محمد السروجي

 

"نحن نصنع الأحلام بأنفسنا وأيضاً نصنع الكوابيس" قاعدة إدارية وحياتية معتبرة في دنيا الناس ، نصنع الأحلام الجميلة والممكنة ثم نتحرك للعمل فوراً لتتحول إلى حقائق ، وعلى الطرف الآخر نصنع الكوابيس بعجزنا ثم نستسلم لها فتصبح واقعاً مفروضاً أو مرضا مزمنا  ، هكذا نتعامل مع ملف الثانوية العامة ، مرض مزمن نتعايش معه ومنذ سنوات بمسكنات متنوعة في القوة والضعف لكنه كان ومازال مرضاً يحتاج لعلاج أو بالأحرى لاستئصال متدرج أو فوري ، لذا كانت التساؤلات لماذا تحولت الثانوية العامة في مصر دون سواها لهذا البعبع الذي صنعناه بأيدينا ثم أصابنا العجز أمامه ، أو بالمعنى الشائع "حضرنا العفريت وفشلنا في صرفه" ،أسباب متعددة لهذه الحالة ، يأتي في مقدمتها فلسفة الحكم والنظم السياسية السابقة التي انعكست على كل مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية  فحرمت نفسها وشعبها الحلم والخيال وأصبحت تفكر وتخطط  بل وتعيش داخل الصندوق "راجع موقف البعض من أي تغيير أو إصلاح تقوم به وزارة التربية والتعليم الآن " ، ومنها التعامل مع التعليم كبعد سياسي لا مقوم بنائي ، ومنها اعتبار التعليم هو كل حياة الأسر والطلاب وليس جزء من حياتهم لذا تتعامل الأسرة مع الثانوية وكأنها تخوض حروب مقدسة ضد من ؟ لا نعرف ، ومنها نظم الامتحانات والتقويم التي تعتمد الجانب المعرفي والمعلوماتي دون سواه من مثلث البناء " المعارف والمعلومات – القيم والاتجاهات – المهارات والممارسات " ومنها عدم ارتباط التعليم بسوق العمل وأخيراً جعل التعليم هو المحرك الوحيد في السلم الوظيفي والاجتماعي ، لهذه الأسباب وغيرها وصلنا لهذه الحالة المرضية مع ملف التعليم بصفة عامة والثانوية بصفة خاصة ووجدنا أنفسنا أسرى لتعليم موازي واقتصاد موازي " الدروس الخصوصية التي تستنزف مليار ساعة بمقابل 22 مليار جنيها " يقدم لنا منتج بشري مشوه المعالم مختل المعايير والمواصفات ،لذا ينبغي أن نتقدم للأمام ليأخذ ملف التعليم مكانه ومكانته برعاية مجتمعية كاملة وشاملة وجملة من الوسائل والإجراءات تحقق جملة من الحقوق والطموحات يأتي في مقدمتها تغيير نظم التقويم والامتحانات في الشكل والمضمون والتوقيت والتقدير ،ومنها تطوير المناهج لترتبط بسوق العمل " بالفعل لدى الوزارة مشروع طموح مطروح للحوار المجتمعي " ، ومنها إحداث نقلة نوعية في التعليم الفني ليكون لدينا مسارات وبدائل قوية ومتكافئة لطلاب المرحلة الثانوية "بالفعل تم طرح مشروع الهيئة القومية للتعليم الفني والتدريب المهني " ، نحن نسعى لنظام تعليم متطور يلبي احتياجات وطموحات مصر الثورة والدولة نتعامل فيه مع الثانوية العامة كإحدى السنوات العادية في السلم التعليمي وليست كابوس أو بعبع أو عنق زجاجة أو سنة مصيرية تحدد المستقبل بل تكون سنة دراسية يحصل بها الطالب على شهادة إتمام المرحلة الثانوية ثم يحدد هو دون سواه وفقاً لإمكاناته وقدراته هل سيلتحق بسوق العمل ؟ أم سيكمل تعليمه الجامعي ؟ ومتى ؟ هنا يسقط بعبع الورق الذي صنعناه بأيدينا ، حتى لا نكون كالذين صنعوا العجل بأيديهم  ثم عبدوه من دون الله الواحد الأحد ... حفظك الله يا مصر ... 

 

___________

المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم