سلطت مجلة "هورن ريفيو" الضوء على العلاقات التاريخية بين مصر والسودان، قائلة: "لم تكن علاقة مصر بالنظام السياسي السوداني محايدة أو استشارية فحسب، بل كانت تاريخيًا علاقة تأسيسية". 

 

وأبرزت عمق العلاقات بين البلدين الجارين، موضحة أنه "منذ فترة الحكم الثنائي الأنجلو-مصري وحتى ما بعد الاستقلال، لم تنظر القاهرة إلى السودان كدولة مجاورة فحسب، بل كامتداد استراتيجي لمجال أمنها القومي". 

 

وأشارت إلى أن هذا منح مصر حافزًا دائمًا لتشكيل بنية الحكم في السودان بما يضمن استقرارها، والتزامها، وقبل كل شيء، الحفاظ على سلطة الدولة المركزية. 

 

دعم النخب السودانية والشخصيات العسكرية 

 

تاريخيًا، أبرزت المجلة كيف أن مصر دعمت النخب السودانية والشخصيات العسكرية المتحالفة مع المصالح المصرية، وأشارت إلى تأثيرها في النقاشات الدستورية، ومعارضة المسارات السياسية- لا سيما الحركات المدنية الثورية أو الديمقراطية ذات الجماهيرية- التي قد تُدخل الديمقراطية الشعبية أو عدم الاستقرار الأيديولوجي. 

 

وذكرت أنه في كثير من النواحي، يعكس الحاضر الماضي: فما زالت مصر تُفضل سودانًا تحكمه مؤسسات مستقرة ترتكز على الجيش، بدلًا من سودان تُحرره قوى مدنية متعددة لا تستطيع القاهرة التحكم بثقة في توجهاتها السياسية.

 

وأوضحت "هورن ريفيو"، أنه في الأزمة الراهنة، لا تُعلن مصر صراحةً معارضتها للحكم المدني. بل تتخذ خطابها منحىً من خلال دعواتها للاستقرار والسيادة والوحدة الإقليمية. 

 

وأشارت إلى رفض مصر المبادرات التي تُنشئ "حكومات موازية" أو "انتقال مدني"، متمسكة بدلاً من ذلك على أولوية المؤسسات القائمة- التي يهيمن عليها الجيش إلى حد كبير، الأمر الذي قالت إنه كانت له تبعات سياسية بالغة الأهمية. 

 

تعزيز مكانة القوات المسلحة السودانية على حساب السلطة المدنية

 

ورأت أنه من خلال إعلانها شرعية مؤسسات الدولة القائمة فقط، تُرسّخ مصر مكانة القوات المسلحة السودانية كحامية لا غنى عنها للسيادة السودانية، بينما تُهمّش السلطة المدنية الناشئة. 

 

في الوقت نفسه، قالت إن القاهرة تُشارك في أطر سلام إقليمية أوسع نطاقًا، تلتزم ظاهريًا بوقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية، والمفاوضات، وعملية انتقالية تُفضي في نهاية المطاف إلى حكم مدني. 

 

ولفتت إلى أن مصر تخضع الحكم المدني لشرط مُسبق، ألا وهو ترسيخ الأمن. في حين أن هذا الشرط بالنسبة للمدنيين السودانيين الذين عاشوا في ظل تأجيلات متكررة للانتقال الديمقراطي منذ عام 2019، غالبًا ما يكون تأجيلاً دائمًا.

 

وذكرت المجلة أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر وضوحًا في التعبير عن توجه مغاير. فمن خلال رسائل دبلوماسية متكررة، بما فيها بيانات وزارة الخارجية الأخيرة التي انتقدت القيادة العسكرية السودانية لتفضيلها "الحلول العسكرية" على التسوية السياسية التفاوضية، أبرزت واشنطن كلاً من الحاجة الإنسانية الملحة والمساءلة السياسية. 

 

نظرة الولايات المتحدة للأزمة في السودان 

 

وقالت إن الولايات المتحدة تصوّر الأزمة على أنها سياسية في جوهرها، وليست عسكرية فحسب، مصرّةً على مفاوضات تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وممرات إنسانية، ومسار موثوق نحو مشاركة المدنيين في الحكم. 

 

وأشارت إلى أنه وراء هذا الخطاب الدبلوماسي الرسمي يكمن إحباط واضح: إذ يتزايد شك صانعي السياسة الأمريكيين في قدرة القيادة العسكرية السودانية على التخلي عن السلطة الفعلية طواعية، ويخشون أن يؤدي استمرار النظام العسكري إلى ترسيخ عدم الاستقرار بدلاً من حله.

 

لكن الديناميكية لا تقتصر على توتر ثنائي بين مصر والولايات المتحدة، كما ترى المجلة. إذ تتطور أزمة السودان ضمن بيئة جيوسياسية إقليمية معقدة. 

 

وأوضحت أن مصر والسعودية تركزان بشكل عام على حماية مؤسسات الدولة ومنع تفكك السودان. 

 

في المقابل، لفتت المجلة إلى التقارير التي تشير إلى تعاطف الإمارات العربية المتحدة مع قوات الدعم السريع، مما يُضيف محورًا آخر للنفوذ الخارجي يُؤثر على ساحة المعركة والمفاوضات السياسية. 

 

وقالت إن هذه التحالفات المتنافسة تُحوّل السودان إلى مسرح جيوسياسي لا تقتصر فيه أطر السلام على التوسط في الصراع السوداني فحسب، بل تُجسد أيضًا صراعات القوى الإقليمية. 

 

وحذرت من أن هذا يُعقّد أي تحرك خطي نحو انتقال مدني: فحتى عندما تُوقّع الولايات المتحدة، وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية، على أطر تدعو إلى هدنات إنسانية وحكم مدني في نهاية المطاف، فإن أولوياتها الاستراتيجية تتباين على أرض الواقع.

 

تفاقم الكارثة الإنسانية في السودان

 

في غضون ذلك، أبرزت المجلة تفاقم الكارثة الإنسانية، إذ يواجه الملايين النزوح والمجاعة والفظائع في المناطق التي مزقتها الحروب، مما يُبرز التكلفة البشرية للجمود الدبلوماسي. 

 

وأكدت أن المفاوضات، حتى بدعم من جهات إقليمية نافذة تبقى هشة وتتعثر باستمرار. 

 

وأوضحت أنه على الرغم من الضغوط العسكرية التي تعاني منها القوات المسلحة السودانية، إلا أنها لا تزال متجذرة سياسيًا ومقاومة لأي تنازلات من شأنها إضعاف سلطتها، وبالتالي النفوذ المصري، في حين تواصل مصر دورها كركيزة خارجية أساسية تعزز شرعيتها، تمامًا كما عززت تاريخيًا مركزية الجيش في السياسة السودانية.

 

وخلصت المجلة إلى أن سياسة مصر الحالية تجاه السودان ليست شذوذًا، بل امتدادًا لتقليد تاريخي أطول بكثير من التدخل الاستراتيجي في البنية السياسية السودانية. 

 

وقالت إنه كما في السابق تُعطي مصر الآن الأولوية للنظام والتسلسل الهرمي والسيطرة المؤسسية على حساب حالة عدم اليقين الديمقراطي. في المقابل، تُصوّر الولايات المتحدة الاستقرار بشكل متزايد على أنه مستحيل دون تمكين المدنيين. 

 

على ضوء ذلك، رأت أنه بين هذين المنطقين المتنافسين يكمن مستقبل السودان السياسي المُعلّق. وأشارت إلى أن تُعامل السلطة المدنية لا كطموح مؤجل، بل كشرط أساسي وفوري للسلام، وإلى أن تتقارب الجهات الفاعلة الإقليمية ليس فقط في الخطاب، بل في النية الاستراتيجية حول هذا المبدأ، سيظل انتقال السودان مؤجلاً إلى أجل غير مسمى. 

 

وذكرت أن الحكم المدني سيستمر في الوجود بشكل أساسي كلغة دبلوماسية بدلاً من كونه واقعًا سياسيًا قابلاً للتحقيق، بينما يتحمل شعب السودان عبء حرب وشلل سياسي لم يُسبّباه ولم يوافقا عليهما.


https://hornreview.org/2025/12/30/how-cairo-keeps-democracy-out-of-reach-in-sudan/