في الوقت الذي تتساقط فيه القذائف الإسرائيلية على رؤوس المدنيين في غزة، تحولت الموانئ المصرية إلى "استراحة لوجستية" لسفن الموت التي تغذي آلة الحرب الصهيونية. الفضيحة الجديدة بطلتها سفينة الشحن الألمانية "هولغر جي" (Holger G)، التي كشفت تقارير موثقة ومنظمات دولية أنها لا تحمل بضائع تجارية، بل تحمل "الموت" في عنابرها: 440 طناً من المعدات العسكرية والمتفجرات.

 

ورغم المناشدات الحقوقية الصارخة، فتحت السلطات المصرية أبواب ميناء بورسعيد للسفينة مساء 22 ديسمبر، لترسو بسلام وتتزود بما تحتاجه قبل أن تواصل رحلتها المشؤومة إلى ميناء حيفا، ثم تعود مجدداً لزيارة الإسكندرية، في تواطؤ مفضوح ينسف كل شعارات "السيادة" و"التضامن" التي يلوكها الإعلام الرسمي.

 

المشهد لم يعد مجرد "مرور بريء" لسفن تجارية، بل مشاركة عملية في تسهيل وصول "أدوات الإبادة" لجيش الاحتلال، وهو ما يضع النظام المصري في قفص الاتهام المباشر كـ"شريك صامت" في الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين، متجاهلاً التحذيرات الدولية التي صنفت حمولة السفينة كخطر يساهم في الإبادة الجماعية.

 

"العفو الدولية" تحذر والقاهرة "تفتح الأبواب".. شحنة الموت تمر من هنا

 

لم تكن السلطات المصرية تجهل طبيعة "الضيف الثقيل" الذي دخل مياهها الإقليمية. فمنظمة العفو الدولية كانت قد أطلقت نداء استغاثة استباقياً، طالبت فيه الدول بعدم استقبال السفينة "هولغر جي"، محذرة بوضوح من أن حمولتها الفتاكة التي تزن مئات الأطنان يجب ألا تصل إلى إسرائيل. المنظمة أكدت أن هناك خطراً واضحاً يتجلى في أن تساهم عملية النقل هذه في ارتكاب "إبادة جماعية" وجرائم حرب. ومع ذلك، ضرب النظام المصري بهذه التحذيرات عرض الحائط، وسمح للسفينة بالرسو في بورسعيد، في خطوة فسرها مراقبون بأنها انصياع كامل للإملاءات الخارجية وتجاهل متعمد للقانون الدولي والواجب القومي.

 

 

الدكتور سام يوسف أكد الكارثة، مشيراً إلى أن الحمولة تتضمن سبائك تُستخدم في القذائف ومكونات لإنتاج الصواريخ، وأن السلطات المصرية "سمحت" لها بالدخول بوعي كامل، وهو ما يمثل طعنة في ظهر الغزيين الذين يُقتلون بهذه الذخائر نفسها.
 

 

من "بورسعيد" إلى "حيفا".. خط إمداد "إلبيت سيستمز" عبر المياه المصرية

 

التفاصيل التي تكشفت عن حمولة السفينة تزيد من فداحة الجرم. فبحسب ما نقله الناشط أحمد عن تقارير غربية، فإن الشحنة موجهة لصالح شركة "إلبيت سيستمز" (Elbit Systems) الإسرائيلية، وهي العمود الفقري لتسليح جيش الاحتلال وأحد أكبر مزودي أدوات القتل في حرب الإبادة الحالية. السفينة رست في بورسعيد مساء الاثنين 22 ديسمبر، لتقوم بعمليات لوجستية قبل أن تنقل حمولتها القاتلة إلى حيفا. هذا "الترانزيت" المصري لم يكن مجرد مرور، بل هو تسهيل لوصول 440 طناً من المعدات العسكرية التي ستتحول بعد أيام إلى شظايا تمزق أجساد الأطفال في جباليا وخان يونس.

 

 

الدكتور مهندس صلاح الدين أوضح الطبيعة الفنية المرعبة للحمولة: أجزاء قنابل هاون، مقذوفات، وفولاذ مكون من سبائك معدنية معقدة وربما يورانيوم، وجميعها مرت تحت سمع وبصر المسؤولين في ميناء بورسعيد، الذين يبدو أنهم يتعاملون مع "اللوائح البيروقراطية" بقداسة تفوق قداسة الدماء العربية.
 

 

النظام في خدمة الاحتلال.. الموانئ المصرية "حديقة خلفية" لإسرائيل

 

ما يثير الغضب الشعبي هو التكرار الممنهج لهذه الوقائع، والإصرار على استقبال السفينة مرة أخرى في طريق عودتها أو توجهها للإسكندرية، كما أشار الناشط ياسين عز الدين. عز الدين وصف المشهد بعبارات حادة، معتبراً أن السيسي أثبت مجدداً أنه "مجرد موظف عند دولة الاحتلال"، حيث تجاهل كل المناشدات لمنع رسو السفينة، مفضلاً تقديم الخدمات اللوجستية لقاتل شعبه الشقيق. السفينة، التي أفرغت سمومها في حيفا، تعود الآن لتتزود بالوقود والمؤن من الإسكندرية، وكأن الموانئ المصرية باتت "نقطة استراحة" آمنة للأسطول الحربي والتجاري الداعم لإسرائيل.

 

 

هذا التساؤل المؤلم طرحته الصحفية ماجدة محفوظ: "مصر إلى أين؟ ومتى يقف الشعب؟"، مستنكرة أن تكون مصر ممراً لـ 440 طناً من المعدات العسكرية للعدو. إن استمرار هذا النهج يؤكد أن النظام الحالي لم يعد يكتفي بالصمت أو الحياد، بل انتقل إلى مربع "الشريك اللوجستي"، الذي يوفر الممر الآمن والوقود اللازم لاستمرار المجزرة، بينما يكتفي في العلن ببيانات الشجب والاستنكار التي لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.