نشرت الجريدة الرسمية قرارًا صادرًا عن وزير الإسكان – بتاريخ الأول من نوفمبر 2025 – يقضي بحذف ثلاثة منازل تاريخية من سجلات المباني ذات الطراز المعماري المتميز بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري؛ وهي السجلات التي تمنح لهذه المباني حماية قانونية تمنع هدمها أو تغييرها جوهريًا.

 

وبموجب هذا القرار، تصبح تلك العقارات غير مشمولة بأي حماية، الأمر الذي يفتح الباب أمام إزالتها في أي وقت تحت مظلة «التطوير»، في خطوة أثارت موجة جديدة من القلق بين المدافعين عن التراث والمهتمين بتاريخ القاهرة.

 

بيوت خارج المأمن

 

شمل القرار ثلاثة عقارات بارزة داخل النسيج التاريخي للقاهرة:

 

  • العقار رقم 112 بشارع المعز لدين الله الفاطمي: منزل تاريخي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1288 هجرية (1871 ميلادية)، ويعد من المباني التي حافظت على جزء من ملامح العمارة التقليدية بشارع المعز، أحد أهم شوارع القاهرة الفاطمية.
  • العقار رقم 19 شارع يعقوب بالسيدة زينب: منزل يقع في قلب منطقة غنية بالمباني التراثية القديمة التي تشهد على تحولات عمرانية وثقافية ممتدة منذ القرن التاسع عشر.
  • العقار رقم 2 شارع الزيادة بالقرب من مسجد أحمد بن طولون: وهو موقع حساس داخل نطاق واحد من أهم مساجد القاهرة الإسلامية وأقدمها.

 

حذف هذه المباني من قوائم الحماية يُعد ـ وفق خبراء الحفاظ على التراث ـ تمهيدًا تقليديًا للهدم، خاصة أن قرارات مشابهة خلال السنوات الأخيرة تبعتها عمليات إزالة واسعة تحت مسمى «التطوير».

 

الرؤية الحكومية: تطوير يواكب "الجمهورية الجديدة"

 

يأتي قرار الحذف في سياق تصريحات رسمية متكررة تؤكد سعي الحكومة لإعادة تشكيل القاهرة التاريخية بشكل يتناسب مع رؤية «الجمهورية الجديدة».

 

قبل أسبوعين فقط، صرّح رئيس حكومة السيسي، مصطفى مدبولي خلال جولة تفقدية بأن الانتهاء من مشروعات إحياء القاهرة التاريخية يمثل «لَبِنة في بناء الجمهورية الجديدة»، مشيرًا إلى اعتماد الحكومة على محورين: تحقيق حداثة تواكب التطور العالمي، والحفاظ على إرث الحضارات التي مرت على مصر.

 

تهديدات مستمرة للنسيج التاريخي

 

شهدت القاهرة التاريخية خلال السنوات الماضية موجة هدم واسعة شملت مباني سكنية قديمة ومناطق عمرانية تقليدية، تلاها توسع لافت في إزالة أجزاء من المقابر التاريخية بمحيط «قرافة المماليك» وغيرها، ما أثار انتقادات واسعة محليًا ودوليًا، وطرح أسئلة حول مصير الشخصية العمرانية للمدينة التي تعد من أقدم العواصم المأهولة في العالم.

 

واعتمدت الحكومة في معظم عمليات الإزالة على مبررات تتعلق بتسهيل الحركة المرورية، وفتح شرايين طرق جديدة، وتحويل عدد من المناطق إلى وجهات فندقية واستثمارية.

 

فرص استثمارية جديدة في قلب القاهرة القديمة

 

تزامن الإعلان عن حذف المباني الثلاثة مع إعلان رسمي عن طرح 5 إلى 7 فرص استثمارية جديدة في القاهرة التاريخية خلال العام المقبل، موجهة للقطاع الخاص. وتشمل هذه الفرص:

 

  • إنشاء مراكز تجارية ومناطق مفتوحة للتسوق فوق أراضٍ شاغرة قرب مشروع حدائق الفسطاط.
  • إعادة تأهيل مبانٍ تاريخية بحيث تُحوّل إلى فنادق أو منشآت خدمية ذات طابع سياحي.
  • تنفيذ مشروعات تجارية ذات طراز معماري «يتناغم» ـ وفق الخطاب الرسمي ـ مع الهوية البصرية للمناطق التاريخية.

 

وتشير ملامح الخطة إلى اتجاه متزايد لتحويل أجزاء من القاهرة الأثرية إلى مناطق جذب تجاري وسياحي بنمط جديد، أثار جدلًا حول مدى قدرة هذه الخطط على الحفاظ الحقيقي على التراث، لا سيما في ظل تكرار عمليات الهدم.