في مناورة يائسة لإخفاء كارثة الدين الخارجي الذي تجاوز 160 مليار دولار، يتوسل قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي لدائنين سعوديين وصينيين وآخرين بتحويل نحو 20 مليار دولار ديون إلى "استثمارات"، مقابل تسليم أجمل شواطئ مصر وقطع عقارية استراتيجية في رأس الحكمة والبحر الأحمر والساحل الشمالي.

 

هذه "مبادلة الديون"، التي أوصى بها صندوق النقد في المراجعتين الخامسة والسادسة، ليست إصلاحاً مالياً بل تفريطاً وطنياً صارخاً؛ فبدلاً من وقف الإسراف العسكري ومحاسبة الفاسدين، يبيع النظام أرض مصر للخليجيين والصينيين مقابل إعفاء مؤقت من الفوائد، مما يهدد السيادة الوطنية ويحول مصر إلى مستعمرة استثمارية.

 

سقف الدين عند 44% من الناتج المحلي، مع هدف خفضه إلى أقل من 40% بحلول 2026، هو وهم؛ فالوديعة السعودية الـ10 مليارات والصينية الـ9 مليارات ستُحوّل إلى مدن شبحية لا تخدم الشعب، بل تملأ جيوب المقاولين العسكريين، بينما يدفع المصريون ثمن الانهيار عبر تضخم وفقر.

 

بيع الشواطئ للسعودية: صفقة رأس الحكمة نموذج الخيانة العقارية

 

تكشف خطة الحكومة، التي استعرضتها الأسبوع الماضي، عن تكرار لصفقة فبراير 2024 مع "مدن القابضة" الإماراتية، حيث سلّمت حقوق تطوير رأس الحكمة مقابل 24 مليار دولار وتحويل 11 مليار وديعة، واليوم تتوسع لتشمل السعودية بـ10 مليارات وديعة لدى البنك المركزي. هذه القطع الاستراتيجية على البحر الأحمر والساحل الشمالي، التي كانت متنفساً وطنياً، أصبحت غنيمة للدائنين مقابل إلغاء ديون، في صفقة تُشبه بيع التركة الأسرية لسداد ديون القمار.

 

المصدر بوزارة المالية يتحدث عن "تسهيلات" للسعودية في المناطق الواعدة، لكن الواقع تفريط: شواطئ تُمنح لفنادق فخمة ومنتجعات خليجية، بينما 60% من المصريين تحت خط الفقر لا يملكون ولو متراً مربعاً. هذا ليس استثماراً، بل استعمار اقتصادي يُقنع الخليجيين بأن مصر "صديقة" مقابل إنقاذ نظام مديون يفلس الشعب لتمويل قصور السيسي.

 

الصين تشتري القطارات والمونوريل: ديون متراكمة مقابل مشاريع فاشلة

 

الصين، التي مولت بالفعل القطار الكهربائي السريع (1.2 مليار دولار) والمونوريل بـ"سامكريت-سيماك"، مستعدة لمبادلة 9 مليارات دولار ديون، مقابل مشاريع إضافية محلية. اتفاق 2023 كان مبدئياً، واليوم يُوسّع ليشمل بنى تحتية غير منتجة، حيث يستمر الدين الصيني في التراكم دون عائد حقيقي للاقتصاد.

 

حكومة الانقلاب، التي أبرمت اتفاقات سابقة مع ألمانيا وإيطاليا بـ270 مليون دولار، تُكرر الخطأ: تحويل ديون إلى استثمارات عسكرية/عقارية لا تخلق وظائف مستدامة، بل تزيد الاعتماد على الدائنين. المشكلة الهيكلية أن هذه "المبادلات" لا تخفف العبء؛ فالدين يبقى، لكنه ينتقل من نقدي إلى أصول غير سائلة، بينما الفوائد تستمر في النزيف (أكثر من 20 مليار دولار سنوياً). النظام يتوسل الخليج والصين لأنه أهدر المليارات على "مدن المليون" الفارغة، ويُقنع الدائنين بـ"الاستدامة" بينما يرفع الدين إلى 165% من الناتج المحلي.

 

عبء الدين 160 مليار: خطة خفض وهمية لإنقاذ النظام لا الشعب

 

مع دين خارجي يُشكل خطراً وطنياً، تسعى الحكومة لخفض نسبته من 44% إلى أقل من 40% عبر "أدوات جديدة"، لكن هذا وهم يُدار بالدعاية لا الإصلاح. توصيات صندوق النقد بـ"أولوية الإنفاق الاجتماعي" مُتجاهلة؛ فالـ20 مليار المستهدفة ستذهب لمشاريع عسكرية، بينما الفقراء يدفعون فواتير الكهرباء المرتفعة والغلاء. الاتصالات مع ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، الكويت إلى جانب السعودية والصين، تكشف عزلة النظام الذي أصبح تابعاً للدائنين.

 

هذه الخطة لا تعزز النمو، بل تبيع السيادة: شواطئ البحر الأحمر للسعودية، قطارات للصين، عقارات للإمارات، مقابل إعفاءات مؤقتة. النتيجة؟ اقتصاد يعتمد على الصدقات الخليجية، مع بطالة 10% وتضخم 12%، بينما الجيش يسيطر على 60% من الاقتصاد غير الشفاف. حكومة الانقلاب لا تُدار الدين، بل تُدار به؛ تبيع الأرض لإطالة أمدها، وتاركة أجيالاً قادمة مديونة بتركة مفلسة.

 

في الختام، "مبادلة الديون" هي غطاء للتفريط الوطني، حيث يُباع مستقبل مصر لإنقاذ نظام فاسد. بدلاً من الإصلاح الحقيقي – تقليص الإنفاق العسكري، دعم الإنتاج، محاسبة المفسدين – يختار السيسي بيع الشواطئ والقطع العقارية. هذا ليس إدارة مالية، بل خيانة اقتصادية تُفقر الشعب إلى الأبد