خميس النقيب :

إن إعمار الأرض وتطوير الحياة  مهمة المسلم  يتعبد بها  لله  ،  تسخير سنن الله وكشف القوانين المؤدية للفلاح والنجاة ،  تطوير الحياة ، واعمار الارض والارتقاء بعيش الإنسان .. كلها واجبات على المسلم وهي من حسنات الدنيا التي ندعو الله أن يؤتينا إياها  "  ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار  " البقرة .. فمجمل هذه الأعمال  هي من العمل الصالح ومن يمارسه سوف يرث الأرض أي يتحكم بها وبقوانينها المسخرة وخيراتها المحضرة  بل ويحكمها بشكل غير مباشر .. لكن هناك من يحول بين تحقيقها عند المسلمين  العرب من الفاسدين والمستبدين  والحال ابلغ من المقال  .. !!  المسلمون فتحوا البلاد وارتقوا بالعباد قديما مع الانبياء والمرسلين والصحابة والتابعين  ، وحديثا في ارض العثمانيين عملوا - بمنهج الله - في تطوير الحضارة واعمار الارض وارساء العدل .!! 
قد يغلب على الأرض جبارون وظلمة وطغاة . وقد يغلب عليها همج ومستبدون  وغزاة . وقد يغلب عليها كفار فجار يحسنون استغلال قوى الأرض وطاقاتها استغلالا ماديا تخريبيا . . ولكن هذه ليست سوى تجارب الطريق . اما الوراثة الأخيرة هي للعباد الصالحين , الذين يجمعون بين الإيمان والعمل الصالح . فلا يفترق في كيانهم هذان العنصران ولا في حياتهم ولاحتي في خاطرهم رغم كثرة المكائد و غياب المساعد! 
لذلك استخلف الله آدم في الأرض لعمارتها وإصلاحها , وتنميتها وتطويرها , واستخدام الكنوز والطاقات المرصودة فيها  واستغلال الثروات الظاهرة والمخبوءة  ولبلوغ بها إلى الكمال المقدر لها في علم الله .
 ولقد وضع الله للبشر منهجا كاملا متكاملا للعمل على  هذه الأرض... !!  منهجا يقوم على الإيمان والعمل الصالح    لاعمار الارض وتطوير الحياة ..!! 
هنا لوحة اخري بديعة يرسمها القران الكريم توضح مصير اقوام عبدوا غير الله  فخربوا بلاد الله واهانوا عباد الله وكثير ما هم ...!!  واخرين عبدوا الله مخلصين  فضحوا باموالهم من اجل بلاد الله وبذلوا ارواحهم من اجل عباد الله وقليل ما هم   !! الفريق الاول عبدوا الجاه والسلطان،  عبدوا المال والحسان،  عبدوا الذات والذوات،  عبدوا الكاس والطاس،  عبدوا الحجر والشجر،  عبدوا كل ذلك من دون الله فكان جزاؤهم انهم حصب جهنم والعياذ بالله ..!!  انهم انحازوا للقوة الجانحة فايدوها  ، وانقادوا للفتوة الباطلة فعبدوها  ، ظهر ذلك جليا مع مشركي قريش ولازال يصدر عن مشركي العرب الي ان يرث الله الارض وما عليها ..!! لذلك كان جزاؤهم عند الله عظيم وعقابهم عند المعبود الاحد اليم .. كيف؟  "   إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم  "  قال ابن عباس: أي وقودها، يعني كقوله: "  وقودها الناس والحجارة"  . وفي رواية قال:  "حصب جهنم "  يعني حطب جهنم ""وهو قول مجاهد وعكرمة وقتادة"
ثم ياتي الحديث عن الفريق الثاني ... الذين يعبدون الله حق عبادته،  ويوحدون الله حق توحيده،  ويشكرون الله حق شكره ..!! الذين لا تزلزلهم ابتلاءات ولا تزعزعهم معوقات،  ولا تتزحزحهم عقبات عن عبادتهم لله، وتطوير الحياة  يحقون الحق ويبطلون الباطل ولو كره المشركون .!! ينصرون الحق ولو علي حساب حياتهم،  جزاؤهم عظيم عند ربهم،  الحسني سبقت لهم، والكرامة سيقت اليهم،  وملائكة الرحمن تتسابق لتهنئهم  ، عمروا الارض وطوروا الحياة وبلغوا النجاة  خاصة يوم لقاء الله  .!!  كيف؟  " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " قال عكرمة: الرحمة، وقال غيره: السعادة  " أولئك عنها مبعدون ". لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم باللّه، عطف بذكر السعداء من المؤمنين باللّه ورسوله، وهم الذين سبقت لهم من اللّه السعادة وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا كما قال تعالى:  " لذين أحسنوا الحسنى وزيادة " ، وقال:  " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "  ، فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن اللّه مآبهم وثوابهم ونجاهم من العذاب وحصل لهم جزيل الثواب، فقال:  "  أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها "  أي حريقها في الأجساد، عن أبي عثمان { لا يسمعون حسيسها} قال: حيات على الصراط تلسعهم، فإذا لسعتهم قال حس حس، وقوله: { وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} فسلمهم من المحذور والمرهوب، وحصل لهم المطلوب والمحبوب. قال ابن عباس: { أولئك عنها مبعدون} فأولئك أولياء اللّه يمرون على الصراط مراً هو أسرع من البرق، ويبقى الكفّار فيها جثيا، 
 "  لا يحزنهم الفزع الأكبر " قيل: المراد بذلك الموت، قاله عطاء. وقيل المراد بالفزع الأكبر النفخة في الصور، وقيل: حين تطبق النار على أهلها، قاله سعيد بن جبير وابن جريج، وقوله:  " وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون "  يعني تقول لهم الملائكة تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم  " هذا يومكم الذي كنتم توعدون " أي فأملوا ما يسركم.
قال تعالى  " و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون * إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين  " الانبياء 
الصالحون من عباد الله يرثون الأرض ـ وهذا البلاغ ..ليس للكافرين أو المنافقين !! بل للعابدين .. 
الاعداء سوقوا المسلمين انهم ارهابيين،  وسوغوا الاسلام انه دين قتل ودماء وارهاب،  وهم لا يملون في امداد المتطرفين وابقائهم وتدريبهم لتمرير اهدافهم وتحقيق اغراضهم في تشويه الاسلام  وابادة اهله  ، والا فانظر الي بورما وسوريا واليمن والعراق وغيرهم في طول الارض وعرضها ..!! لذلك لا تعجب عندما يعملون علي وأد الاسلام وشطب المسلمين ..!!  قبل سنوات قال رئيس وزراء إيطاليا السابق ( بيرلسكوني )  : اذا شطبنا كل المسلمين عن الخارطة فإن العالم لا ينقصه شيء ! القليل من رأى في قول هذا لحاقد نظرة صحيحة ـ وفقا لمقاييس الحضارة المادية ـ ووفقا لثقافة الماديين ، فالأرض وسكانها اليوم بحاجة إلى امريكا واوربا واسرائيل اكثر من حاجتهم إلى العالم الإسلامي .. لأنهم هم من طوروا بالتكنولوجيا حياة الإنسان وتشخيص أمراضه وعلاجها ويسروا له وسائل الاتصال والتواصل والأجهزة والمعدات والمصانع .. أما نحن المسلمين فلم نقدم شيئا على صعيد ( الحضارة المادية ) اللهم الا العراك والجدال والخصام والحقد والانقسام - الا ما رحم ربي -   فكيف يحتاجنا العالم ويفتقدنا فعلا فيما لو قام (الحاقدون  ) بشطبنا من الوجود ..!! 
وراثة الارض للصالحين العاملين لا للفاسدين المخربين ( الأرض يرثها عبادي الصالحون ) ـ والتنبيه للعابدين المكتفين بالعبادة !! بل هو بلاغ للعابدين كما جاء في الآية الكريمة .. أن انتبهوا فالعبادة شرط لازم غير كاف ويجب أن تقترن بالصلاح والعمل الصالح الدؤوب .. وهذا العمل الصالح ليس مقبولا إن لم تسبقه وتلازمه ( عبودية لله ) فالله عز وجل لم يقل ( يرثها الصالحون ) بل ( عبادي الصالحون ) . العباد الذين ينتفع بهم ( عيال الله ) .. ( والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ) كما جاء في الحديث الشريف .
 
الاسلام منهج حياة ومشروع فلاح ونجاة،  لكن من يطبق المنهج وياخذ باسباب النجاة والفلاح؟  هل هم الفسدة القتلة؟ ! كلا  !! هل هم الكفرة الفجرة ؟ !! كلا  !! هل هم الارزقية والمصلحجية؟ !! كلا  !!   هل هم البغاة العملة او العراة الثملة؟ !! كلا  !!  حيثما يجتمع في القلب ايمان بالله ونشاط العمل في الحياة فان هذه الامة هي الوارثة للأرض في أية فترة من فترات التاريخ . ولكن حين يفترق هذان العنصران فالميزان يتأرجح . وقد تقع الغلبة للآخذين بالوسائل المادية كما هو حاصل الان،  حين يهمل الأخذ بها من يتظاهرون بالإيمان , وحين تفرغ قلوب المؤمنين من الإيمان الصحيح الدافع إلى العمل الصالح  ،وإلى عمارة الأرض  ، والقيام بتكاليف  اعمار الارض وتطوير الخياة علي منهج الله .
منهج الاسلام ليس حكرا علي احد بعينة او مجموعة بعينها او دولة بعينها  ! ! من يملك الايمان الصحيح والاخلاص العميق والعمل الصالح الدقيق فهو يحقق رسالة الوجود بمراد الله،   وما على أصحاب الإيمان إلا أن يحققوا مدلول إيمانهم  وهو العمل الصالح  ، النهوض بتبعات المهمة ليتحقق وعد الله  ، وتجري سنته: *أن الأرض يرثها عبادي الصالحون*. . فالمؤمنون العاملون  علي بلوغ هذه المهمة هم العباد الصالحون والزهاد العاملون ..!! 
اللهم اعن المسلمين علي تحرير العباد  واعمار الارض  وتطوير البلاد ...