خميس النقيب:

 

الناس متساوون في جوهر الحياة ، متفاوتون في أعراضها ....!! كيف ؟
حاجات الجسد محدودة مهما توافر المال ، فليس في وسعك أن تأكل أكثر من وجبة واحدة ، ولا أن ترتدي أكثر من ثوب واحد ولا أن تأوي إلى أكثر من فراش واحد .
صحيح من الناس من يأكل ملئ بطنه ، ويضحك ملئ فمه ، وينام ملئ جفنه ، وغيره لا يجد قوت يومه فضلا عن قلة نومه واضطراد دينه ...!!
لكن هناك ابعاد اخري تبعث علي الامل وتحبط اليأس ...!!
فقبل إن تنظر إلى ما عند غيرك ، هل نظرت إلى ما عندك ، أعضاؤك وحواسك ، جوارحك وأجهزتك تعمل بانتظام ، وهناك أناس كثيرون ابتلوا بفقد بعضها ، او كلها ، ولا يعلم إلا الله كم يحسّون من ألم ، فهل تعدها نعمة قليلة ...؟؟
قد ياخذ الله منك شئ ويترك لك اشياء ...!! قد ياخذ منك عضو ويترك اعضاء ، قد يأخذ منك ابن ويترك لك ابناء ، عندك اخلاق ومشاعر واحاسيس ، عندك فطنة ودهاء وذكاء ، عندك علم وثقافة وتؤدة ، اليست هذه نعم من الله لك " وان تعدوا نعمة الله لاتحصوها ان الانسان لظلوم كفار ..." ابراهيم
عروة بن الزبير بن العوام رحمه الله
قطعت رجله في مجلس الوليد بدون مخدر ، فقط ذكره لله ، فلم يتحرك ولم يشعر الوليد أنها قطعت حتى كويت فوجد رائحة الكي . وقال الوليد : مارأيت قط شيخاً أصبر من هذا .
ولما رأى رجله وقدمه في أيديهم دعا بها فتناولها فقلبها في يده ثم قال : أما والذي حملني عليك أنه ليعلم أن مامشيت بك إلى حرام ثم أمر بها فغسلت وحنطت وكفنت ولفت بقطيفه ثم أرسل بها إلى المقابر .
وكان معه في سفره ذلك ابنه محمد ، ودخل محمد اصطبل دواب الوليد ، فرفسته دابة فخر ميتاً . فأتى عروة رجل يعزيه ، فقال : إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها . قال : بل أعزيك بمحمد ابنك ، قال : وماله ؟ فأخبره ، فقال : اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء ، وأخذت ابناً وتركت أبناءًا ....!!
لذلك ..
ارض بما قسم الله لك تكن اغني الناس ...!! صحيح
نوح عليه السلام ظل ينوح في الناس ويدعوهم الي الله اكثر من تسعة عقود ، الف سنة الا خمسين عاما ، فما امن معه الا الندر القليل ، غير انه اخذ بكل الاسباب ، وطرق كل الابواب ، ثم لجأ الي رب الارباب فانتصر بثلاث كلمات .. !! فقط ثلاث كلمات !! " اني مغلوب فانتصر " فجاء النصر في ثلاث كلمات ايضا "
" فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ *؛ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ " القمر
...فجرنا .، فتحنا ، فالتقي .. نجي الله المؤمنين ، واغرق الفاسدين ...!!
ونجي الله موسي وقومه بعد صبر وجلد وهجرة ومطاردة ويقين وامل فيما عند الله ... "
فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا ان معي ربي سيهدين "
الشعراء وهنا يأتي الخلاص من فرعون وقومه بالغرق في عرض البحر
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ
الشعراء
ورحم الله ايوب عليه السلام مرض اكثر من ثمانية عشر عاما .. ، قال تعالي " انا وجدناه صابرا " لذلك جاءه الشفاء من تحت قدمه " اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " ص

وفي معركة الفرقان " بدر الكبري " ما توقع احد ان ينتصر المسلمون ، فهم قلة في العدد والعدة ..!! الا رسول الله يزرع الامل محددا مواقع مصارع صناديد قريش فلم يتخلف احد عن موقعه الذي حدده المصطفي الا وقتل عنده ...، ثلاثمأة ونيف امام اكثر من الف ..حتي قال الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم : اللهم ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الارض ابدا ...اللهم انهم جياع فاطعمهم ، حفاة فاحملهم ، و رغم ذلك انتصر المسلمون وغنموا .... " ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة " ال عمران
ويتكالب الأعداء علي الدعوة ويتألم الشرك الوثن بكل عناصره ،والغدر اليهودي بكل تاريخه ،ويشتد الأمر علي النبي وأصحابه ،قريش وغطفان من خارج المدينة ،اليهود والمنافقين من الداخل ،القران يصور هذا الموقف " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ ذابت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون * هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا " (الأحزاب/11:10) .
في هذه الساعات العصيبة التي يتلاشي فيها عود الأمل ،ويخبوا فيها شعاع الرجاء ،ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة ،النبي يشارك مع أصحابة في حفر الخندق لصد الغزاة وتعويق الطغاة الطامعين العتاة ،يحدث النبي أصحابة عن الغد المأمول والمستقبل المرجو حين يفتح الله عليهم بلاد كسري بفارس ،وبلاد قيصر بالشام ،وبلاد اليمن بالجزيرة حديث الواثق المطمئن المؤمل فيما عند الله حتي أثار المنافقين : إن محمدا يعدنا كنوز كسري وقيصر ،وأحدنا لايأمن أن يذهب إلي الخلاء وحده " وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا "(الأحزاب/12)
والقدس ظل اسير اكثر من تسعين عاما ، فوفق الله له صلاح الدين حتي كسر قيده وفك اسره ....!!
في تركيا ظل العسكر جاثمين علي صدور الشعب عقود من الزمن ، وضرب الفياد اطناب البلاد ، وكثر الفاسدين في كل الدواوين ، حتي اخرج الله من الشعب صالحين مصلحين بقيادة اردوغان استطاعوا بتقواهم وتفانيهم ان يصلوا بدولة تركيا الي مصاف الدول العظمي اقتصاديا واجتماعيا وعلميا واخلاقيا وسياسيا ...!!

وهكذا الضعيف لايظل ضعيفا ابد الدهر، والمريض لا يظل مريضا طول العمر وإنما يجعل الله من بعد الضعف قوة ومن بعد المرض صحة، ومن بعد العسر يسر، ومن بعد الخوف أمن ، ويجعل الله من كل ضيق فرجا ومن كل هم مخرجا فالمؤمن يجب أن يتوجه إلي ربه عز وجل ، يؤمل فيما عند الله عز وجل.
يجب إن لا ييأس المؤمن لان اليأس شيمة الكافرين ، و طريق المنافقين " انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" يوسف

المؤمن يؤمل في الله ، فهو تعالي يجيب المطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ، يقبل التوبة عن عبادة ويعفوا عن السيئات ..
المؤمن يؤمل فيما عند الله ، فهو سبحانه ارحم بعبادة من الوالدة بولدها ، وأبر بخلقه من أنفسهم

المؤمن يؤمل في ربه ، فهو الملاذ في الشدة ، والأنيس في الوحشة ، والنصير في القلة ، والمغيث في الكربة ، والنور في الظلمة
يتجه إليه المريض الذي استعصي مرضه علي الأطباء "الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين " الشعراء

ويتجه اليه المؤمن اذا حارب واثقا في النصر لأنه مع الله فالله معه و له " إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون " الصافات .

أما إذا فقد المؤمن أمله وأهمل عمله وزال وجله فقد دخل المعركة بلا سلاح يقاتل به ، بل بلا يد تمسك بالسلاح ، كيف يرتجي له انتصار ؟ أو يأتي إليه فلاح ،أما إذا إستصحب الأمل وكان معه العمل فهما جناحان للعظماء للتحليق في جو السمو والعلو ، وبذلك فإن الصعب سيهون ، والضر سينكشف ، والنصر سيتحقق ، والبعيد سيدنو و الأيام تقرب البعيد والزمن جزء من العلاج...

اللهم اشفي كل مريض وانصر كل
مظلوم واجبر كل مكسور ....

[email protected]

 


المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع