يدخل السوق العقاري المصري عام 2025 وهو محمّل بكل أعراض الانفجار: إلغاء جماعي للحجوزات يصل إلى 40% في مشروعات كبرى، وانسحاب متزامن للعملاء والسماسرة، وحرق أسعار جعل وحدة السوق الثانوي أرخص من سعر المطور نفسه، في ظاهرة وصفتها الخبيرة سالي صلاح بأنها "غير مسبوقة" وتكشف انهياراً في هيكل التسعير. وبينما تتسابق الشركات على طرح تسهيلات سداد حتى 12 و15 عاماً، وتقديم خصومات وهدايا لإنقاذ السيولة، تقف حكومة الانقلاب متفرجة، مكتفية بجباية الضرائب العقارية وبيع الأراضي للمطورين، تاركة ملايين المصريين بين فكي فقاعة أسعار من ناحية، وانهيار محتمل لشركات متعطشة للسيولة من ناحية أخرى.
فقاعة الأسعار: عندما تصبح الشقة للأثرياء فقط
منذ 2023، قفزت أسعار الوحدات السكنية في العاصمة الإدارية والقاهرة الجديدة وغيرها بنسب وصلت إلى 60–70% في عامين، ثم 8–12% إضافية في 2025، بينما دخل المواطن لم يواكب شيئاً من ذلك، ما خلق فجوة خطيرة بين السعر والدخل الحقيقي. تشير تحليلات د. سالي صلاح إلى أن جوهر الأزمة هو "انفصال كامل بين السعر والدخل؛ شقق بـ7–10 ملايين جنيه في سوق يغطي فيه دخل الأسرة بالكاد 5–10% من هذا الرقم"، مؤكدة أن العقار فقد وظيفته كسكن وتحول إلى أداة مضاربة وفشل حتى في ذلك مع اشتداد الركود. هذا التضخم الوهمي في الأسعار بُني على تسعير خيالي للدولار (حتى 100 جنيه) كما أشار صحفيون وخبراء، دون أي تدخل جاد من الدولة لمراجعة "الأسعار الوهمية" التي باعت بها الشركات للمواطنين. النتيجة أن السوق أصبح فعلياً موجهاً للأثرياء فقط، بينما انزاحت الطبقة الوسطى إلى هامش العجز الكامل عن التملك، في ظل حكومة تتعامل مع العقار كحصالة ضرائب وأداة لتلميع مشروعات النظام لا كحق أساسي في السكن.
تسهيلات السداد: إنقاذ مؤقت أم طريق إلى انهيار الشركات؟
لإنقاذ مبيعات تجاوزت 1–1.2 تريليون جنيه في أول 9 أشهر من 2025، اندفعت الشركات إلى تمديد فترات السداد حتى 12 و15 سنة، مع مقدمات 10–20% وخصومات بين 5–15%، وتسهيلات تمويلية مشتركة مع البنوك. يوضح محللون عقاريون أن هذه الخطط زادت المبيعات على الورق لكنها خنقت السيولة الفعلية؛ فالأموال تتدفق ببطء، بينما تكاليف الإنشاء والتمويل ترتفع، ما يضع الشركات الصغيرة والمتوسطة على حافة الإفلاس في حال حدوث أي ركود إضافي أو تأخر في التنفيذ. يحذر خبراء مثل المهندس أحمد العتال من أن 2025 هو "عام تصحيح قاسٍ" للقطاع، وأن استمرار الاعتماد على السداد الطويل دون قنوات تمويل عقاري حقيقية ولا رقابة حكومية على ملاءة المطورين، قد يقود إلى سلسلة تعثرات تتسبب في انهيار شركات، وتأجيل تسليم آلاف الوحدات لسنوات. الأخطر أن هذه السياسات تُستخدم للتغطية على سوء إدارة حكومي للقطاع؛ فبدلاً من ضبط المعروض وتوجيهه إلى وحدات متوسطة ومحدودة الدخل، تشجع الدولة سباق الفخامة والأبراج، تاركة المطورين يغرقون في مشروعات لا تملك السوق قدرة شرائية حقيقية لها.
سوق يحتضر: سيطرة المطورين وتهميش الأفراد
تأثير هذه السياسات ظهر بوضوح في سوق إعادة البيع، الذي يشهد تراجعاً حاداً؛ فالمشتري من المطور يحصل على تسهيلات ضخمة، بينما البائع الفرد يطلب استرداد ما دفعه نقداً وهامش ربح، ما جعل عروض الريسيل غير جذابة، وأدى إلى انخفاض الأسعار فيه بنحو 10%، وتراجع المبيعات بما يصل إلى 70% حسب تقديرات ميدانية واستطلاعات متخصصة. يؤكد خبراء سوق مثل محللي "المؤشر" وآخرين أن "تغيير خريطة السوق" بفضل تسريع الإنشاءات وطرح وحدات شبه جاهزة وتسهيلات طويلة الأجل، قلّص تماماً من قدرة الأفراد على إعادة البيع لصالح سيطرة المطورين الكبار على حركة السوق واتجاهاته. في المقابل، يحذر اقتصاديون مستقلون من أن غياب إطار رقابي واضح من الحكومة – سواء في تسعير الأراضي، أو شفافية عقود البيع، أو حماية حقوق المشترين في حالة تعثر المطور – يحوّل سوق العقار إلى "كازينو كبير"؛ يكسب فيه المطورون الكبار في المدى القصير، بينما يتحمل الأفراد والمجتمع كلفة الانهيار إذا انفجرت الفقاعة.
مسؤولية حكومة الانقلاب: ترك السوق يحترق ثم جباية الضرائب
رغم كل التحذيرات من انفجار فقاعة عقارية وتحول الركود إلى أزمة نظامية، لا يظهر أي تحرك جاد من حكومة الانقلاب لوضع سياسة إسكان متوازنة أو تنظيم السوق؛ بل تواصل الدولة بيع أراضٍ بأسعار مرتفعة، وفرض ضرائب ورسوم، دون تقديم شبكة حماية أو تمويل عقاري منظّم للفئات المتوسطة والفقيرة. خبراء مثل د. سالي صلاح وغيرهم طالبوا بخطة طوارئ لدعم مدخلات البناء، وضمانات حقيقية للمشترين، وحوار ملزم بين الرئاسة وغرفة التطوير العقاري، محذرين من أن غياب هذه الإجراءات قد يحوّل الركود الحالي إلى "انفجار اقتصادي" يضرب المطورين والاقتصاد ككل. لكن السلطة التي حولت العقار إلى واجهة لمشروعات العاصمة الجديدة و"المدن الذكية" تبدو معنية فقط بأرقام المبيعات الكلية – التي تجاوزت تريليون جنيه لأكبر 10 شركات – كدليل وهمي على نجاح اقتصادي، متجاهلة أن هذه المبيعات تعتمد على ديون الأسر وتسهيلات خطرة، لا على دخل حقيقي ولا طلب مستدام. في ظل هذا الإهمال، يتحول حلم السكن إلى كابوس لطبقة وسطى تُسحق بين فقاعة أسعار وبطء الأجور، وسوق ريسيل يحتضر، ومطورين يحاولون النجاة بأي وسيلة، ودولة لا ترى في العقار إلا خزينة سريعة لإنقاذ موازنة منهكة.

