حتى بعد مضي عام واحد على سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، وتولي أحمد الشرع الحكم خلفًا له، إلا أن الفتور يسود علاقته مع النظام الحالي في مصر، بقيادة  عبدالفتاح السيسي.

 

يأتي ذلك على خلاف حلفاء السيسي في الخليج الذين احتضنوا القيادة السورية الجديدة ويعملون على تقديم الدعم لها منذ اليوم الأول لوصولها إلى السلطة.

 

تحفظ مصري 

 

وفي حين سارعت دول عربية عدة إلى التواصل مع السلطات الجديدة في دمشق، بدا نظام السيسي أكثر تحفظًا. 

 

فبعد أن أعلن وزير الخارجية بدر عبدالعاطي دعمه للأسد قبل ثلاثة أيام فقط من الإطاحة به، انتظر ثلاثة أسابيع قبل الاتصال بنظيره السوري أسعد الشيباني، وحث السلطة الجديدة في دمشق على ممارسة "الشمولية".

 

وقد أثار انهيار نظام الأسد على نحو مفاجئ صدمة في وسائل الإعلام الموالية للأجهزة الأمنية في مصر.

 

ورأى الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتب الرئيس الأسبق حسني مبارك للمعلومات، أن النظام السوري سقط لأن جيشه لم يدافع عنه. فقد تخلى الجيش عن مسؤوليته وولائه للأسد، ولم يعد ينظر إليه كقائد أو قائد أعلى للقوات المسلحة، ما حسم مصيره. 

 

فزع السيسي من الشرع 

 

فيما فسر الكاتب الصحفي المعارض، جمال سلطان، ما وصفه بـ "الفزع الشديد، والعنف في الخطاب الإعلامي" في مصر تجاه أحمد الشرع، بأنه يتعلق بنموذج القائد الجديد في سوريا، والذي استطاع أن يكوّن تنظيمًا سياسيًا وعسكريًا خلال أقل من عشر سنوات يزحف به إلى العاصمة ويطيح بنظام قمعي ودموي وعريق في السلطة مثل نظام آل الأسد في أقل من أسبوعين، الأمر الذي اعتبره يمثل مفاجأة مرعبة لنظام يقوم على السيطرة العسكرية والأمنية في مصر.

 

أما السبب الثاني من وجهة نظره، فهو أن القائد الجهادي السابق الذي كان يوصف بالتطرف والإرهاب، يقدم خطابا سياسيًا ناضجًا ومعتدلاً ومقنعًا، يربح به عقل وقلب كل من سمعه، وبخاصة في العواصم الكبرى، الدولية والإقليمية، وهذا هو المرعب لنظام مثل نظام السيسي تقوم شرعيته الأساسية على الدعم الخارجي، والقبول الخارجي، وعلى السيطرة بالسلاح، وليس بالقبول الشعبي أو الشرعية الديمقراطية، أو الانتخاب الحر والحقيقي.

 

علاوة على القبول العربي، والخليجي تحديدًا، في ظل الاحتفاء السعودي بالقائد السوري الجديد ـ الإسلامي ـ وإبداء الرغبة في دعمه وتقديم يد العون لسوريا تحت إدارته، وكذلك قطر.

 

وعلى الرغم من التردد الأولي من جانب البعض، فقد أقامت دول الخليج، بما فيها السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، اتصالات مع الحكام الجدد لسوريا. 

 

لقاء السيسي والشرع 

 

بينما كان اللقاء الوحيد الذي جمع الشرع مع السيسي خلال أعمال القمة العربية غير العادية التي انعقدت بالقاهرة في مارس الماضي، في ظل تصاعد العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، لطرح خطة بديلة عن تهجير الفلسطينيين من القطاع. 

 

مع ذلك، بدا استقبال السيسي فاترًا بشكل ملحوظ، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح في النهج الحذر الذي حافظ عليه النظام في مصر تجاه القيادة السورية، فلم يحدث تقارب من جانبه كما فعلت دول الخليج، التي حرصت على مؤازة ودعم أحمد الشرع، ووجهت له الدعوات لزيارتها، ولعبت دورًا بارزًا مع تركيا في رفع العقوبات الأمريكية على سوريا. 

 

وعلى الرغم من أن النظام الاتقلابي في مصر يتجنب توجيه انتقادات مباشرة للشرع، إلا أن تحفظاته وتجاهله له واضحان، إذ يفضل توجيه نداءات مباشرة إلى الشعب السوري. 

 

مع ذلك، تبنت مصر نهجًا براجماتيًا في تعاملها مع الشرع ونظامه، حيث تقيّم أفعاله - التي قد تشير إلى سياسته - بدلاً من الاعتماد على الخطابات الرنانة. 

 

تصريحات الشرع 

 

وفي أكتوبر الماضي، أثار الشرع جدلاً واسعًا في أعقاب تصريحات أدلى بها عن مصر والعراق بعد أن وصف والإمارات وقطر بأنها دول ناجحة.

 

وقال آنذاك: "دول أيضًا مثل مصر والعراق وباقي الدول لديها نجاح، لكن هذه الدول (دول الخليج) تعمل بجهد مضاعف وسرعة فائقة وتواكب التطور الحاصل في العالم، التطور التقني والتكنولوجي وما إلى ذلك"، الأمر الذي اعتبره معلقون موالون لنظام السيسي انتقاصًا من مصر، مقارنة بدول الخليج. 

 

وعكس هذا على ما يبدو أجواءً من التوتر المكتوم التي تهيمن على العلاقة بين القيادة السورية والنظام الانقلابي في مصر، وهو ما تترجمه تصريحات الرئيس السوري التي أدلى بها مؤخرًا ووصف فيها علاقة بلاده مع تركيا والسعودية وقطر والإمارات بـ"المثالية"، في حين أشار إلى أن العلاقات مع مصر والعراق "مقبولة".

 

ويرى مراقبون أن تصريحات الشرع تعكس طبيعة العلاقات مع النظام في مصر، الذي رغم نهجه الحذر في التعامل مع القيادة السورية، إلا أن يخشى من أن يجد نفسه معزلاً في نهجه هذه، بخاصة في ظل الرغبة الإقليمية في إنجاح تجربة القيادة السورية، وإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية مجددًا، بعد سنوات كانت أقرب خلالها إلى إيران من أية دولة أخرى.