في خطوة مفاجئة أعادت رسم خريطة التحالفات والتوترات في منطقة القرن الأفريقي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الجمعة، اعتراف بلاده رسمياً بجمهورية "أرض الصومال" كدولة مستقلة وذات سيادة، منهياً عقوداً من العزلة الدبلوماسية التي عاشها هذا الكيان الانفصالي.
الإعلان الذي جاء ممهوراً بتوقيع مشترك بين نتنياهو ووزير خارجيته جدعون ساعر من جهة، ورئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله من جهة أخرى، لم يكن مجرد اعتراف بروتوكولي، بل تضمن تدشيناً فورياً لعلاقات دبلوماسية كاملة وتبادل للسفراء، في تحرك وصفته تل أبيب بأنه يتماشى مع روح "اتفاقات أبراهام".
هذا التطور الدراماتيكي أثار عاصفة من الغضب الإقليمي، حيث سارعت مصر والصومال وتركيا وجيبوتي إلى تشكيل جبهة موحدة للتنديد بالخطوة الإسرائيلية، معتبرين إياها "اعتداءً صارخاً" على السيادة الصومالية ومحاولة لزرع كيان موازٍ يهدد استقرار المنطقة الحساسة استراتيجياً.
وبينما تبرر إسرائيل خطوتها بالاعتراف بـ"واقع قائم"، يرى مراقبون أن توقيت الإعلان يحمل في طياته أجندات خفية تتجاوز الدبلوماسية لتلامس ملفات أمنية شائكة، أبرزها الحرب في غزة والتهديد الحوثي في البحر الأحمر.
تحالف "المصالح والاعتراف": سفارات وتعاون مفتوح
وفقاً للبيان الصادر عن مكتب نتنياهو، فإن العلاقة الجديدة لن تقتصر على التمثيل الدبلوماسي، بل ستشهد انخراطاً إسرائيلياً مباشراً في قطاعات حيوية داخل أرض الصومال، تشمل الزراعة والصحة والتكنولوجيا والاقتصاد.
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أكد أنه وجه وزارته للبدء فوراً في "إضفاء الطابع المؤسسي" على هذه العلاقات.
هذا الانفتاح الإسرائيلي يمنح "أرض الصومال"، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991 دون اعتراف دولي واسع، طوق نجاة سياسي واقتصادي كانت تبحث عنه طويلاً.
في المقابل، تحصل إسرائيل على موطئ قدم استراتيجي جديد في القرن الأفريقي، يطل على مضيق باب المندب، وهو ما يعزز نفوذها في ممرات الملاحة الدولية ويمنحها أوراق ضغط إضافية في محيطها الإقليمي المضطرب.
"غضب الرباعية": جبهة موحدة ضد "التقسيم"
لم يتأخر الرد الإقليمي، حيث تحركت الدبلوماسية المصرية بسرعة لتنسيق المواقف مع الصومال وتركيا وجيبوتي.
وعقب اتصال هاتفي رباعي بين وزراء خارجية هذه الدول، صدر بيان ناري أكد "الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية"، ورفض أي إجراءات أحادية تهدف لفرض "كيانات موازية".
البيان اعتبر الخطوة الإسرائيلية تقويضاً لأسس الاستقرار في الصومال، الذي يكافح لسنوات لبناء مؤسسات دولته ومواجهة حركات التمرد.
بالنسبة لمصر وتركيا، اللتين تمتلكان مصالح استراتيجية وتاريخية في الصومال، فإن الاعتراف بأرض الصومال يمثل تجاوزاً لخطوط حمراء، وتهديداً لمصالح الأمن القومي العربي والإسلامي في منطقة القرن الأفريقي، مما ينذر بتوتر دبلوماسي متصاعد مع تل أبيب.
ما وراء الكواليس: "تهجير الغزيين" وضرب الحوثيين
بعيداً عن البيانات الرسمية، تكشف التقارير الصحفية عن أبعاد أمنية خطيرة لهذه الصفقة.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نقلت عن مصادر حكومية اهتمام تل أبيب باستخدام أراضي "أرض الصومال" كمنصة لمهاجمة الحوثيين في اليمن، نظراً للقرب الجغرافي الذي يتيح لإسرائيل تجاوز عوائق المسافة واللوجستيات.
الأخطر من ذلك ما كشفته وكالة "أسوشيتد برس" في مارس الماضي، عن اتصالات أمريكية-إسرائيلية مع دول أفريقية، بينها أرض الصومال، لبحث إمكانية "توطين فلسطينيين من قطاع غزة".
ورغم نفي مسؤولي أرض الصومال حينها علمهم بمثل هذه الاتصالات، إلا أن توقيت الاعتراف الإسرائيلي اليوم يعيد إحياء الشكوك حول وجود "ثمن سياسي" لهذا الاعتراف، قد يكون القبول باستقبال لاجئين فلسطينيين أو تقديم تسهيلات عسكرية.
هذه الفرضيات تجعل من الخطوة الإسرائيلية ليست مجرد مناورة دبلوماسية، بل جزءاً من إعادة ترتيب أوراق المنطقة على وقع حرب غزة وتداعياتها الإقليمية.

