أسفر حادث تسريب الغاز في شقة بمدينة العمال بإمبابة، عن وفاة شخص وإصابة 3 آخرين، بالإضافة لسقوط سقف المنزل وانهيار جزئي لعقار مجاور.
هذا الحادث ليس "قضاءً وقدرًا" كما سيُقال في البيانات الرسمية، بل نتيجة مباشرة لإهمال دولة تركت مواسير الغاز وأنابيب البوتاجاز تتحول إلى قنابل موقوتة داخل بيوت الفقراء.
تكرار هذا النمط من الكوارث في الجيزة وغيرها يكشف أن المشكلة ليست في "خطأ فردي"، بل في منظومة كاملة بلا رقابة ولا صيانة حقيقية تحت حكم الانقلاب.
لحظة انفجار ماسورة غاز في امبابة مما تسبب في انهيار عقار وسقوط عدد من المصابين pic.twitter.com/S2omtEyfTa
— شبكة رصد (@RassdNewsN) December 11, 2025
تسريب غاز يحوّل شقة إلى مصيدة موت
في مدينة العمال بإمبابة، تحولت شقة سكنية عادية إلى مصيدة موت لأسرة كاملة بسبب تسريب من ماسورة غاز داخلية، لينتهي الأمر بجثمان وضحايا آخرين مصابين بحروق أو اختناق، وسط ذعر الجيران وصوت سيارات الإسعاف المتأخر كالعادة.
البلاغ الذي تلقته أجهزة الأمن من الأهالي لا يغيّر شيئًا من الحقيقة الجوهرية: أن الدولة لا تملك نظام إنذار مبكر أو شبكة فحص دوري لمواسير الغاز داخل العقارات الشعبية، وأن حياة الناس تظل مرهونة بقطعة ماسورة متهالكة أو وصلة غير آمنة تمر فوق رؤوسهم يوميًا.
قنابل غاز موقوتة في قلب الأحياء الشعبية
الحادث الحالي يضاف إلى سلسلة طويلة من كوارث تسريب الغاز في مصر، حيث حصد تسرب الغاز أرواح أسر كاملة في القاهرة والجيزة والفيوم خلال السنوات الماضية، وسط اعترافات رسمية بأن هذه الحوادث "تتكرر أحيانًا" في مناطق فقيرة لا تُطبَّق فيها معايير السلامة.
في الجيزة نفسها قُتل عمال وسكان في وقائع سابقة بسبب تسرب الغاز في شقق سكنية أو انفجار خطوط بالقرب من التجمعات السكنية، بينما تتعامل السلطة مع كل حادث كاستثناء، لا كجرس إنذار يستدعي خطة وطنية لفحص الشبكات وتغيير المواسير المتهالكة ووضع معايير صارمة للسلامة.
دولة تبني الكباري وتترك المواسير تتآكل
المفارقة القاسية أن الحكومة تتفاخر بمشروعات طرق وجسور وعواصم جديدة، لكنها تعجز عن صيانة شبكة غاز قديمة تخترق أحياء مكتظة، أو مراقبة شركات المقاولات التي تعبث بخطوط الغاز دون تنسيق أو التزام بمعايير الأمان، كما كشف تحقيقات انفجار خط غاز بوادي الواحات في الجيزة وما سبقه من كوارث مشابهة.
تقارير هندسية سابقة أظهرت أن غياب الإشارات التحذيرية على مسارات خطوط الغاز، وسوء الإشراف على أعمال الحفر والمرافق، وتجاهل البلاغات عن رائحة الغاز، عوامل تكرر نفسها في كل كارثة تقريبًا، بما يعني أن ما يحدث اليوم في إمبابة ليس مفاجأة لأحد داخل أجهزة الدولة، بل هو الثمن "المعتاد" لسياسة غضّ الطرف عن الفساد والإهمال.
حوادث يمكن منعها.. لكن من يهتم؟
دراسات عن حوادث اسطوانات وغاز المنازل في دول أخرى توصلت إلى أن معظم هذه الكوارث يمكن منعها بخطوات بسيطة: صيانة دورية، استبدال الخراطيم والمنظمات المنتهية الصلاحية، تركيبات مطابقة للمواصفات، وتوعية مستمرة للمواطنين بخطورة التسريب وكيفية التصرف عند الشك في وجوده.
تقارير وتحقيقات عن "قنابل الغاز" في المنطقة العربية تشير بوضوح إلى أن ترك الإسطوانات والمواسير المتهالكة في المطابخ المغلقة وعلى سلالم العمارات دون رقابة نظامية يحوّل كل مبنى إلى قنبلة جاهزة للانفجار، وأن رخص الأسعار وضعف الرقابة وغياب حملات التوعية الرسمية عوامل تضاعف عدد الضحايا في كل مرة.
من المسؤول عن دم ضحايا إمبابة؟
في كل حادث مشابه، تُفتح محاضر الشرطة، وتُقيد القضايا ضد مجهول أو "إهمال" بلا أسماء كبيرة، ثم تُدفن الكارثة مع الضحايا، بينما ينجو الذين تركوا الشبكة بلا صيانة، وسمحوا بالعشوائية في التمديدات، وتغاضوا عن فساد المحليات التي تغلق عينيها عن مخالفات قاتلة.
حكومة الانقلاب التي تحاصر الناس بقوانين ورسوم وغرامات في كل تفصيلة من حياتهم، تترك أخطر ملف يمس حياتهم اليومية بلا منظومة حقيقية للفحص والإنذار والمحاسبة، ثم تتحدث بعد كل مصيبة عن "تعويضات" هزيلة و"تحقيقات" لا تنتهي إلى شيء.
العدالة الحقيقية في حادث إمبابة لن تكون ببيان تعاطف أو جنازة، بل:
• كشف علني لنتائج التحقيق الفني في سبب التسريب ومسؤولية شركة الغاز والمحليات.
• إعلان خطة عاجلة لفحص شبكات الغاز في الأحياء الشعبية، خاصة العقارات القديمة والمكدسة.
• محاسبة كل مسؤول أهمل في الرقابة أو سمح بتمرير تمديدات عشوائية أو تجاهل بلاغات سابقة عن تسرب أو روائح غاز.
إلى أن يحدث ذلك، سيبقى كل مطبخ في مدينة العمال وأحياء الجيزة وأغلب مدن مصر مهددًا بأن يتحول في لحظة إلى قبر جماعي، وستبقى كل روح جديدة تُزهق في حوادث "التسريب" عنوانًا إضافيًا على أن أرخص ما تملكه هذه الدولة في عهد الانقلاب هو حياة مواطنيها.

