بقلم: عبده مصطفى دسوقي باحث تاريخي

 مقدمة

 

 بعدما قدم الكثير من الإخوان أمام محاكم عسكرية وقضاة لا يعرفون مهام القاضي لكنهم كانوا يجملون قرارات سياسية صادرة عن القيادة السياسية تخدم مصالحه فقط، ومن ثم حكم على البعض بالإعدام وعلى آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة.

 

لم يكتف النظام بذلك بل عمد إلى اسر الإخوان فضيق على أبنائهم وزوجاتهم وذويهم، بل كان يضغط في كثير من الأحيان على الزوجة لطلب الطلاق وإلا تعرضت هي وأسرتها للويل والثبور، ولكي يزيد من ألم الإخوان المعتقلين، ومن كانت تأبي كان ينتظرها التضييق في الرزق، بل كانت تحركاتهم وبيوتهم مرصودة، كل ذلك لكي يدفع أسر الإخوان للانهيار أو الانزلاق في المحظور.

التضحية الصامتة

ما أن رأى كثير من الإخوان الذي لم يشملهم الاعتقال أو يستطع البوليس السري والعلني لعبد الناصر التوصل لهم أثناء حربه على الإخوان بعد حادثة المنشية خاصة الشباب، حتى انتفض هؤلاء يجمعون القروش القليلة التي ربما تسد بعض حاجة أسر الإخوان المعتقلين بهدف الحفاظ على هذه البيوت، وتسابق الشباب والنساء في جمع هذه القروش بل وتعليم زوجات الإخوة المعتقلين بعض الحرب التي تدر عليهم بعض المال، ولقد انتشر الشباب في كل محافظة يجمعون المال ليسدوا حاجة هذه الأسر حتى اكتشف ما يقوم به الإخوان مما زاد من حنك وغضب عبد الناصر على هذه المجموعة خاصة فكانت الأحكام قاسية.

في قلب المحنة

لم تكن محاولات الإخوان القائمين على العمل تأخذ عنصر الحيطة والسرية الكاملة فسهل على الحكومة كشفها ومتابعتها ولم يكن مع كل هذه التنظيمات الثلاثة أي أسلحة على الإطلاق بل لم تكن هناك خطة واضحة أو محددة .. فهي في الأغلب جمع للشتات من شباب الإخوان.

لقد كان عام 1955م حاملا اكتشاف تنظيم وراء تنظيم خاصة التنظيمات التي كانت تساعد اسر المعتقلين، فلم يكن لهذا التنظيم قيادة موحدة ولذا كانت تنظيمات متفرقة في محافظات مصر، فقد اكتشف أولها في يناير ثم تبعها تنظيم مارس ثم يونيو من عام 1955م.

يقول محمد الصروي والذي قام بجمع أسماء هذه التنظيمات فكان مرجعا مهما في حصر بعض الأسماء التي اعتقلت في التنظيم وكان جلهم من الشباب الجامعي.

يقول: كان لقرب المسافة بين اكتشاف تنظيم يناير 1955م وتنظيم مارس 1955م أن اختلطت الأسماء والأوراق ولم أتوصل إلى اسم أي أخ من الأحياء من تنظيم يناير 1955م ولكن بعد الأحكام اجتمعت التنظيمات الثلاثة يناير ومارس ويونيو (1955) في سجن واحد؛

كما أن المحكمة العسكرية التي حاكمت التنظيمات الثلاثة كانت واحدة ... والتهم أيضا كانت واحدة ... وأسباب المحاكمة كانت واحدة بل وكذلك كانت تسعيرة الأحكام هي نفس التسعيرة التي سنتعرض لها في تنظيمي مارس ويونيو (1955م)، ولقد كانت الدوافع لدى الإخوان واحدة وهى مساعدة اسر المعتقلين بالمال .

كان أفراد التنظيم (مارس 55) من تسع محافظات لكن غالبية أفراد هذا التنظيم الذي صدرت ضدهم أحكام كانوا من القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة) ومنهم:

من القاهرة والجيزة:

 

 

الإسم الوظيفة السن
مبارك عبد العظيم عياد طالب علوم عين شمس (18 عام)
إمام سمير ثابت توفيق طالب زراعة عين شمس (18 عام)
عبد الفتاح الخضرى طالب تجارة القاهرة (20 عام)
محمود بسيونى عميرة خريج كلية دار علوم (23 عام)
مصطفى عبد الرحمن طالب ثانوي (16 عام)
زكريا الطباخ طالب إعدادي (16 عام)
حسن إبراهيم طالب بكلية الزراعة ثم صار أستاذا بها (18 عام)
محمود ابو السعود طالب أزهري ثانوي (20 عام)
الشيخ: إبراهيم البلاط خريج جامعة الأزهر (28 عام)
الشيخ: إبراهيم بركة خريج جامعة الأزهر (28 عام)
سعيد البواب ليسانس حقوق ليسانس تربية (26 عام)
طاهر ابو سعدة طالب بدار العلوم (23 عام)
توفيق ثابت محامى (22 عام)
على مرجان طالب أزهري (19 عام)
إبراهيم معوض عامل  
إبراهيم منير طالب حقوق القاهرة (20 عام)
عوض أبو زيد شوشه موظف  
محمود العناني طالب بكلية التجارة  
الشيخ عبد الجواد محرم خريج الأزهر الشريف  
عبد الهادي القصري طالب ثانوي  
يحيى النرش طالب ثانوي  
ممدوح منصور طالب ثانوي (امبابة)  
ممدوح المنوفي طالب ثانوي (مصر القديمة)  
عبد الوهاب السقا طالب آداب  
د. إبراهيم عبد الحميد الصياد طبيب  
د. فاروق عبد الخالق الشافعي طبيب  
د. أحمد عبد الحكيم بشر طبيب  
شحاته هدهد موظف بالسكة الحديد  
عبد الرحمن شفيق معروف طالب علوم عين شمس  
محمد شوقي عبد الوهاب طالب بهندسة القاهرة  
عبد المحسن الشرقاوي خريج حقوق  
محمد عبد الرحمن الفرت صار فيما بعد أستاذا بكلية دار العلوم  
مجدي زهدي طالب بهندسة القاهرة  
إبراهيم دويدار طالب أزهري  
عشيرى عبد السلام طالب بعلوم عين شمس  
حسين عبد السلام طالب بهندسة عين شمس  
عبد السلام الدوداني طالب  

من المنوفية:

 

 

الإسم الوظيفة
سعيد منسي طالب كلية دار علوم
عبد الحميد ماضي أعمال حرة
عبد الحفيظ يوسف مزارع
محمود يوسف مزارع
أبو الفتوح الشيخ طالب تجارة
محمد عبد المجيد عمارة مدرس

من الإسكندرية:

 

 

الإسم الوظيفة
محمد عبد الرحمن منصور معيد بهندسة الإسكندرية صار عميدا لكلية الهندسة
عبد المنعم الوزان تاجر
إبراهيم الوكيل تاجر
إبراهيم درويش عامل بمصنع

من كفر الشيخ:

 

 

الإسم الوظيفة
عبد المنعم الشيخ طالب
محمد كامل محمد عبد الرازق طالب هندسة القاهرة

من الشرقية:

 

 

الإسم الوظيفة
صبري عنتر طالب هندسة القاهرة

من بني سويف:

 

 

الإسم الوظيفة
عبد الرؤوف بدران موظف
عبد الرؤوف كامل مهندس من فلسطين
حسن عبد الحميد صالح خريج آداب
عمر جبارة طالب علوم عين شمس

من القليوبية:

 

 

الإسم الوظيفة
أحمد شعلان طالب ثانوي (استشهد في أحداث 1965)
سلطان حسن سلطان طالب ثانوي

من طنطا:

 

 

الإسم الوظيفة
شفيق شرف الدين طالب أزهري
عبد العزيز سليمان محاسب بنك
محمد مندوه العزباوى صار عضوا بمجلس الشعب (2000 – 2005)

من الدقهلية:

 

 

الإسم الوظيفة
أحمد صالح الغزالي الجبيلي صحفي (ابن عم الحاجة زينب الغزالي)
د. حسام الدين بسيوني طبيب
رجب الخميسي موظف
حسين عبد المعطي طالب (مدرس حاليا)
على حسن عثمان طالب فنون جميلة
كمال عبد النبي كهربائي

من رشيد:

 

 

الإسم الوظيفة
حسن عجلان مهندس

من أسوان:

 

 

الإسم الوظيفة
أحمد توفيق كنزي طالب

من القاهرة:

 

 

الإسم الوظيفة
أنور عواد محامى
على على خليل مصر القديمة
نشأت عبد الغنى صاحب محل أحذية
عبد المجيد عياد صاحب محل أحذية
مكي بدير عامل
عباس فضل الله طالب
فوزي رمضان طالب بهندسة عين شمس
صلاح شلبي طالب أزهري
حسن إبراهيم طالب بكلية الزراعة وصار أستاذا بها حتى بعد
حمدي إبراهيم طالب

من السويس:

 

 

الإسم الوظيفة
الحاج محمود إدريس  
الحاج عباس فرج شيخ أزهر

بعد اعتقال هؤلاء قدموا لمحاكمة عسكرية سرية بلا هيئة دفاع، حيث كان القاضي هو اللواء صلاح حتاته ومعه ضابطان، وكان عدد من قبض عليهم وقدموا للمحاكمة ما بين 250 - 300 فرد، بتهمة قلب نظام الحكم.

ثم بعدها بشهرين قبض على ما سمى بتنظيم يونيو 1955م وكان عدد من قبض عليهم في ها التنظيم ما يقرب من 475 فرد، وكان القاضي أيضا هو صلاح حتاتة، حيث كانت التهمة هي محاولة قلب نظام الحكم ومساعدة اسر المعتقلين، وحسب التحقيقات والمحكمة كانت قيادة التنظيم مشكلة من قيادة التنظيم:

 

 

الإسم الوظيفة الحكم
سليمان حجر صار صار فيما بعد عميدا لكلية التربية الرياضية حكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما
عباس عبد السميع   حكم عليه بالأشغال الشاقة
عبد المنعم سليم جبارة خريج آداب القاهرة وقد حكم عليه بالأشغال الشاقة
أنور رياض    
محمد علي حسن    

وفيما يلي أسماء أفراد التنظيم:

 

 

الإسم الوظيفة
أحمد حامد السيد إدريس مدرس رياضة
محمد على العريشي طالب بكلية التجارة
إبراهيم عبده عيسى مقاول
محمد عبد السلام سلطان مقاول
محمد محمود عبد الحميد خطابي ليسانس حقوق
لطفي طه حسن مهندس
سليمان محمد سليمان براد ميكانيكي
يحيى فارس  
السيد الملاح  
أحمد عبد الله  
على موسى العزب  
عوض عبد المتعال عوض مدرس
عبد المتعال الشامى صار فيما بعد أستاذا بكلية الآداب
أحمد شريف مزارع
عبد الله أحمد حامد تاجر (كبير في السن فوق الستين)
طبيب التنظيم د. مصطفى أبو العنين طبيب
مصطفى عبد الله إسماعيل (المحامي) شقيق قائد سلاح الصاعقة في عهد المشير عامر
محمد أبو نعمة موظف بوزارة الصحة (من شبرا مصر)
مكرم حسن العناني صحفي
محمد عبد العاطي طالب هندسة
فوزي شهاب  
عبد الغفار زكي طالب بكلية الزراعة
عبد الوهاب زكي طالب بكلية الزراعة
كمال عبد العزيز موظف

 

(1)

 

الطلبة ومذبحة طرة 1957م

كان معظم الذين قبض عليهم في محنة 1955م هم من الطلبة، وقد تم تجميعهم والزج بهم في سجن ليمان طرة. وسجن ليمان طره.. بناه الإنجليز عام 1886م كسجن على النظام الإنجليزي، بعد احتلالهم مصر بقليل، في ضاحية طره الملاصقة للقاهرة على كورنيش النيل، وهو أكبر سجون مصر على الإطلاق حتى بداية التسعينات من القرن العشرين... فبعد أن صدرت الأحكام في قضايا الإخوان في 1954 1955 تم توزيع الإخوان كالآتي:

 

 

  1. الأشغال الشاقة المؤبدة ومعهم قيادات الإخوان.. إلى ليمان طره حيث تقطيع الأحجار من الجبال.. والبعض الآخر إلى ليمان أبي زعبل حيث تقطيع البازلت في محاجر البازلت في منطقة أبي زعبل.
  2. شباب الإخوان من (إخوان الخمسات) وإخوان (العشرات) بعضهم إلى سجون بني سويف والمنيا وأسيوط وقنا والقناطر.
  3. المعتقلون أغلبهم بقى في السجن الحربي عامين إلا قليلاً، منهم من نقل إلى سجن مصر وقليلون نقلوا إلى سجن الاستئناف والسجنان الأخيران بوسط القاهرة العاصمة، الأول كان في منطقة القلعة حتى عام (1972م) والآخر لازال في منطقة (باب الخلق).

ظل الإخوان يقطعون الحجارة في الجبل حوالي ستة أشهر كاملة.. إلى أن جاء قرار الحكومة بنفي جميع القيادات إلى الواحات الخارجة في سجن الصحراء. (2)

يقول حسن دوح (أحد شهود المذبحة):

 

وقعت مشاحنات بسيطة بين بعض شبابنا وبين ضابط فقط اسمه عبد اللطيف رشدي «هذا الضابط قتل في حادث لا أذكر سببه» وقد جوزي الذين اختلفوا مع هذا الضابط ولكنه حمل في صدره لهؤلاء الشباب حقدا غذاه كبرياؤه الكاذب، وضابط آخر كانت له مناوشات مع شباب الإخوان،
وذلك لأنه كان يفاضل بين معاملة الجواسيس اليهود وبين الإخوان فلما احتج الإخوان غضب وعاقبهم وسجنهم وضابط ثالث كان همه أن يدفع عن نفسه تهمة أنه كان في يوم من الأيام من الإخوان وليس أمامه من وسيلة إلا تأذي الإخوان والإيقاع بهم وإثارة الفتنة فيما بينهم ..
وضابط رابع كان مريضا في نفسه مجروحا في كرامته يشعر بحقارة نفسه وقد وجد الفرصة ليفرغ هذا الحقد في آخرين لتكون له شخصيته ومكانته... ننتقل إلى صورة أخرى كان بالسجن جواسيس يهود وكان بعض الضباط يفضلونهم علينا في المعاملة لأسباب سرية فلما طلبنا مساواتنا بهم أسمعنا مطلبنا هذا لخارج السجن خشي المسئولون عن السجن على مستقبلهم فاشتد حقدهم علينا..
وكان في السجن زوج ممثلة مشهورة وهو وزوجتنه كانا متهمين بالاتجار في المخدرات وبعد أن تم الإفراج عن الممثلة تولت رعاية زوجها فكان مدللا بالسجن وكنا نطالب أن نعامل مثل هذا السجين وكانت إدارة السجن تغضب من مطالبنا هذه... وكل هذا الغضب والحقد كان يدخر في صدور هؤلاء الضباط.
ومن الحوادث المؤلمة التي سبقت المجزرة أننا في أثناء الزيارة التي كانت تتم من خلال الأسلاك الشائكة حاول بعضنا تناول مأكولات بسيطة كقطعة لحم مثلا، من خلال ثغرات ضيقة في السلك لا ينفذ منها الأصبع، فاعترض الجندي المكلف بالحراسة على تصرفنا ووقعت مشادة بين الجندي وبين زملائنا فثارت ثورة أحد الضباط وانتهى التحقيق في هذه الجريمة بجلد بعض الإخوان وسجنهم وفي نفس الوقت كان الجنود يحملون الطعام المرسل من الخارج للجواسيس اليهود أو لزوج الممثلة..!! (3)

 

يقول الأستاذ جابر رزق:

 

"لقد أقيمت المذبحة في أول يونيو 1957م لمائة وثمانين من الإخوان المسلمين هم الذين بقوا في سجن ليمان طرة بعد ترحيل إخوانهم إلى سجن المحاريق وبني سويف وأسيوط وغيرها من السجون، ولقد بلغ عبد الناصر ورجال حكمه من الخسة اللا إنسانية أن أطلقوا الرصاص على المسجونين داخل الزنازين وهم عُزَّل لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (البروج: 8). (4)

 

ويقول الشهيد محمد يوسف هواش وهو أحد الذين شاهدوا المذبحة:

 

"لقد سبقت المذبحةَ عدة مقدمات؛ ففي يوم الأربعاء 22/5 مُنعت صلاة العصر بصورة غاية في الاستفزاز، ويوم الخميس 23/5 مُنع لعب الكرة الذي كان مُرخَّصًا، ويوم الجمعة ظلَّت الزنازين مُغلقةً حتى صلاة الجمعة، ويوم السبت حدثت مشادة بين الضابط عبد العال سلومة وثلاثة من الإخوان بغير داعٍ، ويوم الأحد 26/5 قال سلومة مُهدِّدًا:
"فيه أوامر عليا بجرِّ الإخوان لمعركة نخلّص فيها على ثلاثين.. أربعين"، وأخذ الضابط عبد الله ماهر يحتكُّ بالإخوان بغير مناسبة، ويحاول استفزازهم بكل طريقة، ويوم 29/5 شرح الإخوان لمدير السجن ما يحدث لهم، ويوم 30/5 مُنِعت الزيارات، ويوم 1/6 حدثت المذبحة". (5)

 

ويقول الكاتب الصحفي مصطفى أمين:

 

في أحد أيام شهر يونيه 1957 كنت جالسا فى مكتبي فى أخبار اليوم عندما اتصل بى قسم الاستماع بأخبار اليوم وأخبرني أن إذاعات العالم تذيع انه حدثت مذبحة فى سجن ليمان طره, وأن أكثر من عشرين مسجونا من الإخوان قتلوا فى زنزاناتهم وأن أكثر من خمسين منهم جرحوا، واتصلت على الفور بوزارة الداخلية وسألت عن حقيقة الخبر, فأكد لأى مسئول كبير فى الوزارة أن الخبر كاذب ولا أساس له من الصحة.
واتصلت برئاسة الجمهورية وسألتهم عن حقيقة النبأ, لإ أكدت لى الرياسة أنها أكذوبة استعمارية أطلقتها إذاعات الاستعمار ومقصود بها تشويه سمعة مصر فى عيون العالم!!.
وصدقت هذا التكذيب الرسمى إلى أن دخلت سجن الاستئناف وإذا بأحد الحراس يعترف بأنه اشترك فى المذبحة, وأن الأوامر التى كانت لديه قضت بقتل جميع المسجونين السياسيين الموجودين فى الطابق الثالث فى العنبر رقم 1 بليمان طره!
وفى سجن القناطر قابلت عددا من الحراس الذين حملوا القتلى بعد المذبحة من العنبر إلى مستشفى السجن كان عشرين قتيلا, والبعض الآخر قال أن عددهم كان واحدا وعشرين قتيلا!!
وعندما نقلت إلى ليمان طره لاحظت, وأنا أتفحص زنزانتى فى الطابق الرابع فى عنبر واحد أن جدران الزنزانة فيها عدد من الحروق وسألت عن هذه الحروق فقيل لى أنها رصاص مذبحة طره!!
وبدأت أحقق بنفسى فى هذه المذبحة الخطيرة, وسمعت شهودها الذين بقوا على قيد الحياة أن القصة بدأت قبل أول يونيو سنة 1957 وهو يوم المذبحة بزمن طويل, بدأت هذه الفترة فى أكتوبر 1955 واستمرت حتى أول يونيه سنة 1957, وكانت التعليمات سبقت وصول المسجونين السياسيين من الإخوان إلى ليمان طره باستعمال أقسى طرق العنف معهم. ونفذت إدارة السجن أوامر الإرهاب بدقة تامة.
ولم يذق المسجونون السياسيون فى تلك الفترة يوما واحدا من الراحة والهدوء. التفتيش المستمر... يدخل الضباط الزنزانة ويرمى محتوياتها بالخارج. يدوس بقدميه على الطعام. يتعمد إثارة المسجونين وإهانتهم ومحاولة إذلالهم. أوامر بالاحتكاك المستمر بالإخوان المسجونين الذين يعملون فى تكسير الأحجار فى الجبل.
كانوا يأمرونهم بالخروج إلى الجبل بعد فتح الزنزانات مباشرة, يمنعونهم أحيانا من دخول دورات المياه. أو يؤنبونهم ويحطمون معنوياتهم ويسخو رن منهم قبل أن يسمحوا لهم بدخول دورات المياه. وكان مطلوبا من كل مسجون سياسى أن يكسر كمية معينة من الأحجار, ويكومها ثم يفرغها فى عربات السكة الحديدية, وأى نقص فى الكمية يعرض المسجون السياسى لدخول التأديب وارتداء الملابس الحمراء, وفى هذه الحالة يطالبون بضعف المقطوعة المقررة من الأحجار! ومن يعجز عن تكسير الكمية المقررة يتعرض للجلد!! (6)

 

ويقول الحاج جودة شعبان الشاهد الحيّ:

 

"كنا في ليمان طرة بما يقرب من 180 من الإخوان، وكان أكبر عدد منهم في اليمان من إخوان شبرا، وكان يوم زيارتهم مشهودًا؛ فقد كان عدد الحضور في اليوم المخصَّص لهم كبيرًا, وفي أواخر مايو شعرنا بأن ضباط السجن يقومون بعمليات استفزازية ضد الإخوان، خاصةً الضابط عبد العال سلومة وعبد الله ماهر، فأخذنا نتواصى بالصبر وضبط النفس وحكمة التصرف أمام كل ما نتعرَّض له من معاملة المسئولين في اليمان، خاصةً الضباط الذين كشفت الأحداث عن مدى حقدهم وكراهيتهم للإخوان، أمثال عبد العال سلومة وعبد الله ماهر وعبد اللطيف رشدي.
وكانت الأحكام للإخوان الموجودين في اليمان تتراوح بين 10 سنوات و25 سنة، وكنا نطلع الجبل مثل بقية المساجين، وكانت لنا طريحة لا بد من أن ننجزها، ومن بين وسائل الضغط النفسي علينا أيضًا في اليمان عملية التفتيش المستمر، والتي كانت تتم بصورة مستفزة، وكادت هذه المذبحة تحدث في فبراير 1956م لكن كان مدير السجن حكيمًا فحالَ دون ذلك؛ مما دفع زكريا محيي الدين وزير الداخلية آنذاك أن يقوم بنقله؛ عقابًا له على ذلك، وجاء بمأمور آخر هو السيد والي، والذي كان شديد الحنق والحقد على الإخوان المسلمين.
وقبل يوم المذبحة جاءت زيارة لمجموعة إخوان شبرا، وكانت من أكبر الزيارات، وكنت أحد المطلوبين للزيارة، وقد جاء أهلونا ببعض الطعام، وكان من ضمن الذين أخذوا طعامًا الأخ عبد الغفار السيد، وفجأةً ظهر الضابط عبد الله ماهر ودفع الأخ؛ مما أوقعه في صورة مستنفرة، ولم يقتصر على ذلك بل قام بضرب أمِّ أحد الإخوان ثم أنهى الزيارة، وسارع إلى الإدارة وقال إن الإخوان اعتدَوا عليه، وكأنَّ الأمر مُبيَّتٌ، فانتفضت الإدارة لتنفذ ما اتفقوا عليه ضدنا،
وجاءوا وقالوا:
"اللي أخذ شيء يركن على جنب"، فخرجتُ ومعي بعض الإخوة، فأُمِرَ بأخذنا إلى عنبر التأديب، وساقوا أهلنا إلى قسم المعادي، مرفقةً معهم مذكرةً يقولون فيها إنهم أدخلوا ممنوعات السجن، وكان من ضمنهم والد الأخ حسن علي حسن، فقال لوكيل النيابة: إننا لم نُدخل ممنوعات، لكنه كان طعامًا والأمر أننا إخوان مسلمون، فأفرج عنهم.
وبعد أن أدخلونا عنبر التأديب لم نعلم ما حدث في الخارج، وعشنا لحظات كلها تعذيب وتكدير, لكننا كنا قبل الحادث قد رأينا أنهم أعادوا مرضى الإخوان الموجودين في المستشفى، وشعرنا بشيء يُدبَّر لنا، فقررنا الامتناع عن الخروج للجبل حتى لا نُضرَبَ بالرصاص بحجة أننا حاولنا الهروب، وكتبنا مذكرةً نطلب فيها التحقيق معنا، وأنَّ حياتنا في خطر، وكنا ما زلنا في عنبر التأديب.
وثاني يوم من الزيارة سمعنا صوت رصاص منهمر وصرخات الإخوان من كل مكان، وبعد فترة صَمَت صوت الرصاص، وجاءت النيابة، وسمعت منا، وأدانت إدارة السجن، لكنها تغيرت، وفي الليلة الرابعة بعد المذبحة أخرجونا إلى سجن القناطر الخيرية، وبقينا فيه ثلاثة أشهر في تعذيب وتكدير، وقد أسفرت المذبحة عن مقتل واحد وعشرين من الإخوان وأصيب مثلهم. (7)

 

يقول الكتاب الصحفي المسيحي اللبناني روكس معكرون (والذي اعتقل بمصر فترة مذبحة ليمان طرة:

 

إلي أصدقائي: على حمزة .. إبراهيم قعوار .. حيري .. وبقية الأصدقاء الشهداء .. لقد عشت معكم أياما وليالي .. وأنا مسيحي وأنتم مسلمون .. وما شعرت معكم بغير الألفة والود والمحبة والإقدام المتبادل .. وما لمست فيكم غير أيمانكم بدينكم .
وأيمانكم بوطنكم وأيمانكم بإنسانيتكم .. وهو منتهى المعرفة... شباب كثيرون جاءوا بهم من مقاعدهم بالجامعات ومن منابرهم في الصحافة والمحاماة والقضاء والطب والهندسة وساقوهم إلى اليمان من أجل إيمانهم بحق بلادهم في الحرية والكرامة ..
وكنت أحس كلما جلست بينهم أن هذا الشعب سيحقق أمانيه وأن هؤلاء الذين يستبدون به إنما يخدعون أنفسهم وأن الحقيقة لا بد واقعة ولكن بعد الثمن الفادح .. بعد الذل الهوان والعذاب .. ومن يدفع الثمن؟ مصر لا شك والمجتمع العربي بأسره.
عند الظهيرة نادى السجان كشفا يحمل أسماء المسجونين المطلوبين للزيارة الخصوصية .. ونادى فيها منادى اسم السجين كمال عبد العزيز زوج الفنانة زوزو ماضي ، والمحكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في قضية المخدرات الكبرى مع زوجته .. ونادى كذلك الدكتور مصطفى حمدي وهو من جماعة الإخوان ، وغيرهم ودخلوا جميعا مكتب النقيب عبد الله ماهر آمر الزيارة .
أعطت "زوزو" في نهاية الزيارة أكياسا كثيرة من المأكولات والحلوى لزوجها السجين ثم تقدمت والدة الدكتور حمدي تستأذن النقيب بإعطاء وحيدها دجاجة كانت تحملها في كيس صغير من "السلوفان" .. رفض الضابط طلبها وأصرت الوالدة
وإزاء إصرار الأم الحنون ، أخذ الضابط الهمام الكيس من يد الأم وقذف به خارجا وطردها .. وثارت ثأره الدكتور حمدي وقال للضابط كلمات كثيرة كانت درسا قاسيا في الأدب والتربية .. ووقع الضابط المنتصر القصاص على حمدي وأودعه غرفة التأديب. (8)

 

لقد استشهد في هذه المذبحة عدد كبير من الإخوان بعضهم كان من الطلبة، وكان الشهداء هم:

شهداء-مذبحة-طرة.jpg

 

(9)

 

يقول حسن دوح:

 

أما الجرحى فقد بلغ عددهم خمسة وثلاثين جريحا منهم ثلاثة عشر حالة خطرة وقد أودعوا جميعا في المستشفيات تحت حراسة مشددة حتى لا يعرف أحد أسماءهم.
وفي اليوم التالي ساقوا «الأحياء» وكنت من بينهم إلى حفلة ضرب، ضرب وحشي على مؤخر العنق «القفا» والضرب يقم به العساكر في حضرة جميع «حضرات» الضباط.. ومع الضرب شتم وسب لأسرى المعركة. (10)

 

بعد هذه المعركة التي راح ضحيتها ما يقارب الاثنين والعشرين شهيدا وأكثر من ثلاثين جريحا تم نقل من تبقى من الإخوان إلى سجون أخرى، كالواحات والقناطر.

ولقد حاول نظام عبدالناصر تكرار مثل هذه المذبحة في سجن أسيوط إلا أن صلابة الضابط مصطفى أبو دومة كانت عائقا أمام الطواغيت من تنفيذ مخططهم مما اضطرهم لنقله ثم عزله بعد ذلك.

كما أنهم اتجهوا للإيقاع بالإخوان في سجن الواحات إلا أن الله سلم وأصيب اللواء إسماعيل همت المشرف على المذبحة بألم شديد اضطره لمغادرة السجن والعودة للقاهرة، ونجا الله الإخوان المساجين. (11)

وفي نفس العام (1957) أفرج نظام عبدالناصر عن بعض المعتقلين الذين لم تصدر ضدهم أية أحكام من محكمة الشعب إلا أنهم قضوا عامين خلف القضبان كمعتقلين، كما عفا عبد الناصر عن بعض المسجونين الذين قبلوا التنكر لإخوانهم بينما بقى الآخرون، وخاصة الكوادر الرئيسية لجماعة الإخوان في السجون، فيقول ريتشارد ميتشل (وكانت المعاملة الشرسة في السجون كفيلة بانصراف العديدين من قيادة الإخوان إلى شئون حياتهم الخاصة بعد أن عجزوا عن تحمل قسوة النظام الناصري في التصدي لمناوئيه. (12)

المراجع

 

 

  1. محمد الصروي: الإخوان المسلمون تنظيم (1965) الزلزال ... والصحوة (1955- 1975)، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006، ص 107- 109
  2. محمد الصروي: الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2007م
  3. حسن دوح، 25 عاما في جماعة الإخوان، دار الاعتصام
  4. جابر رزق: مذبحة الإخوان المسلمين في ليمان طرة، دار اللواء للطباعة والنشر، الطبعة الثالثة، 1421 هـ - 2001م.
  5. يوميات محمد يوسف هواش:مجزرة القرن العشرين، دار الأنصار، الطبعة الأولى، محرم 1399هـ - ديسمبر 1978م.
  6. مصطفى أمين: سنة تانية سجن، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، ص 113
  7. حوار أجراه عبده مصطفى دسوقي مع الحاج جودة شعبان، يوم 7