كتب - محمد الشبراوي :

 
عام مضى على صفحة حالكة السواد فى تاريخ مصر الحديث سطرتها يد الإنقلاب الملطخة بدماء زكية لشهداء النهضة ورابعة العدوية. لتسترجع مصر مرارة أحزانها على آلاف الشهداء من خيرة أبنائها غدرت بهم يد خلعت كل دين وشرف وإنسانية لكن حسبهم  شرف الشهادة من أجل دين ووطن وكرامة وحرية. غير أن سؤالا ملحا يردده الكثيرون  بعد مضي عام على مذبحة الشهداء ألا وهو أين حقوق هؤلاء الشهداء؟
 
حقيقة تاريخية لابد أن يدركها الجميع  وهى أن طريق الحرية يمهده الشهداء بدمائهم وتضحياتهم فلم يعرف التاريخ أمة  دحرت أعداءها وتملكت إرادتها بغير تضحيات أبناءها، بأرواحهم قبل دمائهم وشهداء رابعة والنهضة ونحسبهم كذلك كانوا الطليعة المتقدمة فى معركة إسترداد مصر لحريتها وإرادتها وهم بإذن الله عند ربهم أحياء يرزقون.
غير أن مرور عام على فض رابعة والنهضة دون إتخاذ ثمة إجراء تجاه من ولغوا فى دماء المصريين يضع أيدينا على حقائق تحتاج الوقوف عليها وهى.
 
• أن نظام الإنقلاب منذ اللحظة الأولى لأول قطرة دم من شهيد قد بيت النية على طمس الحقائق وإفلات الجناة من  العقاب فعملية القتل كان عملية مؤسساتية أدارتها مؤسسات النظام؛ فاجتهدت سائر المؤسسات عبر من يديرونها فى طمس معالم الجريمة والإفلات من العقاب.
 لذلك فمن غير المتصور أن تنتظر ممن أجرم وانتهك حقوقا إنسانية تقديم دليل إدانته والحكم على نفسه.
 
. فى مصر أنشأ النظام مجلسا لحقوق الإنسان !؟ غير أن شواهد الواقع الدامغة تشير إلى  أن مايسمى (المجلس القومى لحقوق الإنسان) لا يعدو كونه مجلسا ديكوريا وأن سائر ما يمكن أن يصدر عنه بخصوص ضحايا الفض أو غيرهم هو بناءا على توجيه النظام ليصب  فقط فى تبريد حالة السخط العام والإلتفاف عليها ولن يؤدى إلى فعل ملموس  على أرض الواقع.
 
•كذلك فإن حالة الترنج التى تعيشها مؤسسات العدالة فى مصر والتوحد بينها وبين نظام الإنقلاب فى معركته لإستئصال رافضى الإنقلاب تقطع الطريق على فكرة تحصيل حقوق الشهداء عبر مؤسسات نالت شواهد الواقع منها وتضاءل الأمل فى حياديتها ومصداقيتها.  
• وعلى جانب آخر فقد تم التحرك على مستوى دولى وإقليمى من أجل الدفع نحو محاكمة قادة الإنقلاب غير هذا الأمر وإن كان له  بعض الأثر فى جانب التعريف بحقيقة الجرائم المرتكبة ويوسع قاعدة التعاطف على مستوى الشعوب ويمثل نوعا من الضغط على قادة الإنقلاب إلا أنه لن ينتج أثرا على أرض الواقع بمحاكمات فعلية تنتصر لحقوق الشهداء لأسباب عديدة منها.
-أن المحكمة الجنائية الدولية التى يراد تحريك هذه القضايا أمامها تهيمن عليها الدول الكبرى راعية المشروع الصهيونى والتى رعت ومهدت للإنقلاب فى مصر.
- أن فض رابعة والنهضة  والتعامل الوحشى مع الشهداء ماكان ليقدم عليه النظام لو لم يكن هناك ضوء أخضر دولى وقد رأينا أن كل زيارة لممثلة الإتحاد الأوربى (آشتون) كان يعقبها تصعيد فى أعداد الشهداء والجرحى.
- أن سائر ماتم  توثيقه وتقديمه لهذه المحاكم الدولية سوف يسخر لمزيد من الضغط على قادة الإنقلاب لتحقيق المزيد من المصالح للمشروع الصهيونى فى مصر والمنطقة  والواقع والأحداث تؤكد ذلك.فلقد صنعت جرائم الإنقلاب حالة ونموذجا فريدا لنظم الحكم الخاضعة للضغط والهيمنة والتى تسعى أمريكا وحلفائها ومشروعهم الصهيوني دوما إلى تخليقها من أجل السيطرة على الدول والشعوب والسيسى ونظامه أقصى ما كان يتمناه هؤلاء. 
-أن تاريخ المحاكم الدولية يؤكد على أنها فقط أدوات لشرعنة عقاب من لا يتوافقوا مع المصالح الأمريكية الأوربية والمشروع الصهيوني ( لرئيس السوداني والرئيس الصربي وشارون نموذجا) بينما نظام الإنقلاب يعيش أعلى درجات التوافق بل الإنصهار مع الإستراتيجية الأمريكية والصهيونية.
- لذلك فإنه يعد خطأ إستراتيجيا فى مشروع مناهضة الإنقلاب التعويل على مثل هذه المحاكمات لإزاحة الإنقلاب. 
 
وهنا يثور سؤال إذا ماهو الطريق  لحفظ حقوق الشهداء؟
تجارب الشعوب فى القرن الماضى تقودنا إلى الإجابة فتجربة  تركيا( المؤسسة العسكرية) وتجربة تشيلى (بينوشيه) مثالان من بين الكثير من الأمثلة ويوم أن أسقطت هذه الشعوب جلاديها حاكمتهم وانتصرت لدماء شهدائها.
لذلك فالإجابة الشافية  تتلخص فى العمل المستمر لدحر الإنقلاب مما يؤدى لمحاكمة من انقلبوا على إرادة الشعب وسفكوا الدماء. فدحر الإنقلاب هو السبيل الوحيد لحفظ حقوق الشهداء ،وعندما تعود للشعب حريته المسلوبة سيُمضي إرادته ويحقق عدل الله فى الإنتصار للحق ولدماء الشهداء.
لقد أثبتت شواهد التاريخ  أن الشعوب التى عاشت تجارب إستبدادية لم تسترد حريتها وتنتصر لدماء شهدائها إلا بعد أن دحرت مستبديها.فالعدل لا يرجى من ظالم والحرية لا تطلب من مستبد.
 
( إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة ولا يقيم دولة الظلم ولو كانت مسلمة).