08/12/2010

عماد مكي*

وقعت الصحافة المصرية الخاصة وبعض محطات الفضائيات المملوكة لرجال أعمال في اخطاء صحفية فادحة خلال الاشهر الماضية، ولولا تكرار الخطأ حتى شارف على درجة التعمد لما كتبت هذه السطور التي قد يساء فهمها من بعض زملاء المهنة ولكن امن شعب مصر القومي فوق كل اعتبار وانا على يقين ان من هؤلاء الصحفيين من سيتدارك نفسه ويصحح الخطأ.

وهذه الاخطاء تتمحور في نقطتين: الاولى هي نشر موضوعات واعطاء مساحة لاصوات ومصادر أمريكية عرف عنها انها من المتربصين بمصر والعرب. والثانية هي تعمية الرأي العام وتلبيس الامور على الجمهور عن طريق ونشر تصريحات هؤلاء المترصدين لمصر وبسلامتها بدون ذكر لصفاتهم السياسية وميولهم الايدلوجية ضد اهم الدول العربية، بل وتجاوز اصول المهنة بوصف هؤلاء الناشطين ضد مصر بانهم "خبراء" في الشأن المصري والعربي.

هذه الصحف المحلية الخاصة والمحطات هي نفسها التي أقامت المشانق لجريدة الأهرام بعد نشر صورة الرئيس مبارك في البيت الابيض وهم من القوا المرثيات ضد الجريدة في امر ايسر مما يقومون به. هم انفسهم من دس، بقصد اودون قصد، تصريحات لقادة الإيدلوجية الصهيونية وحركة المحافظين الجدد في أمريكا الذين يدبرون ليل نهار لزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية باسرها وتهميش دور القاهرة في العالمين العربي والإسلامي. ولا يعقل ان تتحول الصحافة الخاصة الى ورقة ضغط في ايدي اعداء مصر.

اول تلك الزلات كان لقاء بثته قناة فضائية مصرية مع ناشطة اقباط المهجر دينا جرجس التي انضمت الى اكثر مراكز البحث الامريكية صهيونية ومولاة لإسرائيل وعداوة لشعب مصر وهو "معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى".

وجاء اللقاء حول الانتخابات البرلمانية المصرية وكما لو كانت مصر قد عز عليها انجاب خبراء من داخل مصر في هذا الشان فنحتاج الى ناشطة في منظمة تمثل اقصى اليمين لا في امريكا وحسب بل تمثل اقصى اليمين الليكودي الإسرائيلي للتعليق عليها امام الملايين من المشاهدين.

والمفارقة ان دينا جرجس التي وفرت لها تلك القناة الفضائية الخاصة، التي يملكها رجل اعمال يعتمد اصلا على النظام في تحقيق ارباحه، وفرت منصة اعلامية هي في الواقع، كغيرها من متشددي اقباط المهجر، تنادي بتوقيع عقوبات على مصر تشبه العقوبات على إيران بل وتذهب دينا جرجس الى التلميح بضرورة اخضاع وزارة الداخلية المصرية ورجال الشرطة للرقابة الامريكية المباشرة. كما تنادي باستخدام المعونة الامريكية لتطويع القاهرة. فهل هذا بحث فكري ام نشاط سياسي فادح وفاضح على غرار المطالبة بغزو امريكا للعراق؟

وثاني تلك الزلات للصحافة الخاصة المملوكة لرجال اعمال ما قامت به جرائد يومية مصرية رائجة واخرى على الانترنت من نشر عدة مقالات متتالية نقلا عن هذا المعهد الذي تعمل فيه دينا جرجس وهو "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" وتصويره على انه مجرد معهد بحثي محايد.

وتم نقل التصريحات والمقالات بصورة مطولة مبالغ فيها بدون اي توصيف او ذكر – من قريب او بعيد - لمدى عداء هذا المركز لمصر تحديدا وللعرب عموما ولا لهويته الصهيونية.

فالمعهد في حقيقة الامر هو الذراع البحثي لمنظمة إيباك، اكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي في امريكا التي تعمد دائما على تشويه صورة مصر وتقويض فرص التواصل بين القاهرة وواشنطن بعيدا عن مسألة إسرائيل.

ومعهد واشنطن يرتبط بقوة بـ"مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب" من خلال فريق العمل المتشابك والتبادلات بين المركزين. وقد رأس هذا المركز لفترة طويلة الجنرال "أهارون ياريف" الذي شغل سابقا منصب وزير في الحكومة الإسرائيلية، كما عمل رئيسًا للاستخبارات الإسرائيلية، وتوفي عام 1994.

ويضم المعهد في عضويته يهودًا أمريكيين موالين لإسرائيل منهم "روبرت ساتلوف"، وهو المدير التنفيذي للمعهد والذي توعد العرب بهيمنة السياسة الامريكية والإسرائيلية، دولة دولة، ذات مرة قائلا "ان دورهم سيأتي واحدا بعد الآخر" وبالانجليزية "وان دانسر ات ايه تايم" وذلك في كتيب له بعنوان مقالات في "حرب الافكار ضد الإرهاب" صدر في عام 2004.

ومنهم "باتريك كلاوسون" نائب مدير المعهد، و"دينيس روس" مستشار المعهد، وقد عمل الأخير مبعوثا للولايات المتحدة لبلاده في الشرق الأوسط طوال 12 سنة كاملة من 1988 إلى عام 2000، عمل خلالها مع جورج بوش الأب لأربعة أعوام، ثم ثمانية أعوام مع الرئيس السابق بيل كلينتون وهو يعمل الآن مع الرئيس باراك اوباما متوليا الملف الإيراني.

وقد قام هذا المعهد مؤخرا ، الذي يتمتع ببعض الاصدقاء في الاعلام العربي والمصري، بتدشين نسخة باللغة العربية لاحكام اختراقه للإعلام العربي والمصري. وعلى الرغم من ان المعهد يقلل علانية من صلاته بإسرائيل الا ان ممولوه معروفون بصلاتهم القوية بإسرائيل.

اما ثالث السقطات للصحافة الخاصة ضد الامن القومي العربي والمصري فهي نشر تصريحات للناشط الصهيوني إليوت إبرامز انتقد فيها زيارة زيارة الرئيس مبارك الاخيرة لواشنطن. ولم تذكر الجريدة اليومية الخاصة التي نشرت التعليقات اي شيئ عن خلفية هذا الرجل او نشاطه ضد مصر.

وفي حقيقة الامر ان ابرامز هو احد المروجين الكبار لغزو العراق بل والترويج لغزو وضرب دول عربية أخرى. ولا ينسى لإليوت أبرامز دوره في دفع للولايات المتحدة لمساعدة اسرائيل وغض الطرف عن قيام اسرائيل بضرب لبنان في صيف 2006.

إليوت إبرامز انضم مؤخرا لمجموعة عمل ضد مصر تعمل من هنا من واشنطن. ونحن في وكالة أنباء امريكا إن أرابيك رصدنا تحركاتهم وتحركات اعضاء متشددين آخرين يعملون ضد مصر بالكل – حكومة وشعبا، معارضة ومسئولين، علمانيين وإسلاميين. فالغرض هو الفوضى العارمة وترنح مصر إقليميا وعالميا ومحليا.

والان هذا الرجل الذي يكن لمصر كل شر نراه يصور في تلك الصحف المصرية الخاصة والناطقة بالعربية كخبير امريكي له رأي في الشأن المصري.

ابرامز، اليهودي الديانة الليكودي الفكر، يرى ان النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو في حقيقة الامر "نزاع إسرائيلي عربي إسلامي" يخفي ورائه صراعا من أجل البقاء وان دولا عربية كبرى مثل السعودية ومصر جزء لا يتجزء من هذا الصراع ويجب تقليم اظافرها وشغلها بنفسها.

وابرامز ـ الذي أعلن نفسه من المحافظين الجدد والريجانيين الجدد ـ هو صهر نورمان بودريتس وميدج ديكتر الزوجين النشطين اللذين لعبا دورا بارزا في تأسيس ظاهرة المحافظين الجدد كتوجه سياسي نافذ في بداية سبعينيات القرن الماضي في امريكا.

وتماشيا مع هويته المناصرة للرئيس الامكريكي المتطرف رونالد ريجان، فقد سعى ابرامز خلال تسعينيات القرن الماضي إلى إحياء سياسة ما يسمى باطلا "السلام عبر القوة" في المنطقة العربية.

وفي عام 1992 ساعد في تشكيل لجنة تسمى "لجنة الدفاع عن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط"، التي كانت في حقيقة الأمر لجنة لضمان انحياز السياسية الأمريكية إلى حزب الليكود في إسرائيل.

وفي إطار دوره كرئيس لمبادرة أخرى اسمها مبادرة الديمقراطية العالمية وكنائب مستشار مجلس الأمن القومي ابان حكم الرئيس السابق جورج دبليو بوش، تمكن أبرامز من التأكيد على أن مبادئه الراديكالية بشأن حملة ديمقراطية بقيادة الولايات المتحدة وشرق أوسط مركزه إسرائيل تحدد اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة تحظى بقبول لدى الإدارة الأمريكية..

وهناك امثلة اخرى لسقطات الإعلام الخاص عديدة غير اني ساكتفى بهذا.

اذا هذا الاختراق البين من غلاة الصهيونية الجديدة للصحافة الخاصة المصرية يمكن ان يكون له تفسيرين من جانب رؤساء التحرير المصريين لا ثالث لهما. اولا انه بدون قصد او انه عن عمد.

والارجح انه غير مقصود. وذلك نتيجة قلة خبرة الكثير من الصحفيين الصغار الجدد الذين تعتبر مؤهلاتهم الوحيدة في تغطية الاخبار الخارجية هو مدى معرفتهم اما باللغة الانجليزية فقط واما معرفتهم قريب لهم داخل الجريدة. وقلة الخبرة تلك تؤدي الى مثل تلك الاخطاء الكبيرة.

واستبعد كذلك ان يكون هناك تعمد لاعطاء مساحة كبيرة لهؤلاء من غلاة الصهيونية الجديدة وحركة المحافظين الجدد، بدون ذكر صفاتهم وميولهم، اذ ان ذلك يتعارض مع ميثاق شرف المهنة في مصر وفي العالم العربي كما يعتبر تعمدا في تضليل الرأي العام المصري فاطعام القراء معلومات مغلوطة في قضايا هامة امر لا يجب السكوت عليه. وانا على يقين ان اخواننا المحررين ورؤساء التحرير سيتخذون اللازم لمنع تكرار مثل تلك السقطات.

انا كصحفي مصري لا امانع نشر مثل هذه التصريحات لكن بشرط اساسي، لا هوادة ولا مقايضة فيه، و بدونه تسقط صفة المهنية عن تلك المقالات، والشرط هو ضرورة ذكر صفة هؤلاء الخبراء وخلفياتهم الإيدلوجية المعادية للعرب ومصر.

والافضل هو تجاهلهم من الاصل لفقدان ما يصدر عنهم لصفة الموضوعية التي هي رفيق الصحافة الجادة من الاصل. فإن كانت تلك الصحف الخاصة التي تدعي الإستقلالية عن الغرب لا محالة فاعلة، لزم عليها ذكر صفات تلك المصادر ووظائفها ومواقفها ضد العرب وضد مصر.

فكله يهون الا امن بلادنا.

____________

*رئيس تحرير وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك بواشنطن