بقلم : مجدي مغيرة

ظهرت حقيقة شعبية النظام الحالي منذ اليوم الأول من أيام التصويت على مقاعد البرلمان ، عزوف كبير عن التصويت ، ولجان خاوية يصفر فيها الريح ، وطوابير – إن شئت أن تسميها بذلك – لا يتخطى عددُ الواقفين فيها عددَ أصابع اليد ، والإعلام يستجدي الناس ليصوتوا ، ولما استيقن كهانُه من عزوف الناس عن الذهاب للجان الاقتراع ؛ أخذوا يسبونهم ويلعنونهم ، ويستدلون من سلبيتهم على استحقاقهم للفقر والقهر .

والأمر الملفت للنظر هو اعتراف الجميع - بلا رتوش -  بضعف الإقبال على التصويت لأي مرشحٍ .... مستقل كان أم في قائمة من القوائم الحزبية التي أعدتها الأجهزة الأمنية بعناية كبيرة .  

وقد ظهرت سريعا تفسيرات ظاهرة العزوف عن التصويت :

فمن الناس من يقول أنها لعبة أدارها السيسي كي يكون البرلمان ضعيفا ؛ فلا يجرؤ على مخالفته أو تعطيله عن مسيرته المباركة المليئة بالنجاح والفلاح .

ومنهم من يقول أن ذلك صفعة من رجال مبارك موجهة إلى السيسي ، وفحواها : أنت بدوننا عاجز ومفضوح .

ومنهم من يقول أن ذلك علامة عن تخلي الأصابع المحركة للمسرح عن بعض العرائس التي استنفدت أغراضها ، والتمهيد للإتيان بعرائس جديدة بمواصفات جديدة تسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه دون أن تسمح لعودة الإخوان المسلمين للحياة السياسية مرة أخرى .

ومنهم من يقول أن سبب ذلك هو فشل النظام في إدارة شئون البلد ، وسوء اختياره لوزرائه ، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وما ترتب عليه من ارتفاع تكاليف المعيشة دون تعويض مناسب للشعب الذي كان ينتظر من يحنو عليه .

لكن أيا كانت التفسيرات سواء كانت السابقة أم غيرها ، لكن الواضح وضوح الشمس هو العزوف الكبير من الشعب عن الذهاب لصناديق التصويت .

 ومن السذاجة أن نعتقد أن ذلك العزوف إنما هو استجابة لبعض رجال الحزب الوطني القديم الذين يريدون إحراج السيسي ، فالنسبة أكبر من أن تكون مفتعلة ، وبخاصة أن عملية التصويت هذه ليست الأولى  من نوعها في عهد السيسي ، بل هناك عمليات تصويت أخرى في عهده كان قلة المشاركين فيها هي القاسم المشترك بينها جميعا .

فقد تم التصويت على دستور الانقلاب بنسبة حضور ضعيفة ، وكذلك التصويت في الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها السيسي خيالُ مآتة قَبِلَ أن يقوم بدور الكومبارس بنسبة حضور أيضا ضعيفة ، و تم تغطية الفضيحة بعمليات تزوير واسعة على نطاق الجمهورية ، فهذه ثلاث استحقاقات سياسية تطلبت ذهاب الجمهور إلى صناديق الاقتراع العامة .

وهناك استحقاقات مهنية أخرى تمت ، وشهدت أيضا نفس العزوف من أعضائها الذين يمتلكون وعيا كبيرا ، ويمثلون قطاعا عريضا ممن نسميهم نخبة المجتمع المصري ، وهي انتخابات أعضاء نادي القضاة ، وانتخابات نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة ، وانتخابات نقابة الأطباء ، فضلا عن انتخابات نقابة الصحافيين التي أزاحت عن عضويتها الكثير من أشد مؤيدي الانقلاب وعلى رأسهم ضياء رشوان .

ويكاد يكون تفسير المحايدين الذين يرون أنفسهم لا مع النظام ولا مع الحراك الثوري ، ولا يجدون مانعا للمشاركة في لعبة الانتخابات أملا في تحسين بعض شروط القهر المسيطر ، يفسر هؤلاء سبب العزوف عن التصويت أن أعضاء المجلس الجديد قد حددهم النظام حتى قبل فتح باب الترشح ، ولا حاجة لنا بالمشاركة في عملية معروفة النتائج مسبقا .

فهل نستطيع أن نقول أن ضعف المشاركة إنما هو يأس قاتل سيطر على الناس وافتقدوا معه الأمل في تغيير الأوضاع ، وتحسين ظروف حياتهم .

هل استكان الشعب إلى الدرجة التي جعلته يقبل يائسا بهؤلاء دون أن يشاركهم في مسرحياتهم الهزلية ؟   هؤلاء الذين يُضيِّقون عليه حياته ، ويضطرونه للهروب من وطنه بحثا عن وطن آخر ، أو بحثا عن لقمة عيش أقل ذلا وخوفا وقهرا ؟  

هل استيقن الناس أن إزاحة العسكر من كرسي الحكم هي رغبة أقرب ما تكون إلى الأماني والأوهام والأحلام منها إلى الحقيقة والواقع ؟

هناك – لاشك – من سيطر عليه هذا الوهم ، لكن هناك  - في مقابله – من هو على يقين أن الصمود في وجه العسكر ، وقوة العزيمة في المواجهة ،  والثبات أمام دباباته  ومدرعاته وقنابله ومدافعه وسجونه ومعتقلاته هي ثمن طبيعي مقابل رحيله عن حكم البلاد إلى غير رجعة .

لا أظن أن الشعب سيصبر طويلا على هذه المهزلة التي تجر البلاد جرا إلى الخراب في كل نواحي الحياة ، وإذا كان الخوف قد منع بعض فئاته من مواجه ظلم العسكر ، فإن الظروف ستجبرهم على كسر ذلك الحاجز ، وعلى النزول إلى الشارع لمواجهة آلة الموت والدمار .

سيتيقن الناس أن الموت أمام قوات الظالم المستبد إنما هو حياة ،

وأن الصبر في مواجهته خير من الصبر على ظلمه ،

وأن الجراح من رصاصات الأمن الذي يواجه مظاهراتهم خير من جراح السياط التي تلهب الظهور داخل زنازين الموت البطيء ،

وأن الموت الذي لا مفر منه خير لهم أن يأتيهم وهم يواجهون الظالم بدلا من أن يأتيهم وهم خاضعون لبيادته .  

على شعوبنا أن تأخذ بزمام المبادرة بيدها ، ولا تقبل أبدا بوكلاء الغرب - من عسكريين وعلمانيين - الذين خدعوه آمادا طويلة .

على الشعب أن لا ينخدع مرة أخرى بالأمنجية الذين  يظهرون بوجه القديس ، ويحملون قلب إبليس ، فالإسلام لم يكن يوما جلبابا قصيرا ولحية طويلة وتحريما للحلال والمباح ، وتبريرا لكل جرائم الحاكم السفاح .

على الشعب أن يثق فيمن قدم التضحيات من أجله ومن أجل الوطن ، ودفع – مقدما – الثمن من دمه وماله .              فهل سيستجيب الشعب ؟