التضحية لغة مصدر ضحَّى، يقال: ضحَّى بنفسه أو بعمله أو بماله: بذله وتبرع به دون مقابل. أمّا اصطلاحاً فهي بذل النَّفس أو الوقت أو المال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ، والمرادف لهذا المعنى: الفداء. ومن معانيها: البذل والجهاد.


التضحية عند الإمام البنا

يقول الإمام البنا في تعريفه لمفهوم التضحية: (وأريد بالتضحية: بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية، وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه، ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم {ِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ}.(التوبة: 111)، {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.(التوبة:24)، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. (التوبة:120)، {َإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}. (الفتح:16) . وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا).

وحدَّد الإمام البنا صورة وملامح الشخصية المضحية  في طريق التربية والدعوة، فقال: (أستطيع أن أتصوَّر المجاهدَ شخصًا قد أعدَّ عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدًا، إن دُعي أجاب، أو نودي لبَّى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلُّك على ما يضطرم في قلبه من جوًى لاصقٍ وألمٍ دفينٍ، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهمَّة عالية وغاية بعيدة. من هنا وجب على العاملين أن يشمروا عن سواعدهم، وأن يتخففوا من أثقال هذه الدنيا، وأن يعيشوا حياتهم عزيزة كريمة من أجل قضية كبيرة وغاية عظيمة، وأن يعلموا أن نجاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة مرهون بما قدموه لدينهم ودعوتهم).

بين التضحية والجهاد

 

يعلِّق الأستاذ سعيد حوى – رحمه الله- حول هذا المعنى، فيقول: “هناك فارق إلى حد ما بين الجهاد والتضحية فأحيانًا يتطابقان وأحيانًا يتكاملان؛ ولذلك اعتبرهما الأستاذ الإمام البنا ركنين، فقد يجاهد المجاهد حتى إذا جاء دور بذل الروح تردد، وقد يجاهد المجاهد بالوقت ويضحّي بالمال ولكنَّه لا يضحّي بالحياة، ومن ثمَّ أدخل الأستاذ البنا التضحية بالنفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في هذا الركن، إنَّه حيث وجد جهاد وجد نوع من التضحية غير أنَّ الجهاد الكامل لا يكون إلاّ إذا وجدت تضحية كاملة، وإنَّ ميزان هذا الركن هو أن يبذل الإنسان نفسه وماله ووقته وحياته من أجل تحقيق الأهداف في سبيل الله”.

هل لك نصيب؟

وكما تكون التضحية مأجورة، فإنَّ القعود عنها والتقصير في أداء متطلباتها إثمٌ يحاسب عليه الفرد المسلم، وفي هذا يقول الإمام البنا: (من قعد عن التضحية معنا فهو آثم). ويقول: (يا أخي، إنَّما تنهض الأمم بالتضحية وتقوم الدَّعوات على الوفاء، فإن كنت تعيش لأمتك فضح فى سبيلها، وإن كنت مؤمنًا بدعوتك فاجتهد في الوفاء لها).

تلك هي التضحية المطلوبة.. وهذه منزلتها العالية.. وذلك عظيم أجرها، وكذلك إثم القاعدين عنها.. فأعدوا للأمر عدَّته.. واجعلوا الدَّعوة في المقدّمة دائماً، وكيّفوا كلّ شيء لها، وطوّعوا كل شيء من أجلها، وجندوا في سبيلها أنفسكم وأموالكم وأوقاتكم وأعمالكم وكل شيء عندكم، وستعترض طريقكم عقبات كثيرة.. تحاول تثبيط وتوهين عزيمتكم.. فلا تهنوا ولا تضعفوا، قال الله تعالى:{ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.(التوبة:1

المصدر : موقع بصائر