"ثمة أوجه تشابه هامة بين الوضع الحالي في مصر والأيام الأخيرة لعصر مبارك، ولكن هل يؤدي ذلك بالضرورة إلى لحظة ثورية جديدة؟"

هكذا استهل الباحث الإيطالي فرانشيسكو دي ليليس مقالا تحليليا بموقع "يور ميدل إيست".

وإلى نص المقال

على مدى الشهور الأخيرة، دعت صفحات فيسبوك لـ "العودة إلى الميدان" في 25 يناير 2016، وقال مئات الآلاف إنهم سيشاركون.
 

وبالرغم من أن ذلك ليس مؤشرا على الأعداد الحقيقية التي تستطيع التوافد إلى الشوارع، لكن النظام يبدو أنه مدرك للخطر، ويتأهب بحذر لاحتمال اندلاع ثورة جديدة.
 

ميدان التحرير، الذي حظرت فيه كافة المظاهرات منذ يوليو 2013، يشهد تواجدا متزايدا لقوات الأمن المركزي.
 

وصايا خطبة الجمعة الماضية، التي حددتها وزارة الأوقاف، تركزت على تحذير المصلين من "الدعوات المدمرة" لزعزعة استقرار الوطن ونشر الفوضى.
 

لذا، دعونا نلقي نظرة قريبة على بعض نقاط التشابه بين الوضع الحالي والفترة التي سبقت ثورة يناير.
 

مهزلة انتخابية

نتائج الانتخابات البرلمانية التي عقدت مؤخرا تعيد إلى الأذهان ذكريات انتخابات 2010، والتي اعتبرت بين أكثر الأشياء فسادا في عهد مبارك.
 

هذه المرة (انتخابات 2015)، نبأت النتائج ببرلمان يحمل أغلبية كاسحة مؤيدة للسيسي، مع إقصاء فعلي لكافة أنواع المعارضة السياسية، والعودة الملحوظة للفلول( بقايا عصر مبارك)، الذين ترشح معظمهم كمستقلين.
 

الإخوان المسلمين الذين فازوا في انتخابات 2010 بمقعد وحيد، لم يكن أمامهم أي فرصة هذه المرة للترشح.
 

قوى أخرى، معظمهم من اليساريين والليبراليين، قاطعت الانتخابات.
 

وحشية الشرطة

كانت هدفا رئيسيا صب فيها الشباب جام غضبه في 2010-2011، وعادت مجددا لتحتل المانشيتات الرئيسية.
 

آلاف الأشخاص نظموا مظاهرات مفاجئة واشتباكات احتجاجا على وفاة أشخاص لقوا نحبهم جراء تعرضهم للتعذيب من الشرطة.
 

المثير للاهتمام أن ذلك حدث في محافظات نائية (الأقصر، والإسماعيلية) بعيدة عن مركز الجذب السياسي للدولة، ولم تبدأ الاحتجاجات عبر دوائر من النشطاء ومحامي حقوق الإنسان.
 

التضخم الهائل

 أججته أزمة العملة الأجنبية، وارتفاع أسعار الواردات، بما يضيف إلى الورطة اليومية للمصريين المنتمين للطبقتين الوسطى والفقيرة، الذين يعانون من ارتفاعات فوق العادل في أسعار الغذاء، والتي لا يستطيع النظام السيطرة عليها.
 

وكذلك في عام 2008، تسبب عدم القدرة في تقديم الغذاء بأسعار يمكن تحملها في أعمال شغب عديدة في المخابز، فيما يعتقد أنها كانت بين المظاهر المبكرة بشأن السخط الشعبي الذي تدفق في التحرير وميادين أخرى في يناير 2011.
 

موجات الإضرابات العمالية

ضربت مصر على نحو متكرر خلال الشهور القليلة الماضية، وفي ذات الوقت تجددت الجهود للم شمل النقابات المهنية، ومن المرجح أنها في نقطة تحول، بعد أن قررت ضرورة التغلب على الانقسامات وتصعيد الضغوط ضد القرارات الحكومية التي ضربت حريات النقابات والحقوق العمالية.
 

وبالرغم من أن إضرابات العمال لم تكن العامل الحاسم في إثارة ثورة 2011، إلا أم الإضرابات واسعة النطاق التي شهدها فبراير 2011 كانت أهم عوامل سقوط مبارك من وجهة نظر العديد من المراقبين.
 

وعلاوة على ذلك، فإن الحشد العمالي المتزايد ميز العقد السابق لثورة 2011، وتركز في جوهره على سياسات الخصخصة والتقشف، متحديا حائط الخوف الذي فرضته السلطة الاستبدادية.
 

السياسات الليبرالية الجديدة التي لعبت دورا ضخما في تفاقم الحرمان واللا مساواة والظلم الاجتماعي في أواخر عهد مبارك لم تتراجع أو حتى تتقلص بعد 2011، وعلى الأقل في نظام السيسي.
 

وفي ذات الوقت، فإن وعودا بعهد جديد من التنمية تعتمد على التبشير بمشروعات قومية "فذة" كقناة السويس أخفقت ولم تصب في صالح الشعب.
 

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الهجوم الإرهابي الذي ضرب الطائرة الروسية في سيناء كان بمثابة كلمة النهاية لقطاع السياحة المتعثر أساسا.
 

فرص العمل تضاءلت، وكذلك ظلت معدلات البطالة بين الشباب مرتفعة، لا سيما بين الطبقة المتعلمة.
 

منذ أسابيع قليلة، اندلعت تظاهرة ضمت المئات من حملة الماجستير، متحدين حظر التظاهر، وتحركوا إلى ميدان التحرير مطالبين بوظائف في القطاع العام.
 

وفيما يتعلق بالمجتمع الريفي المصري، تحدث احتجاجات صغيرة النطاق بشكل يومي تقريبا، لكن قصص الاضطرابات في القرى نادرا ما تحتل مانشيتات الإعلام المحلي.
 

الحالة الأحدث التي جذبت بعض العيون إليها كانت احتجاجات سكان البحيرة في أعقاب السيول الكارثية التي ضربت المحافظة.
 

السخط غالبا ما يتركز على أمور تتعلق بالنقص أو الخلل في الخدمات الأساسية، وصعوبة الحصول إلى الموارد.
 

حشود المزارعين والقرويين تمثل ملمحا ثابتا خلال العقدين الأخيرين بمصر.

 

وبالرغم من ذلك، وبسبب طبيعتها التي تتسم بعدم التنظيم والمحلية والوقتية فإنها تتعرض للتجاهل غالبا.
 

وبالرغم من عدم لعب مصر الريفية دورا رئيسيا في ثورة 2011، فإن سنوات التهميش والمواجهات مع الدولة للحصول على الموارد تسببت في تآكل شديد للإجماع على مبارك.
 

ولذلك، عندما حدثت ثورة 2011، لم يجد نظام مبارك مؤيدين يقفون بجانبه في المناطق الريفية، وفقا لتفسير صقر النور، الباحث الاجتماعي المهتم بالشأن الريفي.
 

الوضع اليوم متماثل كثيرا، حيث أن السياسات الزراعية الأخيرة تمثل "أسوأ فترة بالنسبة للمزارعين منذ مئات السنين"، وفقا لبشير صقر، الناشط وعضو "لجنة الدفاع عن المزارعين".
 

وباختصار، وحتى لو كان هذا العرض بعيدا عن الشمول، لكنه يشير إلى حقيقة وجود الكثير من العوامل التي تنم عن انتشار المشكلات الاجتماعية، وجاهزية العديد من قطاعات المجتمع للاحتشاد.
 

ما ينقص هو وجود أي لاعب اجتماعي منظم ويمتلك مصداقية كافية، ومستعد لترجمة تصرفات وأحاسيس هذه الجماعات المجتمعية، ومساعدتهم على الاتصال، والتجمع عبر شبكة واسعة ومنصة متماسكة، ويسهل التعبير عن مطالبهم بطريقة سياسية أكثر مباشرة.
 

ويرجع هذا بالقطع بشكل أساسي إلى القمع وغلق كافة المساحات السياسية العملية بعد الاستحواذ العسكري على السلطة في 3 يوليو 2013.
 

وعلاوة على ذلك، وبعكس 2011، فإن الشباب المصري في الوقت الحالي أكثر شعورا بخيبة الأمل، والكثير منهم منهمك أكثر في خطط فردية للنجاة، بدلا من الارتباط في ممارسات جماعية.

 

وزاد عدد المصريين الذين تركوا الوطن بنسبة 17 % عام 2014 مقارنة بذات الفترة من العام السابق، ومعظمهم تحت سن الثلاثين.

 

تجارب الفترات المتكررة للتعبئة المكثفة خلال السنوات الخمس الماضية دون نتيجة تذكر أحبطت الثقة في أن التغيير يمكن أن يأتي من خلال احتجاجات شوارع تقوم بها القاعدة.
 

لقد أسقطوا رئيسا ليجدوا آخر قد حل محله مدعوما، بدرجة أكبر أو أقل، بنفس هياكل وسلوكيات النظام القديم.
 

وختاما، نستطيع القول إن ثورة مصر الطويلة( بحسب الوصف القوي للباحثة الاجتماعية مها عبد الرحمن) ما زالت مستمرة، مع عمليات مجتمعية عديدة قيد التنفيذ من جماعات مختلفة.
 

وبالتأكيد، سواء كان يتم الإعداد لانتفاضة ثورية جديدة في المستقبل القريب أم لا، وبالرغم من عدم بزوغ قوى مهيمنة تستطيع تقلد دور القيادة، لكن تلك الصورة إنما تمثل شهادة على حقيقة أن المجتمع المصري، في عيده الخامس لثورة يناير ليس نائما أو مهزوما.