الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد؛

 فإن الصراعَ بين الحق والباطل قديمٌ وممتَدٌ، وإن وضوحَ الحق وقوةَ حجته من أهم الأسباب التي تدفع خصومَه لمنع دعاته من الإعلان عنه والتحرك به؛ خوفًاً من انجذاب القلوب إليه وتعلق النفوس به، ولهذا يلجؤون إلى سلاح العزل والفصل بين الدعاة وبين جماهير الناس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، سواء عن طريق الحبس والاعتقال، أو عن طريق القتل والاغتيال، أو عن طريق التشويه والتشويش والاحتيال، ولا يزال مكرُهم مستمراً متكرراً ﴿وَإِذْ يَمْكرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِين﴾ (الأنفال:30).

ولكن ثقةَ الدعاة بربهم، وإيمانَهم الكاملَ بدعوتِهم، ويقينَهم بسموّ مبادئِهم، وإخلاصَهم لأوطانِهم وبني جلدتهم، وصفاءَ علاقتهم بالمخلصين من أمتهم، هي عُدّتُهم في مواجهة الشدائد ومغالبة المصاعب والعوائق، وهم يوقنون أنه لا يحيق المكرُ السيِّءُ إلا بأهله، وأن هذا الصراعَ محتومُ النهاية معلومُ العاقبة ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيز﴾ (المجادلة:21)

أيها المجاهدون خلف أسوار الاستبداد والقهر والظلم:

إن الاعتداءَ على حرياتكم، والانتقاصَ من حقوقكم، ومصادرةَ أرزاقكم، وتغييبَكم عن أهلكم وأحبائكم، إنما هو محاولة لمنعكم من الإسهام في إنقاذ أمتكم، فلقد أراد الله أن تستيقظوا وغيرُكم يغُطّ في نومه، وأن تؤمنوا وسواكم يَهيم في شكِّه، وأن تأملوا ومَنْ دونكم قد تغشَّته سحابةُ اليأس، وأن تتجمعوا وغيرُكم قد تشققت عصاه واختلف أمره، وأن يلتف الناسُ حولكم، وتنتهي الثقةُ إليكم، ويحف الأملُ بكم، حين فقد الناسُ أملَهم وثقتَهم، ووجدوا فيكم المنقذ من الفساد، ورأوا في دعوتكم طوقَ النجاة من الذل والانكسار، فمنحوكم ثقتَهم، ووضعوا فيكم أملَهم.

وشاء الله أن تمر بكم وبالأمة عواصفُ من الظلم، مزقتْ من غيركم من الأحزاب والهيئات ما شاء الله لها أن تمزِّق، ولكنها تمر بكم أنتم، فتُقوِّي ولا تُضعِف، وتُثبِّت ولا تُزعزِع، وتزيدكم إيماناً بنصر الله، وثقةً برعايته؛ لأنكم بالحق تنطقون، ولدعوة الله تعملون، فأنتم لذلك على عينه تصنعون ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ (الطور:48).

وقد أراد الله أن يظهر أمرُ دعوتكم، فلم تقف عند حدود مصر، بل جاوزتْها إلى عشرات الأقطار والبلدان، وانفتحتْ لها قلوبُ مئات الملايين من المسلمين والأحرار في هذا العالم؛ لما تحمله من سُمُوٍّ ونُبلٍ وأخلاقٍ كريمة، ولما تشتمل عليه من مبادئ العدل والحرية والإنصاف والمساواة والإنسانية وحب الأوطان، والتفاني في خدمة الناس، ابتغاء وجه الله بلا مَنٍّ ولا أذىً.

ثم كان موقفُكم الرائعُ والمشرِّفُ في مواجهة العدوان الصهيوني الفاجر على أهل غزة، فتقدمتم لإغاثتهم حين نكص غيرُكم على عقِبه، وواصلتم الليل بالنهار في إعانة المظلومين المحاصرين، في جهاد لا يعرف الكلل أو الملل، قدَّرتْه لكم جماهيرُ الأمة وقواها الحية وكلُّ أحرارُ العالم، حتى نصر الله إخوانكم في غزة وأبطل كيد المجرمين، فـ ﴿لَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139).

ولم يكن ذلك كلُّه ليمرَّ على قوى الشر والبغي في الخارج وقوى الفساد والاستبداد في الداخل؛ من غير اجتهادٍ في تعويق مسيرتكم، ودَأَبٍ في تشويه دعوتكم، ومن ثَم لجؤوا إلى هذه الحملة الظالمة المضلِّلة، التي اشترك في تنفيذها جهاز أمن النظام مع تابعيه من المنسوبين إلى الصحافة والإعلام، في مسعى واضحٍ لتحقيق أهداف صهيوأمريكية غربية من جهة، وأهداف سياسية ضيقة من جهة أخرى.

أما الأهداف الصهيونية الأمريكية الغربية، فتتمثل في أمرين أساسيين:

أولهما: تصفية القضية الفلسطينية: من خلال إحكام الحصار على رموز العزة في غزة الصامدة، ومنع الأمة من نجدتهم أو تخفيف معاناتهم حتى يستسلموا للمشروع الصهيوني، وهذا ما لن يقبل به الإخوان المسلمون، ولن تقبله الأمة على الإطلاق.

أليس من المضحك المبكي أن جمع التبرعات لصالح الشعب الفلسطيني وتقديمها من خلال لجان الإغاثة الإنسانية العربية والعالمية ومن خلال الهلال الأحمر المصري صار عند حكومة مصر سبباً للاتهام والتجريم، بدلاً من أن يكون سبباً للافتخار والتكريم؟!

أليس من المبكي أن تسمح الحكومة المصرية بمرور المدمرات الصهيونية عبر قناة السويس، وفي ذات الوقت تغلق معبر رفح في وجه أهل غزة المحاصرين؟

أليس عجيباً ألا يتحرك أحد من الحكام العرب بجدية لرفع الحصار الظالم، وحين يتحرك بعض الأحرار من الأوربيين لكسره، يتم تعويقهم ومماطلتهم، فلا يدخلون إلا بعد معاناة وإرهاق؟!

 فهل يجيبنا أحد: لحساب مَنْ تقوم الحكومةُ المصريةُ بهذا الدور، ولمصلحة مَنْ تعاقب الذين رفعوا رأسَ مصر عالياً ووقفوا إلى جانب المضطهدين من إخوانهم؟

لقد صار واضحاً أن الحكومة المصرية بما اخترعته مما يسمى بقضية التنظيم الدولي إنما تريد منع الإخوان من التصدي للمخطط الغربي الصهيوني لابتلاع فلسطين وتصفية قضيتها؟ وتريد منع غيرهم من أن يحذو حذوهم في التصدي للمشروع الصهيوني؟.

اطمئنوا أيها الأحرار خلف الأسوار:

إن الإخوان المسلمين ومعهم كل الأحرار في الأمة وفي العالم مستمسكون بمشروعهم الحر الرافض للمشروع الغربي الصهيوني، ولن يقبلوا بهذا الغرس الشيطاني في فلسطين المباركة، ولن يتوقفوا عن دعم صمود المقاومة والمجاهدين في فلسطين، ولن يتوقف سيل الإغاثة للشعب المظلوم في غزة وفي عموم فلسطين، حتى تقوم دولة فلسطين الحرة على كامل تراب فلسطين بإذن الله ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21).

الهدف الغربي الثاني: هو تمرير المشروع القِيَمي الغربي القائم على التفلت من الأخلاق والدين، ونشر الإباحية والشذوذ، ومحو هوية الأمة الحضارية والثقافية، وتمرير مقررات مؤتمرات السكان الهادمة للأسرة والمفسدة للأمة، وهم يدركون أن الإخوان ومعهم كل مسلم غيور كريم يقفون حجر عثرة أمام هذا المشروع الساقط، ولهذا يعملون على عزل الإخوان عن ساحة التأثير في وعي الأمة، ويعملون على تشويه أهدافهم والتشويش على مقاصدهم.

ونحن نؤكد لكم أيها الشرفاء أن الإخوان لن يسمحوا بالعبث بأخلاق الأمة وهويتها وخصوصيتها الحضارية، وأنهم مستمرون في مشروعهم الإسلامي الراقي الذي يحظى بتأييد أغلبية الأمة، ولن يتنازلوا عن شيء من دينهم ومبادئهم بحال من الأحوال، وهم على يقين من توفيق الله لهم، ومن تجاوب الأمة معهم.

وخير للغربيين أن يعيدوا النظر في مواقفهم، ويعيدوا بناء مواقف عادلة تجاه الأمة، وألا يقفوا في مواجهة دعوة تحمل الخير والسلام والأمن للبشرية جمعاء، وأن يحسنوا مد جسور الحوار الصحيح مع الأمة؛ بدلاً من الاعتماد على الضغط على الأنظمة المعزولة عن الشعوب.

موقفنا من النظام:

وأما النظام الحاكم الذي ارتضى أن يخضع للضغوط الصهيو أمريكية، والذي يرى في انتشار دعوتكم والتفاف جماهير الأمة حول رايتكم تهديداً لمشروعه القائم على التبعية والاستبداد والفساد، فإننا نؤكد على الحقائق التالية:

·       إن الإخوان يدركون واجبهم نحو أمتهم، ولن يتخلوا عن مشروعهم الإصلاحي الذي تجاوبت معه الأمة، والقائم على التعبير السلمي البعيد عن العنف المادي أو المعنوي، والداعي إلى مشاركة كافة أبناء الأمة وطوائفها دون استثناء أو إقصاء، والمستند إلى مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.

·       إن الإخوان المسلمين لم يكونوا يوما – ولن يكونوا بإذن الله – منافسين لأحدٍ على مناصب وكراسي ومتاع زائل، وإنهم – كما عهدتهم أمتهم- لا يبتغون سوى خدمة أمتهم، والعمل على رفعتها ورُقيّها والنهوض بها؛ لتستعيد مكانتها وموقعها على المستوى الإقليمي والدولي، وإنهم لن يدخروا في سبيل ذلك جهداً ولا مالاً، ولن يترددوا في تقديم كافة التضحيات من أجل مصر العظيمة.

·       إن الإخوان المسلمين لن يتغيروا ولن يتخلوا عن منهجهم السلمي كائنةً ما كانت الاستفزازاتُ التي يتعرضون لها، فوحدةُ الأمة وأمنُها القوميُّ والاجتماعيُّ وعدمُ انكشافها أمام الصهاينة المتربصين هو خيارُ الإخوان، مهما كان الثمن الذي يدفعونه من دمائهم وأقواتهم وحرياتهم.  

·       إن الإخوان يتوجهون بمشروعهم الإصلاحي للأمة وللنخب الحرة فيها للتعاون في إنقاذ سفينة الوطن من الفساد الذي طال كافة المؤسسات، وللوقوف في وجه الاستبداد الذي أهدر كرامة الأمة وقوَّض عناصر القوة فيها، والذي يسعى لتعطيل كل شيء نافع في هذا الوطن العزيز، بدءاً من العمل الأهلي الخيري التطوعي، وحتى إغاثة المنكوبين من إخواننا في فلسطين.

·       إن الإخوان المسلمين سيبقون على الدوام مستعدين للتعاون مع كل الشرفاء، وجاهزين للحوار حتى مع من ظلمهم، لكل ما فيه مصلحة هذا الوطن الغالي، الذي لا يستحق ما يجري له من تقزيم وإفساد. ونرى أن على العقلاء في الحزب الوطني والحكومة – وهم كثر- أن يكون لهم دورٌ في وقف هذا الاندفاع إلى السقوط والهاوية الذي يُجَرُّ إليه الوطنُ جراً. .. وسنظل نمد بالخير للجميع أيديَنا، ونرفع بالدعاء إلى الله أكفنا: أن يحفظ بلادنا، وأن يهدي إلى الخير حكامنا، وأن يهيء لنا من أمرنا رشدا.

 

 

                                        والله أكبر ولله الحمد.