بقلم: عبده مصطفى دسوقي باحث تاريخي

كانت الانتفاضة الطلابية في فبراير1968 هي أعلى الأصوات تعبيراً عن الاستياء العام في أعقاب هزيمة 1967. وكان الطلبة الذين استمروا في صمتهم السياسي من 1954 حتى 1967 هم رأس الرمح في السخط الجماهيري .

كما كانت عودة النشاط الطلابي إلى الظهور جزءاً لا يتجزأ من الضغوط العامة على النظام من أجل تغيير طبيعة السياسة المصرية وذلك بالسماح بدرجة أكبر من حرية التعبير للقطاعات المختلفة من السكان.

حيث بدأت بخروج عمال حلوان اعتراضا على حكم المحكمة العسكرية في قضية ضباط سلاح الطيران حيث جاءت مخيبة للآمال، وتحرك الطلبة معهم حيث تصادف يوم الطالب المصري يوم 21 فبراير، وشارك في الانتفاضة الآلاف من طلبة الجامعات الكبرى في القاهرةوالإسكندرية، وكان لطلبة كلية الهندسة بجامعة القاهرة دورهم المتميز, حيث كانوا في قلب الأحداث.

إلا أن مطالب الانتفاضة في الواقع كانت أبعد من أن تنحصر في مسألة " الأحكام "، إذ كانت مطالب الطلاب فى شعاراتهم وبياناتهم ومناقشاتهم مع المسئولين الحكوميين تغطى دائرة أوسع كثيراً من القضايا العامة.

وعلى سبيل المثال يعدد بيان الطلبة المشاركين فى اعتصام كلية الهندسة بالقاهرة المطالب التالية:

 

 

  1. الإفراج فوراً عن جميع زملائنا المعتقلين .
  2. حرية الرأي والصحافة .
  3. مجلس حر يمارس الحياة النيابية الحقة السليمة .
  4. إبعاد المخابرات والمباحث عن الجامعات .
  5. إلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف العمل بها .
  6. التحقيق الجدي في حادث العمال في حلوان .
  7. توضيح قضية المسألة فى قضية الطيران .
  8. التحقيق فى انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة.

لم تكن انتفاضة الطلاب في فبراير1968 إذن مجرد احتجاج على أحكام محكمة عسكرية على مجموعة من الضباط المتهمين بالإهمال.

وإنما كان يفسرها د . فؤاد زكريا:

 

" كانت حركة الطلاب فى 1968 تلخيصاً للسخط الجارف الذي اجتاح البلاد بعد هزيمة 1967 . على أن الروح العامة التي كانت وراء هذا التحرك الطلابي كانت تعبر عما هو أكثر من السخط على الهزيمة. إذ كانت فى الواقع تعبيراً عن عدم الرضا عن أسلوب كامل فى الحكم تعد الهزيمة العسكرية مظهراً واحداً من مظاهره السلبية".

 

لم تؤيد القيادات الطلابية التي قادت انتفاضة فبراير1968 على اختلاف تياراتها الأيديولوجية ادعاء عبد الناصر (من أن عدد الذين خرجوا في انتفاضة فبراير لا يتجاوز عددهم 1500- 2000 طالب وليس 140 ألف)

ولعل أفضل وصف لهذه التيارات هو ما طرحه أحد الطلاب المنتمين للتيار الإسلامي:

 

"بينما كان اليسار واليمين ممثلين بثقل كبير في المناقشات كان الاتجاه الإسلامي غائباً كان الاتجاه اليساري سائداً أما أغلبية فمجموعة قامت تطالب بالحرية والإصلاح بدون منهاج محدد أو فكر واضح كان التحقيق مع المعتقلين يستهدف معرفة الاتجاه الذي وجه الحركة ..
كان واضحاً من أسئلة المحققين تخوف السلطة من تحرك اليسار .. ونلمس ذلك من سؤال الطلبة المعتقلين عن رأيهم في الخلاف العقائدي بين الاتحاد السوفيتي والصين .. رغم ضيقي من عدم التزام قيادة الحركة بالاتجاه الإسلامي ..
فالحق يحتم على أن أقرر أن حركة 68 كانت الحركة الوحيدة التي التف حولها الطلبة بمختلف اتجاهاتهم . واستمرت نظيفة طاهرة حتى نهايتها وقد كان السبب الرئيسي في ذلك هو بعدها عن تأثير الاتجاهات المذهبية المختلفة.
لكن ما كادت الشهور تمر هادئة حتى اندلعت انتفاضة أخرى في نوفمبر1968م بمناسبة إعلان قانون جديد للتعليم يحد من العرف القائم الذي يسمح لطلاب المدارس الثانوية بدخول الانتخابات لأي عدد من المرات، وقد بدأت الانتفاضة نوفمبر1968 الطلابية فى مدينة المنصورة .
حيث خرج طلاب المدارس الثانوية بالمدينة إلى الشوارع فى 20 نوفمبر احتجاجاً على القانون إثر نشره بالصحف فى اليوم السابق، لكن نطاق المظاهرات اتسع وشارك فيه عدد كبير من الطلبة. (1)

 

كانت انتفاضة عام 1968م هي تنفيس عما في صدور الطلبة من الكبت الذي ظلوا يعيشون فيه منذ اندلاع ثورة 23 يوليو، وكانت سببا في تغيير الخريطة السياسية تحت ضغط الطلبة في وقت كانت الخريطة السياسية لا تتغير إلا وفق إرادة الحاكم الفرد.

المراجع

(1) مصطفى الفقي: مجلة الطليعة، مايو 1969م، ص 44‬،ص 200