في الوقت الذي يشتد سواد الليل ويكثر التشاؤم في شرقنا العربي تظهر حماس بدرا متلألئا تبشر ببصيص الأمل .. وتؤكد أن الخير ماض في هذه الأمة .. وأن هذه الأمة وجدت لتقود.
تجارب مريرة خاضتها حركات وقوى شعبية في محيطنا العربي منذ أن ظهرت نسائم الربيع العربي الذي استبشر الناس به خيرا فإذا به يتحول إلى خريف عاصف .. وإذا بالثورات المضادة تطل برأسها من جديد بعد أن فشلت القوى التي تصدرت للمشهد في إدارة دفة البلاد والعبور إلى بر الأمان .. إما بسبب المراهقة السياسية أو الغبش الفكري أو تنازع الأهواء أو عدم الإعداد وهي كلها من تجليات عدم إدراك الواقع والتعامل معه.
انقلاب عسكري دموي في مصر يجهض تجربة ديمقراطية وليدة ويطيح بحكم حركة إسلامية عريقة وصلت إلى السلطة دون إعداد وخاضت تجربة قاسية دون أن تملك أدوات السلطة أو تنجح في إقامة تحالفات سياسية أو تحسن التفريق بين العدو والصديق أو تبلور رؤية لمرحلة انتقالية جاءت في ظرف تاريخي صعب.. تجربة أصابت الشعوب العربية المتطلعة إلى الحرية في مقتل وجعل أنظمة الثورة المضادة تنتشي بانتصارها لتوجه سهامها لأي دولة أو شعب أو حركة تسعى إلى الحرية.
وثورة سلمية أشعلها الشعب السوري متطلعا إلى الحرية ومطالبا بأبسط حقوقه الإنسانية .. حولها النظام الديكتاتوري إلى حرب أهلية طائفية تأكل الأخضر واليابس وتمزق بنية الشعب السوري وتقضي على مقومات الدولة .. وجاء الرد على طائفيته بطائفية مضادة .. ولم تنجح المعارضة في توحيد صفوفها واستمرت مشتتة بين قوى سياسية مختلفة في الخارج وجميعها لا يملك كلمة على أي من المجموعات المسلحة في الداخل .. وتلك المجموعات المسلحة عبثت بأكثرها أجهزة استخباراتية تملك التمويل والإمكانات .. فضاع حق الشعب السوري وأصبح الحل مرهونا بالإرادة الدولية.
وتنظيم مغمور يظهر في العراق يخلط الأوراق في المنطقة فيرفع راية الجهاد ويعلن خلافة إسلامية ويسفك الدماء بغير حق ويشتت الصفوف ويجعل بأسه بين المسلمين شديدا، يتكلم باسم الإسلام ويحكم بالردة على مخالفيه ويشوه صورة الجهاد المقدس الذي يمثل ذروة سنام الإسلام باستهداف المدنيين وتهجير الآمنين .. تنظيم لم يكن لينشأ لولا طائفية واستبداد النظام الحاكم في العراق المدعوم إقليميا.
في وسط هذا كله تظهر حماس صورة لامعة براقة، تعيد توجيه بوصلة المنطقة إلى اتجاهها الحقيقي:
• فالعدو هو إسرائيل .. وأنظمة الفساد والاستبداد في المنطقة سبب رئيسي من أسباب استمرار الكيان الصهيوني
• والجهاد السياسي والعسكري منظومة متكاملة فالعسكري يده على الزناد والسياسي يخوض معترك التفاوض ليكمل إنجاز العسكري.
• والجهاد العسكري جهاد راشد يوجه سهامه إلى معركته الرئيسية ولا يخوض معارك جانبية هنا وهناك.
• والخطاب خطاب وطني واع يجمع ولا يفرق ويتجاوز الحزبية والطائفية.
• والحركة أعدت نفسها لهذا اليوم وامتلكت أدوات المقاومة عسكريا وسياسيا وإعلاميا وجماهيريا.
• والفكر فكر إسلامي وسطي ناضج يوائم بين ثوابت الشرع ومقتضيات العصر.
• والتربية تربية إيمانية عميقة .. نفوس تقبل على الله .. وروح تسعى نحو الشهادة في سبيله.
هذا ما تميزت به حماس ولا يعني كلامي أنها منزهة عن الخطأ فهي حركة بشرية ليست ملائكية ويعتريها ما يعتري البشر من أخطاء وهي اجتهاد بشري يحتمل الصواب والخطأ كما يحتمل النجاح والفشل .. لكن حركة قدمت ما قدمت واحتضنت أشرف قضية في عصر من أكثر عصور الأمة انحطاطا لهي جديرة بأن تقود الأمة.