عزت النمر :

 


تشرفت هذا الاسبوع بحضور منتدى الجزيرة العاشر والذي أحرص على حضوره للعام الثالث على التوالي.


حرصى على المشاركة في منتدى الجزيرة وكل منتجاتها هو نفسه حرص كل متابع أو محلل للواقع العربي على تحري الخبر في مظان الصدق والمهنية.


عوَّدتنا منتديات الجزيرة السنوية على إختيار نخبة فذة كمحاضرين من الساسة والخبراء والمحللين والإعلاميين، وتتيح فرصة لقاء حشد سياسي وإعلامي رائع من المشاركين والتواصل معهم.


في المنتدي العاشر هذا العام والذي تم يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين كانت فرصة للإستماع للضيف الرئيس في المنتدى وهو الأستاذ والمفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية.


الرجل قامة فكرية وإسلامية وسياسية تستحق من الجميع الحفاوة والإنصات حين يتكلم سواء اتفقت معه أو اختلفت.


كانت محاضرة شيقة جال فيها المفكر الكبير في جوانب الواقع ومسارب سنوات حاسمة مضت , وأطلق للسانه البليغ وفكره الرشيد وأسلوبه العزب العنان ؛ فأمتع الحضور بعمق الفكرة وجزالة اللفظ.


أشهد أني استفدت كثيراً من محاضرته واستمتعت بها , وحَرَّكت في عقلي وذهني زخما من الأفكار والخواطر.


كلمة الشيخ قدمت ما آل إليه الوضع التونسي على أنه نموذج نجاح يحتذى به, وهذا يتفق معه جمع كبير من الساسة والمحللين , غير أن عدداً غير قليل هو من يعتبره فقط نجاحا نسبياً ؛ حين نقارنة بما آل إليه الوضع في غيره.


أنا ممن يرون أن منع العربة من الانزلاق هو نجاح نسبيّ، ,وأن النجاح الكامل يتحقق حين تمنعها من الإنزلاق وتسير بها في الاتجاه الصحيح, وهذا لم يتحق ــ حسب رأيي ـــ في تونس في مشهدها الراهن.


أشار الشيخ أن السبب الرئيسي لهذا النجاح هو حرص حركة النهضة على التوافق , الذي اعتبره فضيلته سبب النجاح وأيقونته وصراطه المستقيم.


ما أخذته على المحاضرة ــ لا على الشيخ ــ أنها تناولت بصورة أو بأخرى تقييماً ما ؛ عتب فيه الأستاذ على نماذج أخرى فشلت في ربيعنا العربي المحزون, وعزا فيه الفشل إلى عجلة أصحاب هذا النموذج وعدم حرصهم على التوافق المطلوب مما أفسد تجربتهم وأورثهم الذل والخسار وأعادهم إلى موقعهم الأثير في السجون والمعتقلات.


هذا ما لم أستسغه ورأيت أن أسجل اعتراضي , وإعتبرته تقييماً غير موضوعياً يفتقد لأدنى صور التقييم الحق , ومازالت أحفظ للشيخ أستاذيتة ومسافات بعيدة أراها تحسب له علماً وقدرا.


انتهت الكلمة الماتعة وطلبت التعقيب, وأردت بمداخلتي إضافة وجهة نظري بما يحفظ موضوعية التقييم للحدث ورموزه وشخوصه, وكان لي ما أردت.


عَبَّرت في مداخلتي عن أن النجاح في الملف التونسي وعدمه في الحالة المصرية ليس فقط بسبب ضعف الكادر الاسلامي هنا أو قلة كفاءته , وليس كذلك لأن الإخوان في مصر تكبروا أو استعلوا على توافق مماثل لما حدث في تونس.


قلت أن هذا يجافي الواقع , والبناء عليه في تقييم رموز التجربة المصرية يُعد تجاوزاً وهضماً لمحاولات الدكتور محمد مرسي الحثيثة في إحداث هذا التوافق والوصول إليه .


وأَكَدَّتْ على أن الموضوعية تقتضي منا جميعاً ومن أي منصف أن يرصد فروق شديدة بين الواقع التونسي والحالة المصرية, هذه الفروق أراها السبب الرئيسي في تفاوت النتائج , وليس ضعف أو قلة وعي وكفاءة الكادر المصري عنه هناك .


دلَّلت على وجهة نظري بالفارق الرهيب بين الجيش في تونس وموقفه من السلطة وبين الجيش في مصر, لخصت هذا التفاوت في الفارق بين رشيد عمار في النموذج التونسي وبين محمد حسين طنطاوي في الحالة المصرية. وأعتقد بأن الفرق واضح وربما بليغ.


فارق رهيب كذلك بين النخبة التونسية وبين نخبة العمالة والخيانة والبغي في مصر , وضربت لذلك مثلاً بنموذج أنجبته نخبة واعية في تونس وعَقِمت نخبتنا أن تُنجب مثله هو الدكتور المنصف المرزوقي.


ثالث الفروق العميقة البالغة هي تونس البعيدة الصغيرة وما تواجهه من تحديات , وبين مصر الكبيرة ذات الثقل الإقليمي ورأس الحربة في الواقع العربي وصاحبة التاريخ في الصراع العربي الإسرائيلي ودولة المواجهة والجوار , كل هذا جلب تحديات ومؤامرات ودسائس إقليمية ودولية أشد وأنكى بكثير منه في حالة الشقيقة تونس.


استمع شيخنا الغنوشي لمداخلتي واستقبلها بمنتهى الحفاوة , ووافقني في كل ماذهبت اليه وأكد على الخلافات الجوهرية العميقة بين الحالتين , وأن هذه الفروق كانت أسباباً فارقة في اختلاف النتائج هنا وهناك , وأكد بطبيعة الحال على مراعاة ظروف المراحل الانتقالية وطبيعة الديمقراطية فيها.


الجزيرة أذاعت المحاضرة فقط على مواقعها دون المداخلات. هذا من وجهة نظري يعرض وجهة نظر مجتزأة تحمل إتهاما للدكتور مرسي ومن معه وانتقاصاً لأدائهم.


ما حَمَلني على العتاب للجزيرة ومنتداها العاشر أنني أعتبر هذا الاستدراك من الشيخ في الرد على المداخلات هو مُكَّمِل حقيقي للفكرة , وأنه يحفظ حقوقاً ويعيد الموضوعية لتقييم شرفاء من حقهم علينا جميعاً وواجبنا تجاههم أن نرد غيبتهم ونعرض حقيقة دورهم وندفع عنهم فيما هم في بلاء عدم القدرة على الرد والتفسير.


مطلبي الذي أراه عادلاً ــ وأتمنى ألا يكون مقصوداً ــ هو أن تُرفع المحاضرة كاملة بمداخلاتها باستدراك الشيخ عليها استحقاقاً للحق ووفاء بالواجب وأداء للمهنية والأمانة وحفظاً لحق المشاهد في تقييم نزيه موضوعي وشفاف.


أشكر فضيلة الأستاذ راشد الغنوشي، أتم الله عليه صحته، ونفعنا جميعاً بعلمه، وجمع أمتنا على علمائها العاملين الأتقياء الأحرار.


كل الشكر للجزيرة على كرم دعوتها وحفاوة استقبالها وفخامة ملتقياتها وغزارة فوائدها , وليعذروني أن العتب عليهم في هذا الأمر مازال حاضراً.


[email protected]
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9
@EZZATNEMER

 

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها فقط ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع