في واقعة أثارت جدلاً واسعاً وضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت صورة منسوبة للاعبي منتخب مصر لكرة القدم وهم يؤدون صلاة الفجر جماعة خلف المدير الفني حسام حسن، مرتدين "الشورت" القصير الذي يكشف الفخذين. ورغم أن الصورة سرعان ما تبين أنها "مفبركة" ومصنوعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)، إلا أن النقاش الذي فجرته كشف عن أزمة أعمق تتعلق بـ"الورع الكاذب"، وهشاشة الثقافة الدينية لدى قطاع واسع من الجمهور واللاعبين، واستغلال الشعائر الدينية كأداة للدعاية أو "الشو الإعلامي".
الحقيقة الغائبة: "فيك" ولكن..
أكد المنسق الإعلامي للمنتخب، محمد مراد، أن الصورة المتداولة لا أساس لها من الصحة، وأنها صنيعة برامج التزييف العميق التي باتت تغزو الفضاء الإلكتروني. ولكن، المفارقة تكمن في أن الجدل لم يتوقف عند نفي الصورة، بل تحول إلى محاكمة مجتمعية لظاهرة حقيقية ومكررة في الملاعب، وهي تساهل اللاعبين في كشف العورات، حتى أثناء الدعاء أو السجود في الملعب، مما يجعل الصورة المفبركة مجرد "انعكاس مضخم" لواقع موجود بالفعل.
يرى مراقبون أن سهولة تصديق الصورة من قبل الجمهور تعود إلى اعتيادهم رؤية اللاعبين بملابس قصيرة جداً لا تراعي الحدود الشرعية، وهو ما جعل مشهد "الصلاة بالشورت" يبدو مستساغاً أو قابلاً للتصديق في الوعي الجمعي، رغم مخالفته الصريحة لأبسط قواعد ستر العورة في الصلاة.
عورة الصلاة: بين جهل اللاعبين وتساهل المؤسسات
من الناحية الفقهية، يجمع جمهور العلماء (الحنفية، المالكية، الشافعية، والحنابلة) على أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة، وأن سترها شرط لصحة الصلاة. وبالتالي، فإن الصلاة بـ"شورت" يكشف الفخذ أو جزءاً منه هي صلاة باطلة ولا تصح، لأن كشف العورة المغلظة (الفخذين) يقدح في شرط الستر.
ويشير علماء الأزهر إلى أن التساهل في هذا الأمر يعكس "جهلاً مركباً" بأحكام الدين، حيث يظن البعض أن "النية الطيبة" أو الحماس الرياضي يبرر مخالفة الشرع. إن ظهور لاعبين في مناسبات سابقة (حقيقية وليست مفبركة) وهم يسجدون سجدة الشكر بملابس تكشف العورة، أو يدعون الله بملابس غير لائقة، يرسل رسالة سلبية للشباب بأن الدين يمكن تفصيله على مقاس "التريند"، وأن الشعائر مجرد طقوس شكلية تفرغ من مضمونها الروحي والفقهي.
التدين الاستعراضي: "الشو" قبل الخشوع
يفتح هذا الجدل الباب واسعاً أمام ظاهرة "التدين الاستعراضي" التي اجتاحت الوسط الرياضي. فبينما يحرص اللاعبون على التقاط صور الجماعة والدعاء، يغيب عنهم الالتزام بأبسط آداب الوقوف بين يدي الله. يرى نقاد أن هذا السلوك يندرج تحت بند "الورع الكاذب"، حيث يتم استخدام الصلاة كأداة لتصدير صورة "اللاعب المتدين" للجماهير، وكسب التعاطف الشعبي، في حين أن الواقع العملي (كما تظهره الملابس والسلوكيات) قد يشي ببعد عن جوهر الالتزام.
إن الخطر الحقيقي لا يكمن في صورة مفبركة، بل في حالة "السيولة الدينية" التي تجعل من المقبول اجتماعياً أن يقف الإنسان بين يدي ربه بملابس لا يجرؤ أن يقابل بها مسؤولاً رسمياً، بدعوى "الروح الرياضية". هذا التناقض يكشف أن الصلاة، في عرف البعض، تحولت من فريضة لها قدسيتها وشروطها، إلى "لقطة" فوتوغرافية تكتمل بها لوحة النجومية، حتى لو كانت على حساب هيبة الدين وحدود الله.
في النهاية، تبقى هذه الواقعة جرس إنذار لضرورة تصحيح المفاهيم، وتذكير النجوم بأن القدوة الحقيقية ليست في "التريند"، بل في احترام شعائر الله، وأن "الله لا ينظر إلى صوركم.. ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، وشروط صحة أعمالكم أيضاً.

