عزالدين الكومي

بعد فضيحة وزارة تموين الانقلاب، وإلقاء القبض على كل من رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية، وهو أحد جنرالات العسكر المتقاعدين “اللواء علاء فهمى”، الذى كان يشغل مدير الكلية الفنية العسكرية، ومحمد سويد المتحدث الرسمي لوزير تموين الانقلاب، منسق حملة عشان نبنيها، وكان يعمل صحفيا في روز اليوسف، وممدوح رمضان، المستشار الإعلامي لوزارة تموين الانقلاب، الذى كان يعمل صحفيا في جريدة الجمهورية، وذلك لتقاضيهم رشاوى مالية تجاوزت مليوني جنيه، من كبريات شركات توريد السلع الغذائية، مقابل إسناد أوامر توريد السلع إليها، وتسهيل صرف مستحقاتها، وتسليمهم السلع دون غيرهم من الشركات المتقدمة للتوريد.

ولما كانت جريمة الرّشوة جريمة عظيمة يترتّب عليها ضرر للمجتمع وضرر للأفراد – ما بين ضياع للحقوق، وتقصير في الواجبات، وفساد للذمم- فقد حرمها الله تعالى، ووردت الآيات والأحاديث بالنهي عنها والتشنيع على مقترفِيها، وبيان عاقبة أطرافها من راشٍ ومرتشٍ ورائشٍ، فقد نهى الشارع الحكيم عن أكل أموال النّاس بالباطل والطرق الممنوعة، كما قال تعالى: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.

فقد جاءت الآية الكريمة بعد انتهاء آيات الصيام، وكأنّ الحقّ جلّ في علاه يقول يا معشر الصّائمين عن الحلال في شهر رمضان، صوموا عن الحرام طيلة الأيام، وإيّاكم وأكلَ مال الغير بالباطل، سواء كان بالقمار أو الميسر أو الرّبا أو دفع الرّشوة للحكام، اعتمادا على المغالطة في القرائن والأسانيد، واللّحن بالقول والحجّة، حيث يقضي الحاكم بما يظهر له، وتكون الحقيقة غير ما بدا له!.

كما لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ”، يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا.

المثير للسخرية أن هؤلاء اللصوص الذين تم القبض عليهم من قيادات وزارة التموين، لتلقيهم رشاوى، كانوا ذاهبين للعمرة يوم السبت القادم، وكما يقول الساخر جلال عامر: مع كل الشكر والعرفان، موائد الرحمن ليست حلاً لمشكلة الجوع، ولو تغيرت السياسات فسوف يأكل الغلابة في بيوتهم، وسوف يأكل اللصوص في موائد السجون!.

وقد روى عن اﻹمام أبى حنيفة- رحمه الله- أنه كان يمر في طريق، فرأى رجلاً سرق تفاحة، ثم تصدق بها!

فسأله الإمام أبو حنيفة :

لم سرقتها؟

ظننتك جائعا!

فقال الرجل: لا يا هذا

(وهو لا يعرف أنه اﻹمام أبو حنيفة)

أنا أتاجر مع ربي!

قال أبو حنيفة: كيف ذلك؟!

قال الرجل: سرقتها فكتبت عليّ سيئة واحدة!، وتصدقت بها فكتب لي عشر حسنات، فبقي لي تسع حسنات!.

فقد كسبت إذَا تسع حسنات فأنا أتاجر مع ربي!.

فقال له الإمام أبو حنيفة رحمه الله: أنت سرقت فكتبت عليك سيئة، لكنك تصدقت بها، فلم يقبلها الله منك؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فبقيت عليك سيئة!.

والرشوة هي من طباع أعداء الله، ومن طباع اليهود خاصة، فعندما بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن رواحة – رضى الله عنه- إلى يهود خيبر ليخرص ثمار النخيل، بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حلْيا من حلي نسائهم، فقالوا له هذا لك، وخفّف عنّا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرّشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض!.

وقد قال الشاعر عن الرشوة:

كــَـمْ مـُـرْتـــَـشٍ قـــَـلــَـبَ الــْـحـــَــقـــيــقـــَـة بـاطـــِـلاً.. خـــَــلـــَــعَ الــْـحـــَــيـــاءَ وَبـِالأفـــائـــِــكِ يــُــزْبــــــِـــدُ

لــَـعـــَـنَ الـرَّســـُــولُ الــْـمــُـرْتــَـشــيـنَ وَمـَـنْ رَشــَــوْا.. وَالـرَّائــِــشــيـنَ، فـــَــمــَــنْ أولـــئــِــكَ يــُــنــْــجــــِـــدُ

وَيـــْــلٌ لـــِــمـــَـــنْ بــِالــْـمــــالِ بــاعَ ضــَــمـــــــيـــرَهُ.. فــَـهـُــوَ الــْخــَــسـيـسُ، عــَـنِ الــْـمـَـكـارِمِ يـَـقــْـعـــُــدُ

حـــَــســـِــبَ الــْـوَضــيــــعُ بــِأنَّ ذلــِـكَ مـَـكـــْــســـَــبٌ.. زَرَعَ الــْـمـَــفــاســـِــدَ وَالــْـخـــَـسـائــِـرَ يـَـحـــْــصـــُــدُ.

وبعد هذه الكارثة كان تعليق علي المصيلحى، وزير تموين الانقلاب، وبراءة الأطفال في عينيه، أنه يشعر بـالصدمة، قائلا: “الواحد يشك في صوابع إيديه ولا إيه؟”.

ومع ذلك، يخرح مخبر أمن الدولة “أحمد موسى” ليقول لنا: إن الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين، يده نظيفة وبيذل مجهودا كبيرا في العمل، وأنه رجل طيب ومحترم، والقضية بعيدة عنه تماما، وليس عليه أي لوم، ومجهوده يشهد له، وأن الدائرة القريبة من وزير التموين هي المسئولة عن القضية، وأن جهاز الرقابة الإدارية قادر على كشف الفساد وتطبيق القانون على الجميع.

والذين يتشدقون بمكافحة الفساد هم الذين يقومون برعاية الفساد والمفسدين، كما قال الحسن البصري عندما كان يمشي في طرق البصرة، فرأى لصا أمسك به جنود الأمير ليقطعوا يده، فضحك الحسن فقالوا: عجبا لك ماذا يضحكك؟!

قال: سارق السر يحد سارق العلن؟!

إنه الفساد صاحب الحصانة، والذى كان قديمًا يُدعَى (فساد) تركوه حتى كبر وترعرع في بلادي.. فَسَادَ!

 

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي نافذة مصر