشبهات المثارة ضد الأمة الإسلامية وتجلية صورتها بعيداً عن نمطية التخلف والإرهاب الذي تحصرنا وتحاصرنا فيه وسائل الإعلام الغربية ، وكذا إظهار الإسلام بصورته الحقيقية كدين حياة شامل يدعو البشرية كلها للأمن والطمأنينة والسلام والحق والعدل والحرية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ( الحجرات : آية13) .

حقيقة الوعي

إننا نقصد بالوعي تلك الروح التي يجب أن تسري في بدن كل مسلم :

• ليستوعب حقيقة مكانة أمته التي كرمها الله جل في علاه حين قال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )(آل عمران: من الآية110)
 وطبيعة الصبغة الإصلاحية التي يجب أن تنصبغ بها روح أبناء هذه الأمة على كافة أصعدة الإصلاح لافرق فيها بين ما هو إصلاح سياسي أو اقتصادي أو أخلاقي أو اجتماعي وهو ما وصف به الله هذه الأمة فقال (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(آل عمران: من الآية110).
 و أصل هذا المنهج وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، إيمان لا يتزعزع ويقين لا يهتز ، وجهاد فى سبيله بكل ما نملك (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(الحجرات:15)

هذا الوعي أول طرق إيمان أمتنا بحقها ووسائل التغيير من نفسها وقوة الروح فيها وتقويم الأخلاق فيها،وحال استفار طاقة أمتنا ستأتيها وسائل القوة المادية من كل جانب، وعند صحائف التاريخ الخبر اليقين .

إن إيماننا بضرورة أن يرتكز وعي المسلمين على عقيدة وأن يستتبع وعيهم بالإيمان عمل للإصلاح هو جزء أصيل لا يتجزأ من دعوة الإخوان وعنه قال الإمام الشهيد المؤسس في رسائله (ولا معنى لإيمان لا يتبعه عمل، ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها والتضحية في سبيلها ).

فلا معنى لوعي بالحقوق لا يرتكز على عقيدة تحركه وتؤجج روح الإرادة الساعية للتغيير، وساعتها لن يكون الوعي مجرد تنظير وسيتجاوز حدود أحاديث الصالونات والمنتديات ليستحيل حركة شعبية واسعة الكل فيها يرى في الصدح بالحق قربى لرب حق وفي سبيل رضاه يهون كل شيء ولا فرق في هذا الوعي المرتكز على عقيدة بين عامل أو مزارع وبين سياسي أو أكاديمي جامعي فالكل أمام العمل الواعي بالحقوق سواء.

وغير هذا من فَهْمٍ للإسلام وعقيدته يعتبره الإخوان اجتزاء في فهم حقيقة الإيمان الذي دفع سيدة من عوام الناس إلى أن تراجع على رؤس الأشهاد خليفة المسلمين عمر في قراره الخاص بتحديد المهور حتى ردته فما وجد في نفسه غضاضة من أن ينصاع للإرادة الشعبية الواعية بحقوقها ويترك مثلاً يحتذى على مدار التاريخ في وجوب أن يعي الشعب أهمية رأيه في صناعة القرار السياسي فأمر مناديه – جهازه الإعلامي آن ذاك - أن يطوف الشوارع هاتفاً (أصابت المرأة وأخطأ عمر ) .

ولئن كان واقع أمتنا من السوء بمكان فإن إيمانها الحقيقي غير المجتزأ هو الأمل المرتجى .. هذا الإيمان المركوز فى فطرة الأمة يحتاج إلى تنبيه وإيقاظ وتحريك وساعتها سيخلق وعياً يجنبها اليأس، من القدرة على التغيير والسير على درب الإصلاح، لأن الإيمان يناقض اليأس ويؤجج الحماس ويوجد الاستعداد للتضحية والعمل على تحقيق التغيير المنشود . لابد من ملاحقة الفساد والتصدى للاستبداد كى يقوم نظام اجتماعي تحرسه حكومة مخلصة لأوطانها وحامية لحقوق شعب يملك وعياً متحد الكلمة متوقد العزيمة قوي الإيمان.

و للإخوان كلمة :

 أيها الإخوان في كل مكان وعلى أي ثغر، إن وعيكم بحقيقة دوركم، ونبل دعوتكم، وعظم غايتكم، يتطلب منكم أن تكونوا حملة راية الوعي الحقيقي في مواجة رايات الزيف والتزوير، لا نستثني منكم صغيراً أو عاملاً أو ربة منزل فالكل أمام المسؤلية الآنية سواء، ولكلٍ دوائره التي يتحرك فيها، والآذان من حولكم صاغية لكم ، فاغتنموا الفرصة ولا تضيّعوها وضعوا الناس معكم على المحك، وما خُلدت ذكرى مؤمن آل يس إلا لصدعه بالحق أمام الناس جميعا (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)(يّـس:20) .

وحتى تدركوا ويدرك معنا الناس طبيعة المرحلة التي تحياها أمتنا يكفي أن نشير إلى الصفحة الـ 31 من كتاب الديانة اليهودية للباحث "إسرائيل شاحاك" والذي ساق فيه رأي الجنرال "شلومو غازيت" الذي كان قائدا سابق للاستخبارات العسكرية الصهيونية والذي يحدد فيه دور الكيان الصهيوني في المنطقة (موقع إسرائيل الجغرافي في وسط الشرق الأوسط العربي - المسلم، يجعل قدر إسرائيل أن تكون الحارس الوفي للإستقرار في كامل البلدان المحيطة بهـا، إنّ دورها هو حماية الأنظمة القائمة، لمنع عمليات التحوّل الراديكالية أو وقفها، وعرقلة اتساع الحماسة الدينية الأصولية، ولهذه الغايـة ستمنع إسرائيل حصول تغييرات ماوراء حدود إسرائيل، التي تعتبـرها تغييرات لا تطاق، وإلى حـدّ إحساسها بأنها مجبرة على إستخدام كلّ قوتها العسكرية من أجل منعها، أو اجتثاثها).

فلئن كانت هذه هي رؤية العدو الصهيوني فإن دوركم أيها الإخوان في إيقاظ وعي أمتكم ورد الكيد عنها نفرة لله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الأَرْضِ .. } إنها دعوة للنفرة السلمية لإعادة صياغة وعي الناس بما تناسب وطبيعة المرحلة  فاحذروا أن تتقاعسوا عن رسالتكم فتكونوا ممن يستبدل بهم {إلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ويَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ولا تَضُرُّوهُ شَيْئًا واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .

فاعملوا وسيروا واثبتوا وأيقنوا بغد أمتنا وإن الله تعالى يورث الأرض لمن شاء من عباده الصالحين (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران:139) (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(العنكبوت:69) فاللهم اجعلنا ممن يعي ويوعّي فترتفع رايات عز أوطانه في الدنيا ويكون من أهل الجنة في الآخرة .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

القاهرة في :  23 ذو الحجة 1430هـ الموافق 10 ديسمبر 2009 مـ