بقلم : إسماعيل إبراهيم

الإعلام من أخطر الوسائل التي تؤثر في الإنسان، إن لم يكن أخطرها على الإطلاق، لا سيما في عصرنا الحاضر، تؤثر في عقله وفكره، و تؤثر في وجدانه ومشاعره، و تؤثر في إرادته واتجاهه.

ولمعرفة الحكام عامة، والفاسدين والظالمين منهم خاصة بهذه الحقيقة، يعملون دوما على تسخير وسائل الإعلام لخدمتهم: الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، مع تركيزهم على المرئي منه، الذي يدغدغ العواطف، ويثير الغرائز، ويسوق الإنجازات الموهومة لهؤلاء الحكام، فيصورهم بالكذب والتزوير أنهم أبطال، وعباقرة، ومصلحون، ولم يَجُد الدهر بمثلهم! 

ويبلغ إبداعهم في الكذب منتهاه في وسائل الإعلام، حين تصور الكذاب صادقا، والصادق كذابا، والأمين خائنا، والخائن أمينا، وحين تأمر بالمنكر، وتنهى عن المعروف، وتزين الحرام، وتنفر من الحلال، وتدعو للمعاصي، وتجرئ عليها،  وتخلع برقع الحياء، وتقنع البسطاء بما هو خلاف الواقع تماما. 

ولا يقتصر دور وسائل الإعلام على الجانب السياسي فقط، بل يتعداه إلى الجانب الديني، فهي تعمل عملا متواصلا على سحق الدين، واجتثاث جذوره، والهجوم على المفاهيم الإسلامية، والسنة، والصحابة، حتى يفرغوا الدين من محتواه، ويشغلوا الجماهير التائهة عن المصائب والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بالقضايا التافة، والأمور السطحية، وما يريده الحاكم فقط.

يصدق في أمثال هؤلاء - أصحاب الألسنة الطويلة بالكذب – قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر من الأرض"!! فهؤلاء يأكلون بألسنتهم، ويجعلون النفاق والكذب والزور والشتم ونحوه طريقا لأكلهم الأموال، ولا يميزون بين الحلال والحرام، كما لا تميز البقرة في رعيها بين رطب ويابس وحلو ومر.

إن هيمنة الطغاة والمستبدين وأعوانهم من اصحاب الأموال القذرة على وسائل الإعلام، حولها إلى أدوات للكذب والتضليل والتفرقة بين المواطنين، فهو لا لا يهدف إلا المحافظة كراسي الطغاة، ومصالح رجال الأعمال، المرتبطة مصالحهم مع هؤلاء الحكام، في زواج محرم بين السلطة المستبدة والمال الحرام، وبعض وسائل الإعلام يمتلكها ويديرها رجال المخابرات والأمن بأنفسهم.

وقال الأستاذ العقاد قديما- في مقال له في أخبار اليوم عام 1964م (علمتني الصحافة) : (وآخر ما علمته من الصحافة أن جماعة الصحفيين قد أقاموا أنفسهم من الجمهور مقام الكهان الأقدمين من أربابهم الأولين. يدَّعون عليهم ويقولون بألسنتهم ويفترون على نياتهم وأسرارهم ما هم منه براء، وما ليس للأرباب المظلومين بمقصود في العلانية ولا في الخفاء. وكثيرًا ما رأينا كهانًا للجمهور هم أجهل الناس بحقيقة الجمهور!). 

رحم الله العقاد فكيف لو عاش في زماننا!!