د. محمود مسعود 
 
يسألك كل من يلقاك من زملاءك مصريين وغيرهم ممن يحمل هم الأمة أو من يدعيه، سؤال واحد وهو: ما الحل؟ والأغلب يسأل تنفيس هم وغم ليس إلا، والقليل يسأل باحثا عن حل حقيقي بل البعض يسأل استهتار واستهزاء. لذا سنحاول أن نبين أسباب الاخفاقات الأولى للثورة وكيف يمكن تلافيها في القريب العاجل. وفيما أتصور أنه ليس سبب اخفاقات الثورة المصرية تركيبتها الشعبية ولا الحركة الإسلامية ولا تمكن نظام مبارك ورجاله في السلطة، إنما هناك عوامل كثيرة أكبر منذ ذلك منها:
أولا : المبالغة
- المبالغة في تمجيد الشعب المصري بعد سقوط الأنظمة وكثرة الادعاءات والفخر الكاذب، فتجد العامل الذي لم يقرأ عن ثورات العالم شيء ظل يتغنى ويقول بُعيد سقوط الأنظمة العربية: هذه أعظم ثورة في التاريخ! بل حتى المنافق الذي كان يتمنى عدم وجودها يقول أنه شارك فيها، بل ربما ذهب ليقول أنه هو نفسه من صناعها وغير ذلك. عموما الثورة على ضعف مكوناتها الفكرية هي جزء من الحل مهم لكنه لم يكن ليكفي وحده لذا كانت مبالغتنا سبب من أسباب الإخفاق. كما أننا بالغنا في تمكن النظام السابق وأنه سبب ضياع الثورة وهذا غير صحيح  فالحرس القديم ممن حكمنا وتمتع بخيرات البلاد زمنا أضعف مما تخيلنا بكثير فلولا دبابات العسكر للفظهم التاريخ بأقل مجهود وأسرع وسيلة، كما بالغ بعضنا في التواكل على الإخوان المسلمين وأنهم قوة لا تقهر وأنهم قادرون على استمرارا نجاح الثورة وحدهم والحقيقة أنهم لا يملكون أكثر من الصمود وليس من منهجهم التغير الجذري ولا الحلول السريعة ولن يفكروا في امتلاكها قريبا لكونهم مرتبطين بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في زمنه لا في زماننا! بل الربيع العربي كله هو مجرد كاشف للعوار وليس لدى الربيع العربي شيء من الحلول حتى لو تصالح مع الأنظمة القديمة وتنازل عن دمائه وضمم جروحه إلا في الصبر ومواصلة المجهود.
- ثم الوهم بأننا أعظم شعوب الأرض، وهنا تاريخ طويل من الوهم سكن الأمة. يقوم هذا الوهم على مسلمة هي أننا أفضل الشعوب وأكرم البشر مع أن القرآن لم يذكر لنا ذلك (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ونسينا أن المشكلة فيمن يقود الأمة في مجال الفكر(الأزهر والكنيسة والمثقفون والإعلاميون وأساتذة الجامعات ومعلمي المدارس وخطباء الجمع وأئمة الشاشات) فهم سبب هذا الوهم، (فهل أرادوا أن يزكوا الوهم أم هم أنفسهم أجهل من ذلك فساقهم عدوهم للقضاء على أمتهم وهم غارقون في هذا الجهل!!) لكن هؤلاء قلة لا تعمل وحدها، لكنهم استطاعوا جزب قطاع كبير من الشعوب يحبونهم ويسمعون لهم أكثر من سماعهم القرآن الكريم وتاريخ الأمم وينعمون بوهمهم.
ثانيا: الثورة حملة مشروعا واجهه أصحاب المشاريع الأخرى، فهل نبصر؟ 
فهل تخيلنا يوما أن يقف الغرب مكتوف الأيدي لتنجح ثورات الربيع العربي ثم تحل محل مشروعه؟! فالغرب قديما خرج من أزمته (القرون الوسطى) على حساب أزمتنا، فهل نعرف ذلك جيدا وندرسه؟ أم نتغنى بحضارة أوربا وتركها الدين ونحلم بذات الحلم (حضارة بلا دين)!!: فمنذ سليمان القانوني 1566م وحتى سقوط الخلافة 1924م أكثر من ثلاثة قرون من العمل المتواصل هناك انتهي بشعوب لا قيمة لها (عندما كان سليمان القانوني يحكم) إلى أن تكون هذه الشعوب سادة الدنيا (البرتغال هولندا انجلترا فرنسا روسيا وأمريكا). فهل نعلم أنهم عملوا على تصدير مشاكلهم لنا لكي ينجحوا؟ (الحروب الصليبية ثم الاستعمار) فلا حل إلا بتصدير المشكلة ولما كانت عاطفة الإخوان رغم الإحن تمنع تصدير المشكلة للغرب، فلابد من جيل يصدر المشكلة للغرب ولا أقصد داعش، بل داعش هي تصدير جديد من الغرب للمشكلة إلينا لتظل عندنا، فمثلا هؤلاء الشباب المسلمين الغربيين الذي انضموا إلى داعش كان يمكنهم أن يكونوا أزمة خانقة يضطر الغرب أن يتصالح معنا لإجاد حل، لكنه صدر المشكلة بعيدا عنه.
ثالثا: عاطفة الشرقي وأخلاقه أيضا هي سبب للأزمة وليست للحل
 فالشرقي يكره الدماء ويخشى المسؤولية نحوها وتعظيمه المبالغ لرجل الدين كان سببا في الأزمة وعدونا يعرف ذلك، لذا ظل يقتلنا دون أن نقتله ولهذا سينج الثوار في سوريا قريبا وفي ليبيا واليمن وستتأخر مصر قليلا. فعندما شنق الفرنسيون في ثورتهم بعض رجال الدين كانوا يدركون أن المنظومة الفكرية أكبر أثرا من المنظومة الحاكمة، رغم علمهم أن رجال الدين لا يحكمون حقيقة هناك. آه لو تم سحل سبعين من دعاة الفتنة ممن يمسك الميكرفون من علماء دين مسلمين ونصاري وإعلامين لانتهت الأزمة، لككنا عكس ذلك شاركناهم الوجود وطلبنا مساعدتهم في حل الأزمات البسيطة حسان يجمع تبرعات ويحل مشكلة الكنيسة وهو من كان يدعم استمرار الوهم جيلا كاملا وموظف الأزهر أو شيخه لو سُحل لقاد الازهر رجل يوقف بوق النظام في كل قرية ونجح وقناة ومحطة. فما سمعنا صوتا إلا مع الحق لكننا أعطينا الباطل وجودا حمى الانقلابين وأعانهم على ضرب الثورة فيما بعد!
رابعا: الفقراء.
 فقد استغلهم رجال المال ليكونوا في صف الثورة المضادة فاشتروا نزولهم الشوارع ضد من جاء يسعفهم ويعطيهم خيرات بلادهم، فكنا مخطئين في تقدير الموقف حينها، لأننا أردنا أن نحافظ على المال العام، والصواب كان يجب أن تترك لهم الفرصة ينهبوا من المال العام  ما يكفيهم حتى اذا ذهب المال بعيدا عن أيدي محتكريه طلبنا فقراءنا بجزء منه لإعادة البناء فيترك لهم ما يسعف جوعهم ويعطوا ما نقوم به البلاد، لكن الثورة المضادة هي التي فتحت لهم خزائن المال العام سرا فأعطوهم بضعة قروش ثم جباه الانقلاب منهم في غضون شهور قليلة.
فكان الحل يكمن في هذه  النقاط الأربع لكنها ولت!!!! وهو تواضع الثوار بأن ثورتهم في طور الإعداد وليس الانجاز وتصدير المشكلة إلى الغرب ولا أدري كيف؟ ومنح الفقراء الفرصة لنهب خزائن سويرس وأمثاله ونبذ علماء الدين والإعلاميين الذين يقفون مع الثورة المضادة قبل القضاة والعسكر والشرطة. فلما لم يتم ذلك وجبت حلول تناسب ما بعد فوات الفرص، فلكي تنجز ثورات الربيع العربي مهمتها العظيمة خلال أقل من عقد من الزمان لتضيف معجزة إلى تاريخ المسلمين فهل يجب علينا أن نعين حاملي السلاح أولا في (سوريا وليبيا واليمن) ونترك لسلمية المصرين وقتا في انجاز مهمتها وستنجزه يقينا، لكن بعد وقت الله يعلمه، أم أن هناك وسائل غير ذلك، هذا ما سنجيب عليه في المقال القادم بمشية الله تعالى.